رمضان في بغداد

نشر في 26-06-2015 | 00:01
آخر تحديث 26-06-2015 | 00:01
في ذاكرة الأيام حكايات للشعوب تناقلتها أجيالها، فيها من البساطة والأصالة والخصوصية ما يستحق أن يروى، وفيها لنا عبر ودروس ومواعظ تخرجنا من عصر السرعة والمادة والتعلق بأستار الرغبات وحطام الدنيا الى مساحات واسعة من الخيال وفضاءات رحبة من التقرب الى الله بنوايا صادقة.

فللشعوب الإسلامية علاقة روحية برمضان، وعشق أزلي يتجدد باستمرار، تنتظره كل عام بشوق وفرح، ارتبطت به روحا وعانقته وجداناً، وكلها باختلاف ديارها وأصولها اتفقت عبادة واختلفت طباعا وعادات وسلوكاً.

للجغرافيا والمجتمع والتاريخ آثارها في صياغة العقل الكلي وتكوين الإرث عبر السنين.

ونحن في بحثنا هذا نحاول ان نعود بالزمن الى الوراء، ونعيد الرحلة في اتجاه المنابع لأن ما تعيشه شعوب اليوم أتى من بعيد، فهناك ولدت الأسرار. نسافر من منطقة إلى أخرى نبحث عن اخبار رمضان في ذاكرة الزمن الجميل وذاكرة الناس البسطاء، لننقل اخبارا بسيطة مثل اهلها لكنها تخبرنا عن الجذور وعن التاريخ حين يدون برغبة صادقة للوصول الى الحقيقة التي تشير جميعها الى نقاء العبادة والنفوس المطمئنة.

بغداد مدينة السلام تنفست التاريخ عبر الزمن، فكان يوصف من يعيش بنعيم وحبور في الأرض العربية متبغدداً، ولم لا، و”عيون المها بين الرصافة والجسر جلبن الهوى من حيث أدري ولا أدري.

الجذور البغدادية

تعتبر بغداد واحدة من عواصم العالم القديمة حيث بناها أبو جعفر المنصور ثاني خلفاء بني العباس وجعل لها أربعة أبواب هي باب الكوفة وباب البصرة وباب خراسان وباب الشام وفيها الكثير من المعالم التاريخية الباقية إلى اليوم شاهدة على عظمة الحضارة التي تحتويها هذه المدينة، والتي كانت في يوم من الأيام عاصمة الدنيا ومنارتها، ولعل أشهر معالمها المدرسة المستنصرية التي بنيت في العصر العباسي الثاني والمساجد الإسلامية والمقامات التاريخية، كمقام الإمامين موسى الكاظم ومحمد الجواد، ومقام الإمام أبي حنيفة النعمان، ومقام الجيلاني والسهروردي ومعروف الكرخي، كما تحوي العديد من المساجد التاريخية كمسجد براثا، ومسجد الشهيد، ومسجد المعتصم، ومسجد المنصور، ومسجد المهدي، ومسجد الرصافة، ومسجد المنارة، وجميعها مساجد تاريخية، والعديد من المدارس التاريخية كالسلجوقية والشرقية.

الفرحة بقدوم الشهر

تتنوع الطرق التي يعبر فيها الناس عن فرحتهم بقدوم الشهر الكريم، فيستعد الحلوانيون وصانعو البقلاوة والزلابية لموسم رمضان مبكراً حيث يعتبر عملهم فيه مساوياً لبقية العام من حيث الأرباح التي يمكنهم الحصول عليها، كما يفرح سقاؤو بغداد الذين تتغير أوقات عملهم تماماً، فبدل أن يعملوا منذ الصباح الباكر على إيصال ماء الشرب إلى المنازل البغدادية في شهور السنة الباقية، يبدأون عملهم في رمضان بعد الفطور مباشرة ولا يتوقفوا حتى يوصلوا المياه إلى كل طالبيها، ثم يتوقفوا عن العمل طوال النهار وهم يمارسون عملهم الرمضاني بكل همة ونشاط، إذ أن ما يحصلوا عليه من أرباح في شهر رمضان ربما يساوي عمل ثلاثة أشهر أو أكثر، وأما الأطفال فإن فرحتهم بقدوم الشهر الكريم لا توصف، اذ تراهم يغادرون بيوتهم بعد المغرب على غير ما اعتادوا عليه في بقية أشهر العام، فتراهم يتنقلون بين درابين وأزقة المحلة بهمة وفرح مرددين أغنيتهم المأثورة “ما جينا يا ماجينا حل الكيس وانطينا تنطونا ما ننطيكم بيت مكة يوديكم”، ويطرقون الأبواب بابا بابا وكلما فتح لهم أهل الدار الباب أو نادوا من الداخل من الطارق رد الأطفال بصوت واحد: “يا أهل السطوح تنطونا لو إنروح”، وغالباً ما يعطونهم بعض الحلوى كالزلابية والبقلاوة، وقد يعطيهم البعض نقوداً ولا يعطيهم البعض الآخر شيئاً.

المسحرجي

وهو الرجل الذي يعتمد البغداديون عليه في ايقاظهم للسحور، ويسمى أحيانا أبو الطبل، وقد اعتمدت كل محلة على مسحرجي واحد يمارس المهنة التي ورثها عن أبيه وسيورثها لابنه، فمهنة المسحرجي في بغداد كانت مثل مهنة المختار يتوارثها الأبناء عن الآباء، وقد أصبحت عدة أسر في ما بعد تلقب بالمسحرجي لأنها ورثت اللقب عبر المهنة التي مارسها أسلافها، وعادة ما كان المسحرجي يستخدم الطبل في إيقاظ الأهالي في حين استخدم بعضهم البوق، وهي الآلة التي كانت تستخدم في تركيا للمهمة نفسها، ولا يكتفي بعض المسحرجية بقرع الطبل أثناء المرور أمام المنازل، بل ربما قرعوا بعصيهم الأبواب خصوصاً أهالي المنازل الذين عرفوا بالنوم الثقيل وعدم الاستيقاظ على قرع الطبل، ولأن المسحرجي من أهالي المحلة وورث المهنة عن أبيه فإنه يعرف أسرارها ويعرف طبائع أهل المحلة ومزاجهم وسلوكهم، وقد يتعرض أثناء أدائه لعمله طوال سنين مضت لمواقف محرجة أو غاضبة فمنهم من يطالبه بخفض الصوت لعدم ازعاجه، ومنهم من يعاتبه في اليوم التالي بشدة لأنه لم يستيقظ على قرعات طبله ففاته السحور، لذا فإنه يتعامل مع مختلف الحالات والسلوكيات بما يملكه من حكمة ودراية بالطباع فتراه يخفض صوته أمام ذلك البيت، ويقرع طبله بقوة أمام البيت الآخر في حين يستخدم عصاه في قرع الباب لبيت ثالث، وهو يردد في كل ليلة الأناشيد والأهازيج التي حفظها خلال سنوات من العمل وحفظها أطفال المحلة لكثرة ما سمعوها منه، بل وصار يرددها معه من يرافقه منهم، ولعل الليلة الأخيرة من ليالي شهر رمضان هي الأهم للمسحرجي، حيث يدور على المنازل مبشراً ومهنئاً بعيد الفطر المبارك، فيهديه الأهالي النقود والأطعمة والألبسة شاكرين له ما قام به طوال ليالي الشهر المبارك، لكن بعض الأفاقين قد يتقمصوا دور المسحرجي في الليلة الأخيرة فيدوروا على المنازل ويمروا في الدرابين التي لم يصلها المسحرجي الحقيقي مهنئين بالعيد فيحصلوا على بعض النقود والأطعمة من بعض النساء والرجال الذين لم يروا المسحرجي ولم يميزوا صوت المنادي الجديد، أما الغالبية العظمى من الناس فإنهم يتعرفون على المسحرجي الحقيقي والكاذب من خلال صوته وطريقة ترديده للأناشيد، ولأنهم يعلمون بمختلف طرق النصب البغدادية القديمة لذا فهم لا يعطون نقودهم أو هداياهم إلا للمسحرجي الحقيقي الذي اعتادوا سماع صوته طوال ليالي الشهر المبارك.

سوق الشورجة

يعتبر سوق الشورجة أهم الأسواق التي يتردد عليها البغداديون قبل رمضان لشراء حاجاتهم ولوازمهم للشهر الكريم، ويعتبر سوق الشورجة أقدم الأسواق البغدادية الباقية أيضاً حيث تم إنشاؤه في العصر العباسي الثاني قرابة عام 750هـ، وكان اسمه لدى نشأته سوق الرياحين، ثم أصبح اسمه سوق العطارين بعد أن اتسع وتنوعت بضائعه، وفي القرن التاسع عشر استبدل باسمه الحالي بعد أن أصبحت محلاته تمتلئ بمختلف أنواع الأغذية ولم تعد قاصرة على العطارة والبهارات والمواد العطرية.

وكان سوق الشورجة، وما زال، الرئة التي تتنفس منها التجارة البغدادية لتبقى على قيد الحياة، إذ أنه في الحقيقة عبارة عن مجموعة من الأسواق المتداخلة التي يباع فيها السكر والشاي والبهارات والتوابل والحلوى بأنواعها والحبوب المختلفة، وللسوق مداخل متعددة معظمها ضيق ويشبه الدهاليز، وما زال السوق يحتفظ بشكله الشعبي التراثي الذي لم يتغير كثيراً، ولا يقتصر دور السوق على بيع البضائع للمتبضعين، إنما تجري فيه مختلف الصفقات الكبرى بين تجار المواد الغذائية، وفيه كانت تتم عمليات استيراد البهارات والتوابل والأعشاب والشاي في القرن الماضي والصفقات الكبرى في هذه المجالات، كما اعتاد العطارون وصانعو الحلوى ومحلات “الشاي خانة” بمختلف مناطق بغداد والمحافظات الشمالية على شراء بضائعهم واحتياجاتهم منه.

المقاهي البغدادية

اشتهرت بغداد في القرنين الماضيين بمقاهيها المنتشرة على ضفتي دجلة جهتي الكرخ والرصافة، وقد عرف عنها أنها تقدم المشروبات الساخنة كالشاي المهيل والدارسين واللومي وشاي الكجرات والنرجيلة “الأركيلة” أثناء جلوس الرواد والزبائن على المقاعد الخشبية أمام السماورات في شتاء بغداد البارد وليل رمضان الممتع. ويذكر الباحثون أن أول مقهى أنشئ في بغداد كان قرابة عام 1590م وهو مقهى خان جغان في عهد الوالي العثماني سنان باشا، وما زال موجوداً إلى اليوم وقد أعيد بناؤه عدة مرات، ولم تتبلور القيمة الاجتماعية والسياسية للمقاهي البغدادية إلا أواخر القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، لكن لجوء البغداديين إلى المقاهي في شهر رمضان بدأ مبكراً وقبل التاريخ المذكور بعشرات السنين، وأما في بدايات القرن العشرين فقد تبلورت صورة خاصة للمقهى البغدادي كمؤسسة ترفيهية ثقافية وسياسية، حيث استبدل أصحاب المقاهي الحكواتي القديم الذي كان يسلي الزبائن في شهر رمضان ببعض النشاطات الجديدة الجاذبة للجمهور الجديد كحفلات الجالغي الغنائية ومباريات المحيبس بين الأحياء والمناطق البغدادية، وقد انتشرت معظم المقاهي في القرن التاسع عشر بجانب الكرخ حيث نشطت السلطة العثمانية فيها فأوجدت معظم المؤسسات والإدارات الحكومية مما جعل من الكرخ محطة لتوافد البغداديين والعراقيين إليها وهو الأمر الذي تسبب في ازدهار المقاهي خصوصاً الموجودة منها في الباب الشرقي كمحلتي الحيدر خانة وباب الشيخ.

وأما التغيير الجذري في تاريخ المقاهي وتاريخ بغداد أيضاً فهو إنشاء شارع خليل باشا جهة الرصافة في بدايات القرن العشرين، الذي أصبح فيما بعد شارع الرشيد الذي انتشرت عليه أهم المقاهي البغدادية التي كان لها تأثير مهم على الحياة السياسية والأدبية في بغداد والعراق حتى ستينيات القرن الماضي بعد وصول القوميين والبعثيين إلى الحكم وممارسة القمع وتكميم الأفواه مما تسبب في تضاؤل دورها، ولعل أشهر المقاهي التي قامت على شارع الرشيد في النصف الأول من القرن العشرين مقهى حسن عجمي والواقواق والبرازيلية والرشيد والبرلمان والبلدية وشط العرب وياسين، وكانت هذه المقاهي تنشط في ليل رمضان فلا تتوقف إلا مع وقت السحور لتعاود نشاطها مرة أخرى بعد إفطار اليوم التالي، على أن نشاطها لم يكن مرتبطاً بالتسلية والترفيه فقط بل بعضها كان يمارس دوراً وطنياً كبيراً كمقهى عارف آغا الذي كان الزعيم الوطني محمد مهدي البصير يلقي غيه خطبه الحماسية ضد الإنكليز عام 1920، كما عرفت بعض المقاهي كصالونات أدبية مثل مقهى الزهاوي الذي كان يرتاده معظم شعراء العراق، وعلى رأسهم معروف الرصافي الذي كان يلقي قصائده فيه ويستمع إلى آراء الرواد وملاحظاتهم قبل نشرها في الصحف في تلك الأيام، وقد عرف المقهى برواده المشاهير من الشعراء الآخرين كمحمد مهدي الجواهري ومحمود صدقي الزهاوي وعلي الوردي.

وأما مقهى الشابندر فقد ارتبط بشهر رمضان والحفلات الغنائية الراقية للمقام العراقي في أوج نهضته، وأنشئ المقهى عام 1917 على يد أسرة الشابندر البغدادية العريقة في محلة جديد حسن باشا في شارع المتنبي، وقد اشتهر المقهي بأرستقراطيته ورواده من المشاهير، فكان لا يقدم الشاي وإنما القهوة السادة والنسكافية وأنواع القهوة الأوروبية الأخرى، وكانت سهرات رمضان فيه كليالي ألف ليلة حيث يجتمع الرواد مبكراً ليتناولوا المشروبات الساخنة ويمتلئ المكان بدخان النراجيل حتى يبدأ مطرب المقام الشهير رشيد القدرجي الغناء بمرافقة فرقة الجالغي، في حين عرفت بعض المقاعد بأنها محجوزة لصاحبها سواء حضر أو لم يحضر مثل مقعد بدر شاكر السياب ومقعد رشيد ياسين ومقعد حسين مردان مما أضفى على المقهى حالة من الهيبة والاحترام.

المحيبس

تعتبر لعبة المحيبس أشهر العاب التسلية التي يمارسها البغداديون في شهر رمضان، حيث اعتادوا وبعض أهالي المحافظات الأخرى خصوصاً الغربية منها على ممارستها طوال أكثر من 300 عام، والمحيبس تصغير للمحبس وهو الخاتم، حيث يقوم أحد أعضاء الفريق باخفائه بإحدى يديه ثم يقوم أحد أفراد الفريق المنافس بمحاولة إيجاده وتحديد اليد التي تخفيه وأي توقع خاطئ تحتسب به نقطة للفريق الآخر، وتحتضن اللعبة عدداً من مقاهي بغداد المعروفة التي تقيم المباريات اليومية بين المحلات والمناطق المختلفة طوال ليالي شهر رمضان، ويتابعها جمهور كبير ربما لا يسعه المكان في بعض الأحيان، ويزداد الحماس والتشجيع كلما تقدم الفريق وأكمل مبارياته حتى الأيام الأخيرة من الشهر، فيزداد مشجعوه القادمين من محلته أو منطقته كلما علموا بفوزه وتقدمه للأدوار النهائية، ويعتمد فريق المحيبس على رئيسه الذي نادراً ما يخطئ في استخراج المحيبس من اليد التي تضمه، ولإيجاد المحيبس علامات يستدل بها رئيس الفريق على الشخص الذي يخفيه مثل تصبب العرق من جبينه وارتباكه وتوتره، ولعل الذاكرة البغدادية تحتفظ ببعض الأسماء التي اشتهرت بالمهارة الفائقة في ممارسة هذه اللعبة، ولعل أشهر هؤلاء اللاعبين كان أبو طيارة وهو من محلة الفضل ولقب بأبي طيارة للسرعة التي يجد فيها المحيبس.

الجالغي البغدادي

هي فرق موسيقية صغيرة كانت رائدة في بغداد في الماضي حيث كانت تقدم حفلاتها في الأعراس والختان والمواليد والحفلات البغدادية الأخرى، وكانت بعض المقاهي البغدادية الكبرى التي يرتادها الكثير من الناس في رمضان تستدعي هذه الفرق لتقدم المقام البغدادي الشهير، ويرى سليمان قدوري في الموسوعة الموسيقية أن الجالغي كلمة تعني جماعة الغناء أو طاقم الطرب، وأن الفرقة غالباً ما تكون صغيرة العدد وتتكون من عازفي السنطور والجوزة والطبلة والرق والنقارة، وهم عادة ما يكونون من ذوي الأصوات الجميلة والعارفين بالمقام البغدادي لأنهم دائماً ما يؤدون وصلات غنائية جماعية أثناء توقف منشد الفرقة عن الغناء للاستراحة، ولعل أشهر تعريفاتها هو الذي يقول إن أصل الكلمة تركي، وتعني جماعة اللهو، وهي فرقة تتكون من عازفين وقارئ مقام يرأسها، وتقدم حفلاتها بالمناسبات الخاصة كالزواج والمناسبات السعيدة الأخرى، وفي شهر رمضان على وجه الخصوصن حيث تقدم وصلاتها الغنائية في المقاهي طوال ليالي شهر رمضان بطريقة مختلفة عما تقدمه في المناسبات، حيث يقدم المطرب وصلة من الأغاني والمواويل على مقام واحد ثم تختتم الفرقة الوصلة بأغنية جماعية على المقام نفسه الذي كان المطرب يقدم به الوصلة، وتسمى الأغنية الجماعية البستة، يعقب الوصلة استراحة ثم تعود الفرقة لتقديم وصلة أخرى بمقام آخر بنفس الترتيب السابق, والآلات القديمة المستخدمة في عزف الجالغي هي السنطور الذي يعتبر من الآلات الوترية النقرية، وغالباً ما يكون عازف السنطور هو قائد الفرقة، وآلة الجوزة وهي من الآلات الوترية القوسية تشبه الكمنجة ويسميها بعض الموسيقيين الكمانة البغدادية، والرق وهي آلة مهمة في الجالغي من الآلات الإيقاعية، وأما بعض الآلات الأخرى فهي آلات مساعدة وليست رئيسية يمكن استبدالها بأخرى.

والملفت للنظر أن أشهر مطربي وعازفي الجالغي في بغداد في أوائل القرن العشرين كانوا من اليهود المقيمين في بغداد، وكانوا يعزفون في المقاهي البغدادية طوال شهر رمضان دون أن يواجهوا حرجاً، ومن أشهر العائلات اليهودية التي أسست فرقاً للجالغي واشتهرت في بغداد عائلة بتو، وعائلة بصون، وعائلة حوكي باتو وهي أشهرها على الإطلاق، وأسست فرقتها منذ النصف الثاني من القرن التاسع عشر من خلال عميدها حوكي باتو رحمين، واستمرت طوال نحو قرن من الزمن في تقديم حفلاتها الحية في رمضان وباقي شهور العام، ثم ورثه ابنه يوسف بعد أن كبر حوكي باتو ولم يعد قادراً على الغناء وقيادة الفرقة حتى عام 1948 عندما تم إبعاد اليهود العراقيين إلى فلسطين طوال ثلاث سنوات لاحقة لتستمر الفرقة بتقديم حفلاتها في أوساط اليهود العراقيين لفترة من الزمن، وقد واجهت المقاهي البغدادية في رمضان لثلاث سنوات متتالية مشكلة في قلة عدد فرق الجالغي بعد رحيل اليهود حتى تم تعويض النقص تدريجياً وعادت المقاهي البغدادية في تقديم حفلاتها الرمضانية.

*كاتب وباحث كويتي

back to top