سلمى حايك: قرأتُ {النبي} في الثامنة عشرة فشعرتُ بجدّي يكلمني!
ربما لا تخلو مكتبة من كتاب {النبي} للمفكر والكاتب اللبناني الراحل جبران خليل جبران. بالنسبة إلى نجمة هوليوود سلمى حايك فيلمها الأخير المقتبس من الكتاب (الصادر في 1923) هو رسالة حب إلى {تراثها}، ساعدتها في إحياء ذكرى جدها اللبناني الراحل الذي عشق {النبي}، فهي تلقت، كما أوضحت، من خلال الكتاب ما أراد جدها أن يعلمها عن الحياة.ويروي فيلم الرسوم المتحركة قصة فتاة عنيدة تربطها علاقة بشاعر سجين (مصطفى بصوت ليام نيسون) يُسجن بسبب شعره الذي يعتبر خطيراً ومتمرداً.
شاركت الممثلة المكسيكية- الأميركية، اللبنانية الأصل، في إنتاج الفيلم وقامت بالأداء الصوتي لأم بطلة الفيلم. وتجري أحداث القصة في مدينة ساحلية خيالية وتستعرض أفكار جبران عن الحب والروحانيات.وكانت حايك زارت بلدة بشري حيث ولد جبران خليل جبران في شمال لبنان. وأعربت عن أملها أن يقدم الفيلم للجمهور العالمي لمحة عن الأدب المشرقي. وقالت: {ثمة كاتب عربي كتب عن الفلسفة والشعر وجمع بين الأديان والعالم معا}.في مقابلة مع {باري ماتش} الفرنسية تحكي سلمى عن {النبي}، الكتاب والفيلم، عن علاقتها بجدها ونظرتها إلى الحياة الزوجية، والعائلة والشهرة والنجاح والشيخوخة والموت.كيف تعرفت إلى كتاب {النبي} لجبران خليل جبران؟بالنسبة إلي، يمثّل كتاب {النبي} جدي لأبي، وهو كان لبنانياً مثل جبران خليل جبران. لطالما رأيتُ هذا الكتاب على طاولته. عندما كنت طفلة، كان هذان الرجلان شخصاً واحداً بنظري. كنت مقرّبة جداً من جدي. كان عمري 6 سنوات حين مات. ورغم الألم الذي شعرتُ به، أعتبر أنه قدم لي هدية قيّمة: لا نبدأ بالتساؤل عن معنى الحياة إلا يوم يمسّنا الموت عن قرب. في عمر الثامنة عشرة، وجدتُ هذا الكتاب وقرأته وشعرتُ بأن جدي يكلمني: كان يعلمني معنى الحياة ويخبرني عن هويته. يخبرنا الجميع عن ذكريات بشأن أشخاص رحلوا، لكن لا أحد يخبرنا عن روحه. لفعل ذلك، يجب اكتشاف ما ينمّي تلك الروح. وهذا الكتاب هو الذي غذّى روح جدي.في الحياة الزوجيةهل لديك تصور خاص بالنسبة إلى الحياة الزوجية؟يجب أن يكون الزوجان معاً لكن أن يبقيا منفصلين في الوقت نفسه. لو لم يكن الزواج كذلك، لما تزوجت. حين أغرمتُ بزوجي، كنت قد تجاوزتُ الأربعين من عمري وقد اكتشفتُ معنى الحب الحقيقي: هو يعني أن نحبّ روح الطرف الآخر. هذا الحب وحده يستطيع مقاومة الزمن. نحن نتقاسم اهتمامات مشتركة كثيرة. نحن نعشق علم الفيزياء مثلاً، لكننا لا نحمل الأفكار نفسها عن مختلف المواضيع ولا بأس بذلك: لقد وجدنا توازناً يمنعنا من الشعور بالملل بسبب فرط القواسم المشتركة بيننا ومن عيش عذاب حقيقي بسبب وفرة الاختلافات بيننا. أحب التكلم معه وخوض التجارب المشتركة. يقال دوماً إن الزوجين يجب أن يتكلما. الكلام سهل! لكن ماذا بعد ذلك؟ يجب أن نتحرك معاً. هذا ما يضمن المضي قدماً.تعيشين بين لندن وباريس والولايات المتحدة... هل تشعرين بأن المسافات قد تفسد علاقتك الزوجية؟لا نمضي أكثر من أسبوعين من دون أن نتقابل. لكن سواء كنا قريبين أو بعيدين، لا تتعلق المسألة بالمسافات الجغرافية. أنا أعتبر العلاقة الزوجية مساحة تنشأ بين الطرفين، وهي تبقى على حالها حين نكون قريبين أو بعيدين. إنها مساحة آمنة ويمكن اللجوء إليها بالفكر. الغياب هو مناسبة لتقاسم تجارب حقيقية، إذ يمكن أن أضحك أمام مشهد معين لأنني أعلم أنه سيضحك أيضاً حين أخبره بما حصل. هذه هي طبيعة الأرواح المعقدة التي تغذي الحياة الزوجية. في المقابل، أنا مقتنعة بضرورة عيش الوحدة داخل الحياة الثنائية. أنا أعمل على تحقيق ذلك لأنني أميل إلى نسيان نفسي حين أكون مع زوجي أو وسط العائلة. أنا أحضّر خمسة أطباق لإرضاء أذواق كل شخص منهم لكني أستنتج في النهاية أن المائدة لا تشمل أياً من الأطباق التي أحبها أنا! [تضحك] يسهل أن نضيع عند التواجد وسط العائلة، وتحديداً بالنسبة إلى المرأة: أشعر بأن الرجل لا ينسى مطلقاً حقيقته. لكني أتساءل دوماً: {أنا هنا بصفتي أماً وزوجة لكن أين {أنا} الحقيقية؟في البلدانهل أنت عربية أم مكسيكية؟حين كنت في المكسيك، كانوا يعتبرونني عربية. وحين انتقلتُ إلى الولايات المتحدة، اعتبروني مكسيكية. وحين استقررت في فرنسا، اعتبروني ممثلة أميركية. وحين وصلتُ إلى لندن، سمعتهم يقولون: {إنها فرنسية ثرية أخرى جاءت إلى المنفى هرباً من الضرائب}. لكنه ادعاء خاطئ لأننا ندفع ضرائبنا في فرنسا. لطالما اعتبروني غريبة، مع أنني شعرتُ دوماً بأنني في بلدي أينما ذهبت...أين كانت مظاهر العنصرية أكثر حدة؟في الولايات المتحدة. لكن في فرنسا أيضاً! يخفي الناس مشاعرهم طبعاً لكني أشاهد الارتباك في عيونهم حين يلتقون بي. ألاحظ اضطرابهم ومحاولاتهم وضعي في خانة معينة. لكنّ هذا السلوك لا يجرحني بل يسلّيني. إنها فرصة لزعزعة الحدود التي يفرضها الجميع.في النجاحكيف سعت سلمى حايك إلى النجاح؟أنا لا أثق بنفسي دوماً، لكن تبقى ثقتي أكبر من ثقة أشخاص كثيرين أعرفهم. وأعلم من أين أستمدها: أنا أقوم بكل شيء عن قناعة. في المكسيك، كنت نجمة المسلسلات الطويلة لكني أردت خوض تجربة السينما، لذا انتقلتُ إلى الولايات المتحدة وتعرضتُ لانتقادات هائلة في المكسيك. لكني تحملت لأنني كنت واثقة مما أريده. غالباً ما نسعى إلى تحقيق أحلام غيرنا، فنتمسك بأحلام المقربين منا أو نقبل بما يفرضه عصرنا علينا لأننا نظن أننا سنكسب بذلك حب الآخرين. لكني تساءلت عن حقيقة حلمي: هل أريد أن أكون مشهورة أم أن أمثل أفلام سينما؟ كان الجواب واضحاً بالنسبة إلي وكنت مصممة على النجاح ومستعدة لدفع الثمن.ألم تشكّي بقرارك للحظة؟بلى، كثيراً. لكني اقتنعت بأن اختيار مسار الحياة يعني تقبل احتمال الفشل. بعد تجاوز هذه الشكوك، استكشفتُ نقاط ضعفي وحدود قدراتي وتعلمتُ أن أحبها وبالتالي أن أحب نفسي. هذا هو مصدر الثقة بالنفس بحسب رأيي.في الجمالماذا عن الجمال؟لم أخطط لأظهر بصورة المرأة المثيرة. بما أنني مكسيكية، كانوا يعطونني أدوار الخادمة. لكن بما أنني كنت متعلّمة ومهووسة ببذلات {شانيل} النسائية، تساءل المنتجون عن هويتي وعرضوا علي أدوار الفتاة المثيرة. كنت أكره تلك الأدوار لكنها فتحت لي أبواب النجاح.لكنك تتابعين تقديم هذا النوع من الأدوار اليوم...لكنّ الوضع مختلف الآن! أعشق هذه الأدوار اليوم فعمري 49 عاماً! تحول الأمر إلى ما يشبه النضال النسائي. يمكنني أن أثبت أن المرأة تبقى مثيرة في جميع الأعمار. في مرحلة معينة رفضتُ أدواراً كثيرة إلى أن اضطررت للمشاركة في فيلم سيء كي أدفع فواتيري!لا يمكن القيام بشيء إذاً لمقاومة هذه الأفكار المبتذلة؟بلى، يجب أن نتابع النضال وهذا ما أفعله. يجب أن نتحلى بالصبر ونفهم أننا لا نستطيع تغيير الوضع القائم عبر بضعة أدوار. في النهاية، أظن أنني فزت: كان يصعب أن أجد أدواراً مختلفة عن مدبرة المنزل أو العاهرة لكني فعلت، مثل دور فريدا كاهلو. ثم توقع لي الكثيرون أن أبتعد عن الأضواء في عمر الخامسة والثلاثين لكن ها أنا ذا!تشاركين أيضاً في عدد كبير من أفلام الحركة: هل تحبينها فعلاً؟ بكل صراحة، لا أحبها كثيراً. لكنّ زوجي يعشقها لذا يسرني أن أشارك فيها من أجله. [تضحك]عن الموتكيف تنظرين إلى الموت؟في طفولتي، أتذكر أنني كنت أرتعب من فكرة أن تموت والدتي، لكني لم أخف يوماً من أن أموت أنا. كنت أقترب من الموت أحياناً لأنني أحب المجازفة. أتذكر مثلاً أننا واجهنا جيباً هوائياً في رحلة سفر مع بطل مكسيكي، فشعر هو بالهلع وراح يصرخ بأننا سنموت. كان عمري 25 عاماً حينها وقد التزمتُ الهدوء ولم أشعر بالخوف. أردتُ أن يسكت كي أتمكن من الإصغاء إلى الصمت. لكن منذ ولادة ابنتي فالنتينا، أشعر بالرعب! أرتعب من فكرة أن يصيبني مكروه ولا أكف عن تخيل أسوأ السيناريوهات. حتى أنني بدأت أمارس هواية الغوص التي أعشقها بكثيرٍ من الحذر. إنه أمر غريب لأنني مصابة برهاب الأماكن المغلقة ولكنني أشعر بأعلى مستويات الهدوء والسلام تحت الماء، في أعمق أعماق المحيطات...ماذا عن الخوف من الشيخوخة؟إنها مشكلة مزيفة ونحن نعاني منها حين يتسلل الملل إلى حياتنا. أعرف أشخاصاً في الثمانين من عمرهم وهم يحبون الحياة أكثر من أشخاص في الثلاثينات. لا أخاف من الشيخوخة لأن خططي كثيرة أو ربما لأن والديّ لم يقلقا يوماً بهذا الشأن. لكن ينتابني أحياناً حزن عميق له طعم الموت، وتحديداً حين أشاهد الزمن يمر من خلال ابنتي: حين أدرك أن الطفلة التي أرضعتها لم تعد موجودة، وحين أمرّ بالقرب من مدرستها الأولى أو متجر الألعاب المفضل لديها وأشعر بأن هذه المرحلة كلها انتهت ولن تعود. الشعور الذي ينتابني في تلك اللحظات قريب جداً من شعور الموت وهو يؤلمني.في المكسيك، ثمة احتفال بالموت أليس كذلك؟نعم، في الأول من شهر نوفمبر، نحتفل بالأموات عبر إقامة مذبح في منازلنا فنزينه بالجماجم المطلية ونكتب عليها أسماء الأقارب الذين رحلوا ونضع صورهم مع الزهور ونجمع كل ما كانوا يحبونه. إنها فرصة لتمضية الوقت معهم وهو أمر مدهش. أخطط لتنظيم حفلة جميلة هذه السنة مع فالنتينا. إنه طقس علاجي وهو يبدد الخوف عبر تقريبنا من الأموات.أظن أنها فرصة أيضاً لتقييم الحياة الذاتية. ما مفهوم الحياة الناجحة بنظرك؟بالنسبة إلي، يمكن قياس النجاح عبر سؤال واحد: هل نَمَت روحك وهل تطورتَ كإنسان أم أنك اكتفيت بجمع الأغراض (معجبين، سلع، مال)؟ أظن أنه سؤال أساسي. لا أفهم لماذا لا يتكلم أحد عن هذا الموضوع.هل تطرحين هذا السؤال على نفسك باستمرار؟نعم وغالباً ما أشعر بالخيبة. ألاحظ أنني تطورتُ في مجال معين وتراجعتُ في مجالات كثيرة أخرى.أي مجالات؟لست منظّمة ولا أهتم كثيراً بصحتي. لكني لا أريد أن أتذمر. إنه أمر مؤسف لأنني أعلم أن الناس يحبون التعساء ويكرهون السعداء. لكني أقبل أن يكرهني الجميع! من خلال التركيز على ما يجعلني سعيدة، أنا أذكّركم بواجب أن تكونوا سعداء. وإذا بقيت سعادتي مصدر إزعاج لكم، فهذه مشكلتكم ويجب أن تعملوا على حلها. ليس من واجبي أن أتكيف معكم. هل تريدون أن أستغل المعاناة البشرية كي أكسب حب الناس؟ لا تتكلوا عليّ في ذلك! [تضحك]في العائلةأولادكم ليسوا لكم، أولادكم أبناء الحياة} يقول جبران، ما هي العائلة في رأيك؟{الفصل الذي يتناول موضوع العائلة في {النبي} هو الأهم بالنسبة لي. كنت طفلة مدللة جداً وحين قرأتُ عبارة {أولادكم ليسوا لكم، أولادكم أبناء الحياة}، فهمتُ أنني لا أستطيع أن أنتظر كل شيء من والديّ، بل يجب أن أكتسب الجرأة وأتحمّل كامل مسؤولية حياتي. فهي حياتي أنا! يدعو هذا الكتاب إلى تطوير النزعة الفردية، وهذه النزعة هي واحدة من أسباب نجاحي. لكن حين أصبحتُ أماً، بات هذا الفصل مؤلماً: كان يجب أن أتقبّل أنّ دوري يقتصر على توجيه ابنتي لا أكثر. إنه أمر صعب! [تضحك]كيف تصفين طفولتك: هل كانت سهلة، مريحة...؟لا أظن أن الطفولة يمكن أن تكون سهلة على أحد. كنت طفلة تتساءل عن كل شيء وهذا الوضع لا يمكن أن يكون مريحاً. لكني لا أتذمر من ذلك لأن الراحة تكبح التقدم. أحتفظ بصورة في عقلي من طفولتي: كنت أستلقي وأشاهد بقعة على السقف ورحت أتساءل: ماذا نجد بعد تلك النقطة؟ السماء والغيوم، وماذا بعدها؟ النجوم وماذا بعدها؟ اللانهاية وماذا بعدها؟ هل تمتد تلك اللانهاية بخط مستقيم أم أنها تعود عبر تلك النقطة بشكل متكرر؟لماذا أصبحتِ ممثلة؟ كان يجب أن تدرسي العلوم أو الفلسفة!لأنني كنت أمتعض دوماً حين أسمع هذه العبارة المبتذلة: {لدينا حياة واحدة لنعيشها!}. هذه الفكرة غير منطقية. إذا كانت تلك النقطةتقود إلى اللانهاية، فكيف يمكن ألا أحصل إلا على حياة واحدة؟ هذا الواقع هو {إنتاج} يصعب تصديقه وهو أكبر من أن نعترف بأن الحياة ضئيلة لهذه الدرجة. ثم قالوا لي: {بعد نهاية الحياة، لا ينتهي كل شيء بل نذهب إلىلجنة}. لكني لم أقتنع بذلك: لماذا نرحل إلى مكان آخر ما دامت اللانهاية موجودة هنا؟هل كان الدين مهماً في عائلتك؟نعم، لكن ليس بالنسبة إليّ. أنا متمردة بطبيعتي. وبحسب رأيي، التمثيل هو نوع من التمرد: هو يعني الانتفاض ضد جميع الحدود بدءاً من الفكرة التي تقول إننا نملك حياة واحدة فقط. السينما هي واحدة من ألعاب فيزياء الكم: يمكن أن نعود 500 سنة إلى الوراء أو نتقدم 50 سنة إلى الأمام. ويمكن أن نتواجد في بلدنا أو في عالم غير موجود... في البداية أردتُ أن أصبح رئيسة المكسيك، لذا درستُ العلوم السياسية. لكني مسرورة لأنني لم أتابع هذه المسيرة. كنت لأشعر بإحباط شديد حين أفشل في تغيير العالم. [تنفجر بالضحك]يقول جبران: {أولادكم ليسوا لكم}. لكن ماذا عن أولاد الزوج؟ لديك ثلاثة. هل تعتبرين دور زوجة الأب معقداً؟بل إنه أكثر سهولة! بما أنني ملزمة باحترام أمهاتهم والقواعد التي يفرِضْنَها، يقتصر دوري على إنشاء جو مريح حيث يشعرون بأنهم وسط عائلتهم ويحسّون بالأمان والدلال. يمكن أن يعتمدوا علي من هذه الناحية: أذكّركم بأنني لبنانية مكسيكية! ليس من واجبي أن أوبخهم وهذا الوضع يناسبني: أنا فاشلة في خوض الصراعات.