رئيس الشؤون الخارجية بوزارة الإرشاد والأوقاف السودانية لـ الجريدة.:

نشر في 29-06-2015 | 00:02
آخر تحديث 29-06-2015 | 00:02
No Image Caption
الفكر الصوفي حمى مسلمي السودان من تمدد التكفيريين

توحيد خطبة الجمعة يمهد لدعوة إسلامية تواكب العصر
أكد رئيس العلاقات الخارجية بوزارة الإرشاد والأوقاف السودانية، الدكتور الفاتح مختار محمد، أن اتباع أهل بلاده الفكر الصوفي حماهم من تمدد الفكر التكفيري المتشدد، لأن الصوفية بطبيعتها السمحة تقف على الشاطئ الآخر من جماعات الغلو، واصفاً المسلمين اليوم بأنهم يعيشون عصر الفتن والمحن، وتفككهم الاختلافات السياسية، وتعتصرهم الصراعات المذهبية، ويعتريهم التشاحن والتقاتل، بسبب بعدهم عن منهج الإسلام الصحيح، مثمناً في حوار مع "الجريدة" الدعوة إلى توحيد خطبة الجمعة في البلدان الإسلامية... وإلى نص الحوار.
• كيف ترى واقع الأمة الإسلامية اليوم انطلاقاً من واقع الدعاة؟

- المسلمون اليوم يعيشون عصر المحن والفتن، فالأمة الإسلامية تفككها الاختلافات السياسية، والصراعات المذهبية ويعتريها التشاحن والتقاتل، والتخلف العلمي والضعف الاقتصادي، وحالها يحزننا ويفرح أعداءنا، فنحن اليوم نعيش عصر جاهلية العصر الحديث، التي يعبد فيها أصنام الشهوات والأنانية، وسميناها العالم الإسلامي، ونحن قد أسأنا للإسلام، فحين ننظر إلى واقع الدعاة اليوم نرى أن ضعفهم مستمد من ضعف المسلمين وحكوماتهم عموماً، والعلماء مسؤولون أمام الله تعالى عن جهل المسلمين وتخلفهم، والواقع يؤكد أن الدعاة عددهم كبير، لكن تنقصهم الثقافة الدينية، وتعوزهم المعرفة الإسلامية، وبحاجة إلى مناهج دراسية للمعرفة الإلهية، والعلوم الربانية التي رشحتهم لخلافة الأنبياء.

• ما الوسائل الدعوية التي ينتهجها السودان من أجل الحفاظ على الشباب المسلمين وعدم وقوعهم تحت تأثير الأفكار المتشددة والتكفيرية؟

- نحمد الله أن الشباب المسلمين في السودان يعون تماما حقيقة هذه الجماعات المتشددة، وبطبيعة حال التكوين الشخصي للمسلم السوداني فهو لا يميل إلى الغلو والتشدد، كما أن هناك أمرا آخر كان حائلا أمام وقوع شبابنا أسرى التشدد الديني، هو اتباع الفكر الصوفي المنتشر بشكل واسع في السودان، لأن الصوفية هي عدوة التشدد والغلو والتطرف، فهي تقف على الجانب الآخر من تلك الجماعات الجهادية، ويمكن أن نقول إن الفكر الصوفي بشتى طرقه كان حائط الصد أمام تمدد تلك الجماعات الدينية، وإن كانت موجودة في بلادي إلا أن قادتها من الخارج، ولدينا في وزارة الأوقاف والإرشاد الديني خطط للمواجهة تتمثل في عقد الندوات والمؤتمرات التوعوية التي تحض على مواجهة تلك الأفكار الهدامة لبعض الشباب الذين تسلل إليهم هذا الفكر، من أجل المراجعة وتصحيح الأفكار، ويقوم بهذه الحملة علماء ومفكرون مشهود لهم بالعلم، وبالاستماع إلى آرائهم المعتدلة رجع العديد من الشباب المُضلل عن أفكاره التي استقاها من دعاة التشدد، ولهذا فنحن ننتهج الخطاب الفكري الموضوعي، وهذه الندوات كانت تندرج تحت عنوان الأمن الفكري.

• كيف ترى فكرة توحيد خطبة الجمعة في العالم الإسلامي لمواجهة دعاة التطرف الديني، وهي الفكرة التي سبق أن دعا إليها مؤتمر المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية في مصر؟

- نرحب بهذه الدعوة، وإن كنا نمارس توحيد خطبة الجمعة منذ سنوات، لأن الأمة اليوم بحاجة إلى اصطفاف ديني، وخطاب واحد ضد قضايا الغلو والتطرف، وللسودان خطة مدروسة نتبعها في توحيد خطبة الجمعة، وليس كما يدعي البعض أننا نرسل إلى خطباء المساجد خطبة جاهزة معدة سلفاً، بل نرسل إليهم محاور في قضية معينة، ودور الداعية هو البحث لإعداد خطبة جمعة تشمل هذه المحاور بما يتماشى مع طبيعة المكان، ومن أهم المحاور التي نطالب الدعاة بالالتزام بها هي اتباع منهج الوسطية والاعتدال.

• هل الإعلام كان سبباً بقصد أو بدون قصد في الترويج لأفكار الجماعات المتشددة ونشر فكرها؟

- بالفعل الإعلام كان المروج الأول والمسوق لأفكار هذه الجماعات، وربما كان هذا بدافع السبق الإعلامي وتحقيق أعلى نسبة مشاهدة عبر المحطات الفضائية، إلى جانب أن تلك الجماعات تنبهت جيداً إلى أهمية الإعلام في توصيل أية رسالة، فامتلكوا العديد من هذه القنوات، في ظل تراجع دور المسجد، لهذا أناشد وسائل الإعلام بأن تتيح الفرصة للعلماء التنويريين، والمفكرين المعتدلين لاعتلاء المنبر الإعلامي لشرح وتقديم الإسلام الصحيح.

• من برأيك يفسد الآخر: عندما تتلاقى السياسة بالدين أم العكس؟

- كلاهما يفسد الآخر، فكل منهما رسالة ومنهج، الدين له منهجه، لأنه جاء فقط لينقي المجتمع من الشرور والآثام، ويعمق الوحدانية لدى البشر، ويدعو الناس إلى التسامح والمعاملة الطيبة، لكن السياسة أغراضها معروفة، فهي تعتمد على المراوغة والدهاء وممارسة الآلاعيب، وهذه الأمور ينكرها الدين الإسلامي جملة، والسياسة أغراضها دنيوية، أما الدين فأغراضه أخروية، لهذا لا توجد نقاط تلاق بين الاثنين، وبعدما مرت عدة دول عربية بحركات ثورية، رأينا اعتلاء جماعات الإسلام السياسي وانتهاج السياسة تحت رداء الدين، فحدث ما حدث، لهذا أقول إن الدين يفسد السياسة.

• هل ضعف المؤسسة الدينية كان سبباً في انخراط الشباب تحت تأثير فرق الغلو؟

- نعم فالمؤسسة الدينية الرسمية تراجعت عن دورها، بسبب تقوقعها وعدم تجديدها ومواكبتها للقضايا الملحة، فاعتلى هؤلاء المشهد الديني في عالمنا اليوم، واتخذوا خطابا دينيا مغايرا، وإن كان مغلفا بالتشدد إلا أنه استهوى العديد من الشباب ضعيفي الثقافة الإسلامية، ومازلت أؤكد أن المساجد هي المحاضن الأساسية للفكر الإسلامي، والدعوة إلى الإسلام بروح عصرية، لا إفراط ولا تفريط، وهذا يستتبعه ضرورة تدريب دعاتنا على التفاعل بشكل مختلف، وطرح رؤى دعوية تواكب العصر، لأن ضعف المسجد أدى إلى ما نحن عليه الآن، فهناك أعداد كبيرة من العلماء تركوا المسجد، وتبوأت السلفية الجهادية هذا الدور، من أجل نشر فكرها المتطرف، واليوم الفرصة سانحة أمام المؤسسات الدينية الوسطية لاستعادة دورها من جديد، بعد أن تكشفت عورة أفكار المتطرفين.

• ما المحاذير التي نخشاها لدى دعاة تجديد الفقه؟

- مسلمو اليوم ليسوا في أزمة جهل بكيفية الطهارة أو الوضوء أو العبادات مثل الصلاة والحج والصوم وقراءة القرآن، ولكن مسلمي اليوم في حاجة إلى فقه توحيد صفوفهم وتوحيد كلمتهم أمام أعدائهم، فالله سبحانه وتعالى يقول: "إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً" (الأنبياء: 92)، كما أن المسلمين بحاجة إلى فقه قوله تعالى: "وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ" (الأنفال: 46)، والمسلمون بحاجة أيضاً إلى فقه قوله تعالى: "إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئًا" (التوبة: 25)، كما أن المسلمين في غيبة من فقه قوله تعالى: "وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة"، فهل في عالمنا الإسلامي اليوم علماء يجددون أمر ديننا من أجل تقديم الدواء لأمتنا المريضة! هذا ما نبحث عنه.

back to top