«الفتوة»... بين البطل الشعبي ومجرم العشوائيات

نشر في 10-07-2015 | 00:01
آخر تحديث 10-07-2015 | 00:01
صورة «الفتوة» جزء مهم من ميراث السينما المصرية، فهي «شخصية فنية» ضاربة في القدم تجسًّدت عبر شاشات السينما، ومرَّت بأطوار عدة تراوحت بين الشرير المجرم القاتل، أو داعية الخير نصير البسطاء عبر قوته وبسط سيطرته.
ويشير نقاد إلى أن تيمة «الفتوة» لا يمكن إغفالها فنياً وسينمائياً لما شكلته من وجود داخل المجتمعات، فلم تكن فكرة متخيلة أو حبكة مفتعلة سينمائياً، إنما جذبها «عالم الأدب» من أرض الواقع إلى ساحات الإبداع عبر كثير من الروايات لأسماء بحجم نجيب محفوظ، والذي ساهم في ما بعد في نقلها إلى عالم السينما.
ثم ظهر معادل عصري لها بطفرات عدة كونت في النهاية صورة «البلطجي»، بكل ما يحمله من نقاط اختلاف أو اتفاق مع صورة «الفتوة» في السينما.
يقول الناقد الفني كمال رمزي إن «السينما المصرية جسَّدت نموذج الفتوة كبطل شعبي غالباً، وأظهرته كنموذج إيجابي يناصر المظلومين وينفِّذ قوانين العدالة بطريقته، مشيراً إلى أن أعمالاً تعرضت لتلك التيمة وحرصت على تقديمها بصورة تتعلَّق بمفاهيم مثل الشرف والنبل والقوة. أما حديثاً فتم تقديم النماذج المشوهة للبلطجية ورجال العصابات والمجرمين الذين يلقون في النهاية الجزاء المناسب»، مشيراً إلى وجود فوارق بين تلك «التيمات».

ويرى رمزي أن ثمة فارقاً كبيراً بين «الفتوة والبلطجي» على صعيد الظهور السينمائي، فالأول ارتبط بالواقع الشعبي المصري، مفرط القوة وقوي البنيان، وغالباً كان يحوذ تعاطف المشاهد بأعذار متمثلة في الجهل والفقر والظلم التي تحول المواطن الصالح إلى مجرم، بينما أفلام حديثة كـ{الألماني، عبده موتة، قلب الأسد، القشاش»، تجسد نماذج سلبية ينبذها المجتمع.

ويضيف رمزي: «أميل إلى تصنيف أفلام «الفتوة» إلى «واقعية – مبالغ فيها»، ومعظم أفلام «الفتوات» التي  اقتبست من كتابات نجيب محفوظ العميقة يندرج تحت الخانة الأخيرة فكانت أفلاماً تجارية بحتة، بينما أعمال قدمها الكاتب يسري الجندي والمخرج علي بدرخان ضربت في أعماق الشخصية ولم تغازل الشباك، وتدرج ضمن الأفلام الحقيقية عن الفتوة في الواقع والسينما».

المخرج خالد يوسف يقول إن «ذاكرة السينما المصرية لا يمكن أن تنسى أعمالاً تناولت الفتوة ودوره وتأثيره، ورغم قلة أعدادها فإنها فرضت نفسها كملمح مميز تفردت به السينما المصرية، لدرجة أعتقد فيها كثيرون أن «المصريين» يلبسون المضمون الهوليودي في ثوب مصري، خصوصاً في فترات استثمرت هذه النوعية من الأعمال كنوع من أفلام الحركة وحققت نجاحاً جماهيرياً حين عرضها، كموجة رابحة أو كاسحة لدور العرض».

ويقول يوسف إن أعمالاً أخرى جيدة كان لها «توظيف سياسي وآخر أدبي»، فالأول كانت إشارات سياسية عكست محاولات تحرر البسطاء من التسلط وتصوير كفاح الحارة ضد سلطة القهر واستبداد الفتوات. أما النسق الأدبي فتولَّت أفلام محفوظ بتراكيبها الإبداعية التي تنتمي إلى عالم الرواية أكثر من السينما والتي سلطت الضوء على الفتوات والحرافيش والمرأة المدللة التابعة للفتوة.

وقال يوسف إن البذرة الأساسية في أفلام الفتوة تم استلهامها من المجتمع، فكثير من الأفلام استعرضت نماذج الفتوات التي ملأت ربوع مصر قديماً، والبلطجية الذين انتشروا في شوارع مصر، وأنه كما استعرضت نماذج رائعة للفتوات الذين ظهر الواحد منهم كحاكم شعبي (أولاد الحتة أو الحارة) ظهر فنياً أيضاً من كانوا وبالاً على المجتمع كمجرمين يتم التخلص منهم في النهاية، مشيراً إلى أن أفلام «الفتوة» تعرضت للتحول على المستوى السينمائي، فثمة التجاري السائد وثمة الحقيقي الواقعي، وعلى المستوى «المجتمعي»، من الفتوة إلى البلطجي.

تحولات

تقول الناقدة خيرية البشلاوي إن شخصية «الفتوة» مرَّت بكثير من التحولات الموازية لمراحل تطور السينما من ناحية، وشكل المجتمع من ناحية أخرى، فتارة شاهدنا الفتوة في الحارة الشعبية يحمل عصا غليظة تسمى «النبوت»، مروراً بأصحاب الصوت الجهوري ممن يحملون الأسلحة ويحرسون أصحاب الذوات، وبمن يقومون بأعمال الخطف كما رأينا رشدي أباظة في «أونكل عزت»، وصولاً إلى أنماط مستحدثة أقرب إلى البلطجة منها إلى الفتوة.

وتضيف البشلاوي أن ثمة مقاربة لافتة في تمثيل تيمة «الفتوة» وهي تأرجحها بين كونه «بطلاً شعبياً»، في الأفلام الكلاسيكية، أو «البلطجي المأجور» ساكن العشوائيات وليس الحارات القديمة. وتشير إلى أن منشأ تيمة «الفتوة» يعود إلى انتشار ظاهرة العنف الممتدة منذ بدايات القرن الماضي حتى أيامنا هذه، وقد تم توظيف الفتوة من السلطة أو المجتمع نفسه أحياناً، مؤكدةً أن جمهوراً عريضاً التف حول هذه الشخصية السينمائية، وفي أوقات غيابها بحث عنها الجمهور العربي في نجوم الغرب.

وتتابع: «كان ثمة جمهور «الترسو» المتعطش إلى «بطل شعبي» يبحث عن مصالح الفقراء ويدافع عنها، وكانت السلطة حينها تشجع تلك الأفلام التي كانت مهمة للجمهور حتى ولو كانت تخلق «إحساساً زائفاً» بالبطولة، أو حتى لو لم يكن لتلك الشخصية وجود».

وتختتم حديثها لـ «الجريدة» بأبرز الأعمال التي جسدت الفتوة في السينما المصرية، وهي: «فتوات الحسينية، الشيطان يعظ، فتوات بولاق، فتوة الجبل، فتوة درب العسال، فتوة الناس الغلابة، شهد الملكة، المطارد، سعد اليتيم، الجوع، التوت والنبوت، أصدقاء الشيطان، فتوات السلخانة»، مشددةً في النهاية على أن هذه الأفلام لا تمت إلى صورة «البلطجي» الراهنة بصلة.

أ. ع

back to top