دروس الفرح بحسب فريديريك لونوار

نشر في 02-01-2016 | 00:00
آخر تحديث 02-01-2016 | 00:00
No Image Caption
بعدما ركّز الفيلسوف والمؤرخ فريديريك لونوار فترة طويلة على موضوع السعادة وأصدر كتباً عنه وشارك في مؤتمرات ولقاءات بشأنه، بدأ يؤلف كتابه الأخير الذي يتناول أسرار الفرح الحقيقي. ما هي الطريقة التي تسمح لنا بتجديد التواصل مع هذه العاطفة الأساسية؟

الفرح يهبط بلا سابق إنذار!

الفرح عاطفة شبيهة بالمتعة لكنه أكثر قوة بكثير وهو يصيب الكيان كله. لكن هل يسهل أن نشعر بالمتعة؟ يجيب لونوار: {نعم هذا ممكن. إذا شعرت بالجوع وأكلت وجبة لذيذة، ستكون المتعة مضمونة. لكنّ الفرح مختلف بطبيعته، فهو أكثر عمقاً وغموضاً كونه يلمس الروح والجسم والقلب ويبث فينا بهجة عارمة ويجعلنا نرقص ونغني ونضحك. أظن أنها العاطفة التي يرغب فيها الجميع}.  يتحدث لونوار عن سبينوزا، واحد من الفلاسفة النادرين الذين تناولوا موضوع الفرح وقد أعطى تعريفاً جميلاً جداً لهذا الشعور: {الفرح هو المرور من كمالٍ أدنى إلى كمالٍ أعلى}. يعني ذلك أن الفرح يعكس نمو الذات وقوة الوجود. يتابع لونوار قائلاً: {في كل مرة نكبر فيها، نجد الفرح. يحصل ذلك حين يتعلم الطفل المشي، أو يختبر الرياضي الفوز، أو يجيد الفنان الابتكار، أو يكثّف المتطوع نشاطاته. الفرح نعمة تهبط علينا من دون سابق إنذار}!

الفرح نعمة

الفرح حالة مفاجئة وعابرة وغير مفتعلة. لكن تتخذ هذه العاطفة شكلَين. يميز سبينوزا بين الفرح الجامد والخارجي وبين الفرح النشط والداخلي. لا يدوم الفرح الخارجي. أما الفرح النشط، فهو حالة يمكن عيشها عبر العمل على الذات. لكنّه ليس هدفاً يجب بلوغه بل نعمة منذ الولادة: إنه فرح الحياة وقوة الحيوية! يكفي أن نراقب طبيعة الفرح لدى الأولاد الصغار أو وسط الناس الذين يعيشون حياة بسيطة في أحضان الطبيعة.

إزالة العقبات

في عمر السادسة أو السابعة، لا يمكن بلوغ أعلى درجات الفرح الفطري: {يكون فرح الحياة مصدراً حيوياً. لكن بسبب عقبات الحياة والمخاوف والمواقف الدفاعية والتركيز على بناء {الأنا} الاجتماعية، سرعان ما نغلق ذلك المصدر بسبب عقبات لا تُعَدّ ولا تُحصى. لتجديد ذلك المصدر، يجب أن نزيل العقبات}. يحدد فريديريك لونوار مساراً أولياً طويلاً يبدأ بـ}فك الارتباط}، أي الابتعاد عن كل ما يعيقنا ويمنعنا من التصرف على سجيتنا: {يمهد هذا المسار للتعرف إلى الذات أو ما يسميه كارل يونغ {عملية اكتساب الفردية}.

يمكن تحقيق ذلك عبر التحليل النفسي والعلاجات النفسية والتأمل والاستبطان. يسمح لنا هذا العمل الواعي برفض كل ما هو مسيء لنا (علاقات سامة، عمل غير مناسب، صراعات...) واختيار ما يناسبنا. إذا تصالحنا مع أعماقنا، يمكن أن ننظر إلى الآخرين بشفافية ونتعامل معهم بطريقة صائبة}.

تجديد التواصل مع الكون

لتحقيق هذه الغاية، يجب أن نتخذ المسار الثاني الذي يقضي بـ}تجديد الارتباط}، أي الانفتاح على الآخرين والعالم. يسمح هذان المساران المبنيان على التحرر والحب بتراجع تأثير {الأنا}، أي ذلك الكيان الذي يخلقه عقلنا وعواطفنا ونتأثر به جميعاً في نهاية المطاف. يتماشى هذا المفهوم مع الأفكار الشرقية التي تعتبر {الأنا} عائقاً في طريقنا. لكن في بعض المجتمعات، تُعتبر {الأنا} محور كل شيء لأن الناس يسعون إلى تحقيق نفسهم وهذا ما يجعلهم تعساء.

يمر تحقيق الذات فعلياً بعمق كياننا. يجب أن نكتشف هذا الجانب الداخلي العميق لأنه يربطنا بالكون والعالم الروحي. نتيجةً لذلك، يتراجع التوتر ونتوقف عن اعتبار العالم مقسوماً بين {الأنا} والآخرين. يمكن أن يصبح الفرح دائماً وقد يتخذ منحىً {مثالياً} في هذه الحالة، ما يعني بكل بساطة إيجاد فرح الحياة المنشود.

6 مبادئ قيّمة

الانتباه: يجب أن نعيش الحاضر بكل بساطة. إذا كنا نتأمل منظراً جميلاً أثناء التفكير بموضوع آخر، لا يمكن أن نشعر بالفرح. لكن إذا استمتعنا بهذه اللحظة بجميع حواسنا، سيستعدّ الفرح للظهور والتوسع.

الاسترخاء: أمام المصاعب، من الأفضل أن نحب الحياة ونتقبلها بلا اعتراض. من خلال الاسترخاء، يمكن أن نترك الباب مفتوحاً أمام فرح القبول.

الابتكار: من خلال تطوير الإبداع، يمكن أن نتواصل مع أعماقنا ونتعرف إلى حقيقتنا بدل التركيز على {الأنا}. يمكن تحقيق ذلك عبر نشاطات مثل الرسم والطبخ والاعتناء بالحديقة والكتابة...

المثابرة: يجب أن نبذل قصارى جهدنا مهما فعلنا لأن هذا السلوك يسمح لنا بإيجاد الفرح الحقيقي.

السخاء: يجب أن نقوم بنشاطات من دون انتظار شيء في المقابل أو السعي إلى كسب الأرباح أو زيادة الفاعلية، سواء تعلق الموضوع بالتواصل مع الآخرين أو القيام بأي نشاط آخر...

الامتنان: يجب أن نعتاد على تطوير هذا الشعور عبر مبادرة عميقة وعفوية للتمكن من الانفتاح على قوة الفرح.

back to top