ماذا لو أخفقت في نسيان الحبيب السابق؟

نشر في 11-12-2015 | 00:01
آخر تحديث 11-12-2015 | 00:01
No Image Caption
عندما كنت أصغر سناً وكانت علاقتي بشخص ما تنتهي، كنت أقوم بما يلي: أقلب صفحات عدة من مذكراتي متخطية أكبر قدر من الأشهر وأكتب: «كيف أشعر اليوم؟».

شكلت هذه خطوة بسيطة تشير إلى غد أفضل، إلى يوم لا أستيقظ فيه في الصباح وأنا غاضبة بعدما تخيلت محادثات مع شريكي السابق، إلى وقت لا أفكر فيه أن كل أغنية عن ألم الحب موجهة إلي، وإلى فترة لا أبدأ فيها كل محادثة بالسؤال: «ماذا تظنين أنه كان يقصد عندما قال كذا أو كذا؟»، باختصار عندما أتخطى هذه العلاقة.

لم أكن قد أدركت بعد، أن  نهاية العلاقة لا تعني بالضرورة أنك تخطيت علاقة بهذا الشخص. تأتي عملية التخطي هذه لاحقاً. يشبه هذا النجاح في الامتحان وتعلم القيادة حقاً: إنهما حدثان تفصل بينهما أشهر أو حتى سنوات.

ولكن ما يعنيه حقاً تخطي العلاقة بشخص ما؟  ليس بالتأكيد نسيانه لأن هذا مستحيل. لكنه يعني بلوغ مرحلة لا يعود لهذا الشخص أي دور في تحديد هويتك، أو عندما لا يعود التفكير فيه مؤلماً ويصبح أشبه بقراءة عريضة على شبكة الإنترنت لا تؤثر فيك البتة.

خلال جلسات المعالجة التي يخضع لها المفجوعون، يلجأ الاختصاصيون غالباً إلى تشبيه الطابة الصفراء في كوب ماء. في هذا التشبيه، تمثل الطابة الصفراء الحزن والكوب الحياة. تملأ الطابة الصفراء حيناً الكوب، مهددة بانسكاب محتواه، إلا أنها تتقلص أحياناً، حتى تكاد تختفي داخل الكوب. لكن الطابة الصفراء لا تكبر ولا تصغر في الواقع، بل تظل بحجم واحد. الكوب (الحياة) هو ما يكبر أو يصغر. فعندما تكون الحياة مليئة بالنشاطات والحركة، تبدو الطابة الصفراء صغيرة بالمقارنة. ولكن عندما ينطوي الإنسان على ذاته، لا يرى إلا الطابة الصفراء.

صحيح أن موت شخص نحبه لا يُقارن بالانفصال عن الشريك، إلا أن تذكر هذه الصورة قد يكون مفيداً.

تبدلات دماغية

عند التفكير في ما إذا كنت ستنجح في تخطي علاقتك مع شريك سابق، قد يكون من المفيد أن تتأمل في ما يحدث حين تقع في الحب، لأن دماغك يشهد تبدلات عميقة ومجنونة. نتيجة لذلك، لا يسهل على الإنسان تخطي مَن جمعته به علاقة مماثلة. فترتبط هذه المسألة بعوامل عصبية ونفسية.

عندما نقع في الحب، يُدعى أحد أجزاء الدماغ التي تتأثر المنطقة السقفية البطنية. وتشكل هذه الأخيرة جزءاً من نظام المكافأة في الدماغ (أشبه بآلة بيع تقدم لك المكافآت كلما زودتها بما تحتاج إليه) الذي يفرز الدوبامين، وهو محفز طبيعي. لكن هذا الجزء لا يُعتبر جزءاً مفكراً ومعقداً من الدماغ. كلا، بل يشكل جزءاً من جوهر الزواحف، وهو أدنى بكثير من الموضع الذي يشهد التفكير المنطقي. يرتبط هذا الجزء بالرغبة، التركيز، والتوق. كذلك، يشكل الجزء من دماغك الذي يكاد ينفجر.

قبل بضع سنوات، أدخلت عالمة الأنثروبولجيا البيولوجية هيلين فيشر وعالمة الأعصاب لوسي براون عدداً ممن تعرضوا للهجر إلى آلة مسح لتصوير الدماغ. عرضتا عليهم صوراً لمن انفصلوا عنهم أخيراً وراقبتا ما يحدث في الدماغ.

أظهرت  التجربة واقعاً مثيراً للاهتمام: صحيح أن العلاقة بين الشخصين انتهت، إلا أن لا أحد أخبر الدماغ. نتيجة لذلك، كانت المنطقة السقفية البطنية لا تزال ناشطة، تماماً كما لو أن الشخص ما زال واقعاً في الحب.

بكلمات أخرى، صحيح أنهم تعرضوا للهجر، ولكن لم يستمر الدماغ بالتصرف كما لو أن العلاقة ما زالت  مستمرة فحسب، بل عزز الرفض أيضاً النشاط وبالتالي الهوس. ذكرت فيشر عندما قدمت اكتشافاتها، {يصبح هذا النظام في الدماغ (نظام المكافأة للرغبة، التوق، الحافز، والتركيز) أكثر نشاطاً حين تعجز عن نيل ما تريد، وفي هذه الحال، أكبر جائزة في الحياة: شريك زواج ملائم}. أليس هذا قاس؟

لكن الباحثتين لاحظتا أيضاً نشاطاً في جزأين آخرين من الدماغ: تشكل النواة المتكئة جزءاً من الدماغ يؤدي دوراً في تقييم الأرباح والخسائر. ينشط هذا الجزء عندما تكون مستعداً للقيام بمخاطرة كبيرة. أما الجزء الثالث والأخير من الدماغ الذي ينشط، فهو جزء يؤدي دوراً بالتعلق العميق: الحصان.

يفرز هذا الجزء الأوكسيتوسين، هرمون يعزز الروابط (يتوافر في حليب الأم) ويحسن مزاجنا. لذلك يفرزه الجسم عند النشوة الجنسية.

تفاعلات حيوية

إذاً، لا يشكل الانفصال عملية سهلة، بل يشمل تفاعلات حيوية وعصبية قوية جداً. فتشعر أنك متعلق بشريكك السابق ومنجذب إليه على نحو ميؤس منه، تريد المخاطرة بكل شيء لاستعادته، وتنشط خلايا A10 (أعتقد أنه مفيد الحصول على أسماء) بإفراط، فتنهمك في إنتاج الدوبامين في الدماغ، ما يجعلك تتوق إلى الاتصال بشريكك السابق. لا عجب في أنك تكون في حالة مزرية.

أضف إلى ذلك الوجه النفسي. عندما يصبح الشريك من الماضي، وخصوصاً إن لم يكن الانفصال من اختيارك، يكتسب وجهاً خيالياً. فلا تعود تراه إنساناً له صفات بشرية، بل يتحول إلى الحبيب الذي كان يتمتع بالمزايا الحسنة، بكل ما رغبت فيه. وتشعر أنك لن تقابل أي شخص مثله بعد اليوم.

نتيجة لذلك، تنخدع بالاعتقاد أن علاقتكما كانت أفضل مما كانت عليه حقاً.

نسمع غالباً عبارة {كان توأم روحي}. ولكن إن تأملنا حقاً في هذه المسألة، ندرك أن فكرة أن لكل إنسان حبيباً واحداً يلائمه في العالم بأسره، يعني هذا أن من الصعب جداً التعامل معنا. بالإضافة إلى ذلك، حين تنتهي العلاقة، يموت جزء من المستقبل الذي نتخيله أيضاً. ولا شك في أن التعامل مع هذا صعب لأننا، إلى أن تُتاح أمامنا فرص جديدة، سنكتفي بالنظر إلى الخلف، معرضين أنفسنا للتشوش.

فضلاً عن ذلك، قد ينحاز بعض الأصدقاء إلى شريكك، ولا يعود بإمكانك زيارة  أماكن بعينها... وفجأة لا يعود العالم مليئاً بالإمكانات الجميلة بل بالقيود. ومن المؤكد أن هذا ليس ممتعاً.

 فرصة للشفاء

يفضل بعض الناس إبقاء صورة شريكهم السابق في ذهنهم لأنهم اعتادوا الألم (لا مفاجآت)، مع أنه أصبح جزءاً من الماضي. وإن تحول هذا إلى خوف من أن يتألموا مجدداً، بدل أن يتقدموا نحو مستقبل زاهر، يبدو لهم أقل إيلاماً التعلق برفض ماضٍ اعتادوه. ولكن ما من رابح في وضع مماثل، فضلاً عن أن أظفارك سرعان ما تبلى.

إذاً، ما عليك فعله؟ تعتقد فيشر أن الحب والرومانسية «أحد أبرز المواد التي قد ندمنها على وجه الأرض». لذلك من الضروري التعامل معه كمخدر. عليك أن تنقطع عنه فجأة وتماماً. يعني هذا أن عليك أن تمزق الرسائل القديمة أو تخبئها في مكان يصعب عليك الوصول إليه لفترة من الوقت. كذلك، لا مجال «للبقاء أصدقاء»، ليس في الأمد القريب على الأقل. كذلك امتنع عن كتابة الرسائل النصية للشريك السابق في وقت متأخر من الليل (على غرار 99 % من الناس، لن تتذكر أرقام الهاتف الخليوي الطويلة، لذلك امحُها من هاتفك). وقد يكون من الأفضل أيضاً أن تكسر الأنماط التي اعتدت اتباعها. فلا تعد إلى أماكن كنتما تزورانها معاً، إلى أن تتحول إلى مجرد أماكن مررت بها في الماضي، ولا تتعلق بأشياء حلمتما بها معاً. امنح دماغك فرصة للشفاء.

back to top