ترانيم أعرابي: سلة العقول

نشر في 24-11-2015
آخر تحديث 24-11-2015 | 00:01
 عبدالرحمن محمد الإبراهيم عقول الناس كأصناف الفاكهة، كل نوع له خصوصيته التي تميزه عن غيره، والراغب في الأكل يتخير الفاكهة حسب رغبته أولاً، ثم بقدر المال المتوافر في جيبه، وثالثا بحسب المكان الذي يعيش فيه! فلو رغبت أن تأكل البطيخ في فصل الشتاء فسيكون ذلك صعبا نوعا ما لكنه غير مستحيل، والأمر ينطبق على كل الفواكه.

أنماط عقول البشر متنوعة- كما أفهمها أنا دون دراسة أو تخصص- كما أنها قد تعطيك شكلا خارجيا متأنقا يجذبك إليه جذباً، وعندما تزيل القشرة تُفاجأ بمقدار الحموضة والعفونة أحيانا الموجودة وراء الستار، أو أنك تستمتع بالطعم وعندما تنتهي تزول تلك المتعة بزوال لذة ما أكلت عن لسانك، وبذلك تكون هذه العقول عقولاً لحظية إن صحت التسمية لا تصلح إلا للحظات ثم ينتهي مفعولها.

فالعقل البرتقالي- من البرتقال- لا يعتمد على الحجم ليزودك بما تريد، فقد يكون الشكل جذابا واللون يشد الناظر إليه، وما إن تزال القشرة وينطلق هذا العقل بالحديث حتى تجد نفسك تهضمه، وهو خالٍ من السكر شديد الحموضة لا يكاد يبلع، لكنك تجامل حموضة أفكاره بالسرحان والإبحار في خيالك بأن الدواء شر لا بد منه، وتحاول قدر الإمكان أن تأخذ الحكمة من تحت قشور الحمضيات، والعقل البرتقالي أصناف منها الجيد الذي يستسيغه عقلك دون متعة، ومنها ما هو حلو المذاق راقي الأفكار تهضمه لأنه حولك إلى معجب كبير به من أول قضمة، حموضته لذيذة تجعل عقلك يتأمل الجمال في الحامض، ويتفكر في بديع صنع الخالق الذي جعل فيه مذاقا حلواً، وتتزود بما تحتاج إليه من فيتامين الثقافة والمعرفة.

أما العقل البطيخي فمن اسمه سواء أكان حامضا أم حلوا أم بلا طعم فهو بطيخي لا يسمن ولا يغني من جوع، ومهما أكلت منه لا تشبع أبدا، فهو عقل يجعلك تتلف أفكارك إن لم تنتبه لنفسك، ولا بد لك من رمي الأجزاء الزائدة على حاجتك بعد أكل ما تريد، وهذا العقل يتميز بكبر الحجم الخارجي وتوافره بكثرة، وهو متاح للجميع، وفي الغالب يكون بلا فائدة تذكر، وإن ذكرت فإنها لا ترسخ في العقل طويلا.

وهناك العقل الفراولي له عشاقه الذين لا يتخلون عنه مهما غلا ثمنه وزاد سعره، لونه الأحمر يجذبك إليه على صغر حجمه لكنه متميز للبعض، ويهضم لوحده، وإن استعصى هضمه جذبك نحوه من خلال غمسه بالسكر فيكون الطعم الفكري له مقبولا وفي غالب الأحيان مفيدا، عيبه أنه لا يصلح إلا لفئة معينة تحبه وتعرف كيف تحمل منه على ما تريد.

أما العقل الكمثري فهو عقل صعب الهضم قوي القشرة لا يحبه الكثيرون، ويجبر على أكله بعض الناس لأنه يكون مفروضا فرضا، ويجبر غيره على أن يأكلوا أفكاره ويهضموها، وفي الغالب يكون مصيره في سلة الفواكه من نصيب البكتيريا التي تأكله حتى يسودّ لونه، ويلقى في سلة المهملات.

وهناك عقل يجمع بين المشمش والخوخ والكيوي يصلح إن كان حلوا وفي مزاج معتدل، ولا يؤكل إلا في مواسم معينة، يحبه الكثيرون إن كان في وقته، أما حين يكون في غير ذلك فلا يقرب منه إلا الحامل التي تتوحم أو السمين الذي يحاول أن ينقص وزنه!

أما العقل الموزي فهو العقل الذي يتقبله الجميع لأنه صاحب شكل مميز، معروف باطنه دون الحاجة لإزالة قشرته، سلس الهضم طيب المذاق مليء بالفيتامينات والفوائد، ولا يحتاج إلى الكثير ليعبر عن جماله، فهو قد اكتسب شهرته من خلال جودته وتميزه، يحصل الجميع عليه الغني والفقير، السمين والنحيف، الرجل والمرأة، شرطه الوحيد أن ينضج قبل أن يؤكل، ومن يستعجل قطافه يدمره.

«شوارد»:

كنت أريد أن أكتب مقالاً صريحا واضحا حول هذه العقول، لكني آثرت أن أجعله رمزيا، وأترك لعقولكم الإبحار في الخيال، وتصنيف من تعرفون وتضيفون ما تريدون حتى تعم الفائدة.

back to top