العدل يا دولة العدل

نشر في 24-10-2015
آخر تحديث 24-10-2015 | 00:01
 ترفة العنزي العدل لغة هو الإنصاف وعكس الظلم والبغي والجور، ويقال رجل عدل وامرأة عدل. لقد أوجب الله العدل بين الناس وجوبا مطلقا قولا وعملا، فقال الله سبحانه وتعالى "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ". وهذه إشارة واضحة وحث على العدل بين الناس مسلمين وغير مسلمين حتى لمن يعاديك أو يبغضك أو يسيء إليك، ولا عذر لأحد بترك العدل، فهو واجب ومن المسلمات والبدهيات في الأخلاق الواجبة للمسلم حاكما كان أو محكوما، فبالعدل تقوم المجتمعات والدول، وبه تتقدم وتتحقق سعادة الناس ورفاهيتهم، ويتحقق النصر، وقد قيل إن الله ينصر الدولة العادلة وإن كانت كافرة، والعدل أساس الملك.

لقد أمر رسول الله، صلى الله عليه وعلى آله وسلم، بالعدل بين الناس، وربطه بالإحسان، فقال في الحديث الصحيح "إذا حكمتم فاعدلوا وإذا قتلتم فأحسنوا فإن الله محسن يحب المحسنين".

ولقد قال الشاعر أبوالفتح البستي:

عليــك بالعـــــــــدل إن وليـــت مـمـــلكــــة        واحـــــذر مـن الجور فيها غاية الحذرِ

فالملك يبقَى على عدل الكفور ولا       يبـقى مـع الجــور في بــدو ولا حضـــرِ

والحديث عن العدل يربطنا أو يجرنا للحديث عن اشتقاق آخر هو العدالة، وهي لغة: الاستقامة، وهي صفة طبيعية راسخة في النفس تدفع صاحبها إلى المروءة والعدل، والعدالة ترجع إلى مكنونات النفس البشرية؛ لذلك يمكن القول إنه لا توجد عدالة مطلقة في قوانين البشر إنما هي نسبية، وقد تأخذ صورا وأشكالا مختلفة حتى في المجتمع الواحد، وهي لفظة شاملة تحوي مفردات ومسميات متعددة كالحرية والمساواة، ولها تقسيمات بحسب المفاهيم والمضامين الدينية أو الفلسفية أو المادية أو الاقتصادية، فهناك عدالة اجتماعية وسياسية واقتصادية أو غير ذلك، والعدالة ليست وليدة اليوم واللحظة، إنما هي والظلم وجدا منذ فجر التاريخ ومع بداية نشأة البشرية، ووجدت في آثار أغلب الحضارات رسوم وكتابات خاصة بالحضارة البابلية وقوانين حمورابي.

وفي الكويت ومنذ نشأتها كان للعدل أساس في وجودها وتطورها، فقد حرص البناة الأوائل على إفشاء العدل وصور العدالة بين الناس، حتى نشوء الدولة الحديثة وإقرار الدستور الذي جعل من العدل دعامة أو ركيزة من ركائز هذا المجتمع، فنصّ في مادته السابعة على "أن الحرية والعدالة والمساواة دعامات المجتمع والتعاون والتراحم صلة وثقى بين المواطنين"، وكذلك في المادة الثامنة التي تنص على أن "تصون الدولة دعامات المجتمع وتكفل الأمن والطمانينة وتكافؤ الفرص"، وكذلك المواد 20 و22 و24 التي أشارت إلى العدالة الاجتماعية في بناء الاقتصاد وإلى علاقة العمال بأرباب العمل، والمادة 29 التي أشارت إلى مبادئ مهمة جدا، وهي العدالة والحرية والمساواة بين الناس أمام القانون.

والسؤال الذي يطرح نفسه: هل تطبق هذه القوانين والمبادئ الدستورية العظيمة بتجرد، وكما أراد الرعيل الأول أم أن كثرة القوانين والتعديلات القانونية أخرجتها من مضامينها السامية، خصوصاً والجدل يدور دائما عن مخالفة بعض القوانين للدستور؟ ولأنني غير مختصة بالقانون لكنني بنت هذا المجتمع وأنغمس في قضاياه ولا أعيش في برج عاجي كما يفعل غيري أكتفي بالإشارة والتلميح بأنه لو توافقت قوانيننا مع نصوص الدستور الصريحة لأصبحنا جمهورية أفلاطون الفاضلة، ولما عايشنا وشاهدنا ذلك الجور والظلم الذي يلحق بالكثير من أبناء هذا المجتمع، فلا عدالة اجتماعية تحققت، ولا تكافؤ فرص تم تطبيقه، فهذه الأمور ذهبت مع الريح أو كادت تذهب، لأنها نحرت بسكاكين الواسطة والمحسوبية والطائفية والقبلية والمناطقية، وأضحى تعديل القانون مستغلا من مقولة أن مواد الدستور تقول في المذكرة التفسيرية بما لا يتعارض مع القانون، فغدت القوانين تفصل بالمقاس وحسب مصلحة وتوجهات التيار المسيطر على غالبية المجلس.

إن نسبية العدالة يجب ألا تتحول إلى ظلم اجتماعي يطول الغالب الأعم من أبناء وبنات وطن النهار، وألا تكون سيفا مسلولا ومصلتاً أو سكيناً حادة بيد بعض نواب الأمة أو نوائبها أحيانا لتقطيع أوصال المجتمع وتفتيت مكوناته وإضعاف وحدته الوطنية، والحافظ الله يا كويت.

back to top