لمياء السعيد: الرجل والمرأة شريكان في قهر مجتمعي
عندما نشرت لمياء السعيد مجموعتها القصصية الأولى «عذاب الاشتياق» أعلنت ظهور كاتبة لها أسلوبها الخاص، تعرف كيف تلتقط من الحياة العادية حدثها المباشر، لتحوّله إلى كتابات مدهشة. ومع روايتها الثانية «القارورة» تأكد وجودها ككاتبة تبحث عن أفق أوسع للحرية، ومع روايتها الأخيرة «التربي – دافن الموتى» لفتت الانتباه إلى روائية متميزة ومتمكنة من أدواتها، ومهارتها في ابتكار الشخصيات، والتقاط تفاصيلها الدرامية، وانتقاء تناقضاتها وصراعاتها بواقعية عالية، وعمق ثقافي وفكري مميزين. حول تجربتها الثقافية الإبداعية وتشابكها مع تجربتها الحياتية كان هذا اللقاء.
لك في المكتبات أكثر من عشرة كتب متنوعة بين مجموعات قصصية وروايات فما هي أهم تجاربك الإبداعية بينها؟
أعتبر الروايات أهم تجاربي الإبداعية وأهم كتبي حتى الآن، خصوصاً «القارورة» و{التربي»، وفي المجموعات القصصية «عذاب الاشتياق».تأتي الأفكار من كل مكان قد يكون خبراً صغيراً في جريدة أو من مكان زرته أو حوار مع شخص. كيف ترصدين حركة شخصيّاتك؟ثمة أعمال اجتماعية في المقام الأول تأتي من مشاهدات الناس ومعايشة بعض مشكلاتهم، ولكن الشخصيات ذات الطابع التاريخي أو الموثق تستوجب البحث والتحري جيداً كي أقدم للقارئ معلومة صحيحة. وأنا من الكُتاب الذين يحبون إبراز التاريخ وتقديمه في قالب درامي. مثلاً، في روايتي {القارورة} قدمت نصوصاً من التاريخ الفرعوني فأخذت نحو ستة أشهر بحثاً وتدقيقاً لإيجاد نصوص تصلح للتوظيف بروايتي.ليست القصة القصيرة هي العمل صاحب الكلمات القليلة فقط، هل الأمر يتعلق بشكل من أشكال التجريب الإبداعي بحثاً عن الذات؟للقصة القصيرة مكانة كبيرة ومميزة في قلبي لأنها إبداع صعب ومبارزة في اللغة فيجب أن يكون الكاتب ملماً باللغة جيداً ليعبر عما يريده بأقل عدد من الكلمات. وأعتقد أن خوض تجربة كتابة الرواية هي مرحلة من النضوج يبلغها الكاتب، ربما لأن الرواية تحتاج أيضاً إلى بناء درامي كبير وشخصيات غنية، وعدد من الأبطال.هل أنت مع مقولة غابرييل غارسيا ماركيز «إن كل الروايات ما هي إلا تنويعات مختلفة لسيرته الذاتية»؟أتفق معه أن كل عمل يأخذ شيئاً من حياة الكاتب الشخصية سواء أراد ذلك أو لا، والعمل الصادق يخرج من روح الكاتب حاملاً شيئاً منها، ومتأثراً به كجزء من حياته الشخصية.من خلال قراءة روايتك «التربي» الصادرة أخيراً نلحظ أنها تعتمد على التكثيف والإيجاز في اللغة، كذلك يمتاز معظم رواياتك باللغة والصور الشعريّة. برأيك، ما الجديد الذي يميّز «التربي» عن بقية أعمالك الإبداعيّة؟«التربي» قصة حقيقية، أي أن ما ورد فيها من حوادث حصل فعلاً مع إضافة بعض من الخيال للابتعاد عن التقرير، وأنا ممن لا يحبون التطويل والحشو، بل أفضل المباشرة أكثر ومحاولة رسم المحيط الذي يدور فيه الحدث ليشعر القارئ أنه يراه أكثر ويعيش فيها. في ما يتعلق بـ{التربي»، ذهبت إلى المقابر وتحدثت مع رواد المهنة وأخذت منهم الكثير من المعلومات. كنت أريد إيصال صورة معينة ولأنني أتناول أماكن موجودة فعلاً كان صعباً جداً أن أخلط بين الخيال والواقع بشكل لا يستطيع فيه القارئ أن يفرق بينهما فيصدقني.كتبت «حواديت البنات» أولاً على الفيسبوك ثم أصدرتها في كتاب، ماذا عن هذه التجربة؟كان كتاب «حواديت البنات» فكرة على الفيسبوك فعلاً. في بداية مشواري الأدبي، واجهت صعوبة شديدة في النشر وإظهار موهبتي إلى أن تعرفت إلى مجموعة أدبية على الفيسبوك ساعدتني في النشر في أول كتاب جماعي. لذلك عندما بدأت أكتب وأصدرت كتباً عدة فكرت لماذا لا أساعد غيري من الفتيات على إظهار موهبتهن ومساعدتهن في نشر أعمالهن؟ فكان «غروب حواديت البنات»، وقد حولته إلى إصدارين «حواديت البنات» الجزء الأول والجزء التاني.اختيارك النساء بطلات لا يعني إدانة الرجال المعتادة في كثير من النصوص، ذلك لا يتوافر عندك بسهولة، يبدو الجميع أحياناً ضحايا.فعلاً، لا أحب التحيز والتفرقة. الرجل والمرأة شريكان في المجتمع ولا يجب أن ننظر بمنظور تفرقة، بل على العكس يجب إظهار الضحية رجلاً أو امرأة، فكلاهما يتشاركان الحياة. لا أستطيع أن أرمي المسؤولية على الرجل لأصوره شيطاناً والمرأة هي الملاك المقهور أو العكس. للأسف، الآن أصبح الرجل والمرأة شريكين في قهر مجتمعي ومادي وحياتي مشترك يُمارس على الجميع.هل تنفصلين كقاصة عن كينونتك الأنثوية حين تكتبين؟مستحيل طبعاً فالعمل الأدبي جزء من كاتبه. مهما حاولت الابتعاد عن فكرة شخصنة العمل للكاتب تجدين أن ثمة جزءاً موجوداً دائماً لا ينفصل عن شخصية الكاتب.ثمة من يصرون على تصنيف الإبداع نسائي ورجالي؟ ما موقفك من هذا التصنيف... وما الذي يمكن أن تضيفه المرأة إلى حقل الإبداع؟لا صحة لهذا التصنيف أصلاً، فأنا كاتبة في مجال الرعب والخيال العلمي، وهما مصنفان كأدب رجالي، وأفضل من كتب عن المرأة نزار قباني ويوسف السباعي من وجهة نظري. لا يوجد أدب رجالي وأدب نسائي، وهي مقولة يستحدثها البعض لإيجاد فرقة غير موجودة. المبدع مبدع رجلاً كان أو سيدة، والأخيرة نصف المجتمع ولها وجود في المجالات كافة، والمرأة المبدعة إضافة إلى الساحة الأدبية.كيف ترين المستقبل الثقافي في مصر وغيرها من الدول الدول العربية في ظل التحولات في المشهد العربي؟أرى أن الثورات العربية أظهرت شغفاً بالقراءة والمعرفة وسهلت للكثير إظهار موهبتهم. ولكني أؤمن أن المجتمع يغربل وينقي مجتمعه الثقافي، فالجيد سيبقى وغير الجيد سيزول. ورغم عدم وجود تعاون بين الدولة ومثقفيها إلا نادرا جداً، وهو أحد أسباب انحدار المستوى الثقافي العام، فالدولة حين تدعم المثقف الجيد يؤثر ذلك إيجاباً على المستقبل الثقافي، ولكن للأسف أمامنا الكثير للوصول إلى ذلك الهدف.ما القضيّة الرئيسة لدى لمياء السعيد؟القضية العامة لدي هي الإنسان، وإظهار آلامه وأفراحه. الإنسان هو الأهم سواء كان رجلاً أو امرأة. ما مشاريعك المقبلة؟رواية بعنوان «ديالا»، ولكني ما زلت أبحث عن بطلتي.