ناصر الحق منا سلاماً

نشر في 19-11-2015
آخر تحديث 19-11-2015 | 00:01
 حسن مصطفى الموسوي بأحرف دامعة تنبض عرفاناً وتقديراً، يرثي هذا المقال الفقيد الراحل العم د. ناصر صرخوه النائب السابق والعالم والإنسان ذا الأخلاق الرفيعة والوجه البشوش، مبيناً أنه كان زاهداً في الدنيا بعيداً عن زخارفها، وحتى ترشحه لمجلس الأمة لم يكن نابعاً من طموح شخصي.

 (تِلْكَ الدَّارُ الْآَخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ)... الموت قدر الجميع وسنة الحياة، ولكن فقد الأحبة يبقى غربة، كما قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، فما بالنا والحبيب هو الفقيد الراحل العم الدكتور ناصر صرخوه النائب السابق والعالم والإنسان ذو الأخلاق الرفيعة والوجه البشوش؟

التاريخ سيكتب بماء من ذهب سيرة هذا الرجل المعطاء الذي أخلص في حب الكويت وخدمة أهلها خلال مسيرته النيابية الحافلة بالمواقف الصلبة في الأيام الصعبة، ومع أن أغلبية الناس تعرف ناصر صرخوه السياسي المميز، لكنها قد لا تعرف ناصر صرخوه الإنسان المتدين المرتبط بالسماء، والذي بدأ مسيرته الإيمانية منذ نعومة أظفاره، ومن بعدها مسيرته الثقافية والاجتماعية، ولاسيما في شقة صغيرة في لندن مع والدي العزيز وعمي العزيز الراحل د. محمد الموسوي أثناء دراستهما في السبعينيات، والتي كانت نواة لمؤسسة نمت بدعم من العم حمزة مقامس، وازدهرت وصار لها تاريخ حافل في النشاط الثقافي والاجتماعي. كما كان له اطلاع واسع على العلوم الإسلامية وارتباط وثيق بالمرجعيات الدينية، حتى صار ثقة المرجع الشهيد آية الله السيد محمد باقر الصدر.

كان زاهداً في الدنيا... بعيداً عن زخارفها، وحتى ترشحه لمجلس الأمة لم يكن نابعاً من طموح شخصي، بل جاء استجابة لتزكية ثلة من المخلصين الذين ارتأوا أن الشباب المؤمن المخلص يجب أن يكون له دور في الحياة السياسية ليقدموا نموذجاً للسياسي الخدوم لبلده والبعيد عن الأهواء والمصالح الشخصية، وهذا ما حققه الراحل من خلال مواقفه المعروفة وأبرزها موقفه الرافض للقرض الصدامي، والذي بسببه تعرض لحملة من التشهير والتخوين ليتبين بعد ذلك للجميع صواب موقفه، وكذلك من خلال دوره في كتلة "نواب 85" وأيضاً من خلال الوفود التي جابت مختلف الدول أثناء الغزو الصدامي للكويت، هذا إضافة إلى اهتمامه بقضايا الأمة، وخصوصاً فلسطين المحتلة، وحتى عندما لم يصل إلى المجلس في عام 96 قال كلمته الشهيرة: "الحمد لله... هذا تكليف وسقط عني".

هكذا ينظر الصادقون المخلصون إلى عضوية مجلس الأمة... يرونه مجرد وسيلة لخدمة الوطن والتقرب إلى الباري عز وجل، ولذلك بدأ تلك المسيرة بثوب نظيف وأنهاها بثوب أنظف... نعم أنظف لأن مقاومة الإغراءات ليست بالأمر الهين، وثوب من يدخل في مجال يسهل فيه التكسب الشخصي دون أن ينجر إليه سيكون حتماً أنصع بياضاً ممن لم يدخل في هذا المعترك أصلاً. وبعد تلك المرحلة عاد الفقيد إلى جامعة الكويت ليستمر في عطائه لطلبته الذين أحبوا فيه إخلاصه وطيبته وأبوته المعهودة، وأيضاً ليستمر في عطائه البحثي الذي لم يفارقه إلى آخر يوم في حياته، والذي توج بعدة جوائز حتى في أوج انشغاله بالمعترك النيابي.

وبالرغم من تعرضه للعديد من حالات الأذى ومحاولة النيل من تاريخه السياسي الناصع من قبل بعض الجهات الحاقدة، كان يذهلك باطمئنانه وتوكله الكبير على الله عز وجلّ، فحتى عندما كانت تتكالب الأحزاب على الفئة المؤمنة الصادقة (كما هو الحال اليوم) وتزيغ الأبصار وتبلغ القلوب الحناجر، تجده مبتسماً وواثقاً ويقول: "كله خير"، لأنه يعلم أن طريق ذات الشوكة مليء بالصعاب والاختبارات.

يا ناصر الحق... سنفتقد ابتسامتك المعهودة وضحكتك المميزة ونصائحك الأبوية، سنفتقد جلوسك في الديوانية، إما متحدثاً أو متسمراً خلف شاشة هاتفك. كنت للكويت مخلصاً وللناس خادماً وللمؤمنين رحمة وعضداً. نسأل الله العلي القدير أن يجمعنا معك في أعلى عليين مع الشهداء والصالحين، وحسُن أولئك رفيقاً، وأن يلهمنا ويلهم أهلك ومحبيك الصبر والسلوان. إن القلب ليحزن، وإن العين لتدمع، وإنا على فراقك عمي بومحمد لمحزونون.

back to top