لعنة اللاحُب!

نشر في 16-07-2015
آخر تحديث 16-07-2015 | 00:01
 مسفر الدوسري العَداء ليس داء عارضاً يصيب بني البشر، بل لعنة كامنة فيهم منذ أن وُجد الإنسان على الأرض، لعنة لم ولن يسلم منها إنسيّ قط إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، وستظل العداوة شجرة وارفة ممتدة جذورها في صدر كل منا لا تكاد تجف ولا يذبل عودها، وستظل تطرح في قلوبنا من ثمرها الكراهية والحقد والحسد والغيرة والبغضاء، وكل ما من شأنه أن يغذي هذه العداوة ويحييها فينا ضد بعضنا، لذا سنستمر في سفك دماء بعضنا، وسنستمر في الحروب والقتال إلى ما شاء الله، ولن يعمّ السلام على الأرض أبداً، ولن يتوقف كيد الإنسان لأخيه الإنسان، ولا ظلمه له، ولا أكل حق غيره زوراً وبهتاناً، لن يتوقف ذلك لحظة واحدة طالما بقي على الأرض بشر يتنفسون الحياة، تلك ليست نبوءة مني، ولكنها وعد الله القائل: "قال اهبطوا بعضكم لبعض عدو..." "الأعراف".

فإذا كان هذا العداء بين بني آدم سيبقى حتى آخر يوم في عمر هذه الأرض قدراً محتوماً عليهم، فما جدوى الحلم بالأمن والسلام في هذه الحياة ؟ وما نفع أن نحاول زراعة قلوبنا الجدباء بأغصان الزيتون طالما غيرنا سيحرص على ريّ حقول الشوك في قلبه لتنمو وتتسّع، وسيطالنا أذاها حتماً؟

لماذا يصرّ رسل السلام على مواصلة كتابة رسائلهم الخضراء شعراً ونثراً وفنّاً ومواعظ طالما أن هذه الرسائل لن تجعل هذه الحياة جنّة في نهاية المطاف ورغد عيش دائماً لكل بني البشر؟

ولن تمحو تلك الرسائل ما خطّته يد العداوة على صفحات قلوب كل الناس؟!

هذا صحيح، لن تشفى كل القلوب مما أصابها من مرض العداوة، ولن تتخلص كل الصدور من تلك اللعنة، ولن تصبح الأرض فردوساً أبداً، ولكن سينجو بعضنا من ذلك الدنَس المؤذي والشر الأبديّ، وسيظل بعضنا الآخر غارقاً فيه إلى أن يموت، وليست هناك وسيلة للتعافي من هذا الداء، سوى وسيلة واحدة قُدّرت للإنسان للتطهّر من هذه اللعنة، إنها الحب!

فالحب هو النور الوحيد المنقذ لنا مما تحمله أنفسنا من ظُلمة وُجِدت فينا منذ أن قدمنا إلى الحياة.

الحب ليس ترفاً في المشاعر، وليس شعوراً فائضاً عن الحاجة، بل هو طريق نجاتنا الوحيد للخلاص من شرور أنفسنا، وممّا علَق فينا من سمّ العداوة، وهو الماء الذي تتوضأ به قلوبنا لتتطهّر من رجسها، ولكنه أيضاً ليس أي حب، إنه الحب المليء بالنقاء والتقوى، الحب الذي تحب فيه لمن تحب ما تحبه لنفسك تماماً، لا تظلمه ولا تغبنه، ولا تكسر قلبه، ولا تسبب له أذى عن قصد أبداً، فهل يحب إنسان سويّ أن يسبب أذى لذاته؟!

ذلك الحب... هو الذي يعيد تأهيلنا لنصبح أناساً صالحين، فيُحيي فينا ما نفخه الله من روحه المقدسة النقيّة من صفات كالرحمة والعدل والحكمة إلى آخر صفاته الحسنة.

الحب هو الفلتر الوحيد الذي ينقّينا من لعنة العداوة التي كُتبت علينا، لذا فإن أقسى من لعنة العداوة التي وصم الله بها الإنسان يوم طرده من جنّته، لعنة عدم القدرة على الحب، فمن تصبه تلك اللعنة تبقه في ظلمة نفسه وشرها إلى أن يموت، ومنا من هم كذلك!

back to top