قدموا بشفافية مشروعاً متكاملاً

نشر في 30-12-2015
آخر تحديث 30-12-2015 | 00:15
No Image Caption
لا يخفى على أحد أن الحكومة، في ردِّ فعل على تدهور أسعار النفط، متجهة إلى حزمة من الإجراءات لتقليص الإنفاق العام وإعادة النظر في الدعومات والخدمات التي تقدمها الدولة إلى المواطنين. وتدور حول ذلك أفكار عن خفض الدعم أو إلغاء برامج مالية أو تخفيض مخصصات تمسّ شرائح المجتمع المختلفة، واتضح أن هناك توصيات محددة قدمتها ثلاث جهات محلية ودولية ستكون لها انعكاسات على الشرائح الدنيا وغيرها.

ولا تكمن الإشكالية في أن تتحرك الحكومة لمحاولة معالجة الحالة المالية للدولة، فهذا أمر مطلوب، ولكن المشكلة في أسلوب المعالجة المكرر، الباهت، فمازلنا نمارس ردود أفعال لا قيمة لها على أرض الواقع ونتلاعب بالألفاظ والمصطلحات كما نشاء، متناسين أننا نقف حيارى أمام اعتمادنا على مصدرٍ وحيدٍ للدخل يعاني دوماً الضغوطات الدولية واحتمالات الانكسار تحت وطأتها.

نحن أمام حالة مكررة، ففي النصف الثاني من الثمانينيات مثلاً، انهارت أسعار النفط، وكردِّ فعل شُكِّلت لجنة برئاسة وزير المالية حينئذٍ، لبحث كيفية زيادة الرسوم على الخدمات، أو استحداث رسوم جديدة، في سلوك مشابه لما يجري الآن. وبعد طول بحث وتصنيفات للخدمات المقدمة، وبمجرد حل مجلس الأمة في صيف ١٩٨٦ ارتفعت وتيرة الإنفاق الحكومي، وأُغرِق الناس بزيادات غير مدروسة، لكسب الود السياسي.

وفي هذا السياق نستذكر كيف تأسست لجنة إصلاح المسار في نهاية التسعينيات، بالتزامن مع التراجع الحادّ في أسعار النفط، وكيف انتهت أعمالها مع معاودة أسعار النفط الصعود، ثم اللجنة الاستشارية الاقتصادية العليا قبل 4 سنوات التي وضعت تقريرها دون أن تتبع ذلك إجراءات تنفيذية، فضلاً عن تقارير بالجملة لمؤسسات محلية وعالمية كالمجلس الأعلى للتخطيط والبنك الدولي وصندوق النقد الدولي وتقريرَي بلير وماكينزي.

أوضاعنا اليوم أكثر صعوبة من السابق، غير أن الحكومة مصرة على معالجة المعضلة بنفس العقلية ونفس المنهج من خلال بحث المشكلة في الغرف المغلقة، مع أنها تمسّ المجتمع برمته. ومن الواجب أن تخضع هذه المعالجة لنقاش مجتمعي واسع، كما ينبغي أن تحدد الحكومة بوضوح رؤيتها وبرنامجها التنفيذي لكي يتم الرد عليه وتعديله.

حتى اللحظة، لا توجد رؤية واضحة لما تعنيه الحكومة بالإصلاح، كما لا يوجد تعريف محدد لما تعنيه بالهدر والقضاء عليه، ولا المقصود بعدم المساس بجيب المواطن، ولا أين ذهب في وسط هذه الفوضى مصطلح "البديل الإستراتيجي"؟... وكلها في مجموعها مصطلحات هلامية غير واضحة يناقض بعضها بعضاً في أغلب الحالات.

إن استمرار الحديث الحكومي عن الهدر دون تحديده يؤدي إلى نتائج عكسية، ويصبح في هذه الحالة عدم الكلام عن الهدر أفضل من تكرار الحديث عنه دون القيام بإجراء من أي نوع.

في مثل هذه الظروف المالية العصيبة التي تمر بها البلاد، لم يعد هناك مجال لتعيد لنا الحكومة أسطوانتها المكررة المشروخة، بأحاديث لا معنى لها على أرض الواقع، وصار لزاماً عليها إخراج ما يدور في الغرف المغلقة إلى النور للنقاش العام حول نقاط محددة ضمن جداول مالية مصنفة وفي إطار جدول زمني تنفيذي مبرمج.

من دون شفافية ومشروع متكامل وواضح ومعلن، لا جدوى لتلك الأحاديث المملة والمبعثرة عن معالجة الهدر والإصلاح الاقتصادي وغيرهما، فضررها أكثر من نفعها، وخلاصة القول: "قدموا مشروعكم أو اصمتوا"

الجريدة.

back to top