يحكى أن 30-10: شهرزاد تسرد حكاية مدينة النار والنور

نشر في 27-06-2015 | 00:01
آخر تحديث 27-06-2015 | 00:01
تواصل شهرزاد الحكاية، بعدما انتهت من قصة الصعاليك الثلاثة، الذين دخلوا بيت البنات الثلاث مع الحمَّال والكلبتين، وبعدما حكى الصعاليك حكاياتهم تقدم جعر البرمكي وزير هارون الرشيد وحكى حكايته مع خليفة المؤمنين، الذي أمر الجميع بالحضور بين يديه في الصباح ليعرف حكايات الصبايا، والكلبتين والحمال وجميع من كان في بيت الصبايا.
وفي صباح اليوم التالي، وبينما كان هارون الرشيد وسط حاشيته ووزرائه، تقدمت كبيرة الصبايا لتحكي حكايتها على الخليفة.
لما كانت الليلة العاشرة، قالت شهرزاد: بلغني أيها الملك السعيد، أن كبيرة الصبايا لما تقدَّمت بين يدي أمير المؤمنين قالت: إن لي حديثاً عجيباً هو أن هاتين الكلبتين أختاي من أبي من غير أمي، وقد مات والدنا وخلف لنا خمسة آلاف دينار. كنت أنا أصغر سناً، فتزوجتا تاجرين، وأعطت كل واحدة منهما ألف دينار لزوجها وسافروا جميعاً في تجارة وتركوني وحدي أربع سنين. ضيع زوجاهما المال خلالها، وتركهما في بلاد الناس إلى أن عادتا في هيئة الشحاذتين. لما رأيتهما ذهلت، ولما عرفتهما قلت لهما: ما هذه الحال؟ قالتا: إن الكلام لا يفيد الآن، وقد جرى القدر بما حكم الله.فأرسلتهما إلى الحمام وألبست كل واحدة حلة، وقلت لهما: أنتما الكبيرتان وأنا الصغيرة، وأنتما عوض عن أبي وأمي، والإرث الذي خصني قد جعل الله فيه البركة، فكلا من زكاته، وأنا وأنتما سواء.

وقالت كبيرة الصبايا إنها أحسنت إلى أختيها، غاية الإحسان: فمكثتا عندي سنة كاملة، وصار لهما مال من مالي، ثم قالتا: إن الزواج خير لنا وليس لنا صبر عنه. قلت لهما: إنكما لم تريا في الزواج خيراً، فإن الرجل الطيب قليل في هذا الزمان لكنهما تزوجتا بغير رضاي فمنحتهما بعض مالي وسترتهما ومضتا مع زوجيهما، وبعد مدة يسيرة لعب عليهما زوجاهما وأخذا ما كان معهما وسافرا وتركاهما،، فجاءتا عندي وهما عارياتان وقالتا التالي: لا تؤاخذينا فأنت أصغر منا سناً وأكمل عقلاً، وما بقينا نذكر الزواج أبداً. قلت مرحباً بكما، ما عندي أعز منكما. وقبلتهما وزدتهما إكراماً. ولم نزل على هذه الحالة سنة كاملة. ثم أردت أن أجهز تجارة إلى البصرة، فجهزت سفينة كبيرة وحملت فيها البضائع وما أحتاج إليه، وقلت لهما: هل لكما أن تقعدا في المنزل حتى أسافر وأرجع، أو تسافرا معي؟ قالتا: نسافر معك لأننا لا نطيق فراقك.

أخذتهما وسافرنا، وكنت قسمت مالي، وأخذت نصفه، وخبأت النصف الثاني قائلة: ربما يصيب المركب شيء ويكون في العمر مدة فإذا رجعنا نجد شيئاً ينفعنا، ولم نزل مسافرين أياماً وليالي، وتاهت بنا السفينة في الطريق ودخلت بحراً غير الذي نريده ولم نعلم بذلك مدة. ثم طابت لنا الريح عشرة أيام فلاحت لنا مدينة عن بعد، فقلنا للريس: ما اسم هذه المدينة التي أشرفنا عليها؟ فقال: والله لا أعلم، ولا رأيتها قط، ولا سلكت عمري هذا البحر. ولكن جاء الأمر بسلامة فما بقي إلا أن تدخلن هذه المدينة وتخرجن بضائعكن لعرضها للبيع. ثم غاب ساعة وعاد يقول: هيا اطلعن إلى المدينة وتعجبن من صنع الله في خلقه واستعذن من سخطه، فطلعنا إلى المدينة حيث وجدنا كل من فيها ممسوخاً حجارة سوداء. اندهشنا من ذلك، ومشينا في الأسواق فوجدنا البضائع باقية، والذهب والفضة باقيين على حالهما، ففرحنا وقلنا: لعل هذا يكون له أمر عجيب، وتفرقنا في شوارع المدينة وكل منا في شغل بما فيها من المال وغيره، وصعدت إلى القلعة فوجدتها محكمة. ثم دخلت قصر الملك فوجدت جميع الأواني من الذهب والفضة، ورأيت الملك جالساً وعنده حجابه ونوابه ووزراؤه وعليه من الملابس شيء يتحير فيه الفكر. لما قربت من الملك وجدته جالساً على كرسي مرصع بالدر والجوهر، وكل درة فيه تضيء كالنجمة، وعليه حلة مزركشة بالذهب، وحوله خمسون مملوكاً يرتدون أنواع الحرير، وفي أيديهم السيوف مجردة. عندوما نظرت ذلك، دهش عقلي ثم دخلت قاعة الحريم فوجدت على جدرانها ستائر من حرير، ووجدت الملكة وعليها حلة مزركشة باللؤلؤ الرطب، وعلى رأسها تاج مكلل بأنواع الجواهر، وفي عنقها قلائد وعقود، وجميع ما عليها من الملبوس والحلي باق على حاله، وهي ممسوخة حجراً أسود. وجدت باباً مفتوحاً فدخلته حيث وجدت سلماً بسبع درجات فصعدته، ورأيت مكاناً مرخماً مفروشاً بالبسط المذهبة، فيه سرير من المرمر مرصع بالدر والجوهر، ونظرت نوراً لامعاً في جهة فقصدتها فوجدت فيها جوهرة مضيئة قدر بيضة النعامة، على كرسي صغير وهي تشيء كالشمعة ونورها ساطع، وعلى ذلك السرير من أنواع الحرير ما يحير الناظر.

ابن الملك

لما نظرت إلى ذلك تعجبت ورأيت في ذلك المكان شموعاً موقدة، فقلت في نفسي: لا بد من أن أحداً أوقد هذه الشموع. مشيت حتى دخلت موضعاً غيره، وصرت أفتش في الأماكن وقد نسيت نفسي مما أدهشني من التعجب من تلك الأحوال. ولما دخل الليل أردت الخروج فلم أعرف الباب وتهت عنه، فعدت إلى الجهة التي فيها الشموع الموقدة، وجلست على السرير وتغطيت بلحاف بعدما قرأت شيئاً من القرآن، وأردت النوم فلم أستطع ولحقني القلق. لما انتصف الليل سمعت تلاوة للقرآن بصوت حسن رقيق وكان هناك مخدع، بابه مفتوح. قمت ودخلته فإذا هو معبد وفيه قناديل معلقة موقدة، وسجادة مفروشة عليها شاب حسن المنظر، فتعجبت من وجوده سالماً دون أهل المدينة.سلمت عليه فرفع بصره ورد عليّ السلام فقلت له: أسألك بحق ما تتلوه من كتاب الله أن تجيبني عن سؤالي. فتبسم وقال: أخبريني عن سبب دخولك هذا المكان وأنا أخبرك بجواب ما تسألين عنه. أخبرته بخبري، فتعجب من ذلك، ثم سألته عن خبر هذه المدينة، فأمهلني حتى أطبق المصحف وأدخله في كيس من الأطلس، ثم أجلسني بجانبه فنظرت إليه فإذا هو كالبدر، حسن الأوصاف، لين الأعطاف، بهي المنظر، رشيق القد، أسيل الخد، زهي الوجنات، فنظرت إليه نظرة أعقبتني ألف حسرة، وأوقدت بقلبي ألف جمرة وقلت له: يا مولاي أخبرني عما سألتك.

فقال سمعاً وطاعة: اعلمي أن هذه المدينة مدينة والدي، وهو الملك الذي رأيته على الكرسي ممسوخأً حجراً. أما الملكة التي رأيتها فهي أمي، وقد كانوا مجوساً يعبدون النار من دون الملك الجبار، وكانوا يقسمون بالنار والنور والظل والحرور والفلك الذي يدور، وبقي أبي وليس له ولد حتى رزق بي في آخر عمره، وكان عندنا عجوز طاعنة في السن مسلمة تؤمن بالله ورسوله في الباطن، وتوافق أهلي في الظاهر، وكان أبي معجباً بما يرى عليها من الأمانة والعفة، ويزيد في إكرامها معتقداً أنها على دينه. لما كبرت أسلمني إليها وقال لها: خذيه وربيه وعلميه أحوال ديننا وقومي بخدمته، فأخذتني العجوز وعلمتني دين الإسلام من الطهارة وفرائض الوضوء والصلاة وحفظتني القرآن. عندما أتممت ذلك قالت لي: يا ولدي اكتم هذا الأمر عن أبيك ولا تعلمه به لئلا يقتلك. كتمته عنه، ولم أزل على هذه الحال حتى ماتت العجوز، وزاد أهل المدينة في كفرهم وعتوهم وضلالهم. بينما هم كذلك إذ سمعوا منادياً ينادي بأعلى صوت: يا أهل المدينة. فزعوا، واجتمعوا عند أبي وسألوه: ما هذا الصوت المزعج الذي سمعناه، فاندهشنا من شدة هوله؟ أجابهم: لا يهولنكم الصوت ولا يفزعكم ولا يردكم عن دينكم. فمالت قلوبهم إلى قول أبي، ولم يزالوا مكبين على عبادة النار، واستمروا على طغيانهم مدة سنة حتى جاء ميعاد سماعهم ذلك المنادي. سمعوه مرة أخرى ثم مرة ثالثة في السنة التالية، ولكنهم استمروا في ضلالهم، حتى نزل عليهم المقت والسخط  من السماء ذات يوم بعد طلوع الفجر، فمسخوا حجارة سوداء. كذلك دوابهم وأنعامهم، ولم يسلم من أهل هذه المدينة غيري. ومنذ هذه الحادثة وأنا على هذه الحال، في صلاة وصيام وتلاوة قرآن، وقد سئمت من الوحدة وليس عندي من يؤانسني.

الكلبتان

عند ذلك قلت له: يا أيها الشاب هل لك أن تروح معي إلى مدينة بغداد، وتنظر إلى العلماء وإلى الفقهاء فتزداد علماً وفقها، وأكون أنا جاريتك مع أني سيدة قومي وحاكمة على رجال وخدم وغلمان، وعندي مركب مشحونة بالتجارة وقد رمتنا المقادير على هذه المدينة حتى كان ذلك سبباً في اجتماعنا. ولم أزل أرغبه في التوجه معي حتى قَبِل.

قالت شهرزاد: بلغني أيها الملك السعيد أن الصبية ما زالت تحسن للشاب التوجه معها حتى غلب عليها النوم، فنامت تلك الليلة تحت رجليه، وهي لا تصدق ما هي فيه لشدة فرحها. لما أقبل الصباح قامت معه إلى الخزائن وأخذا ما خف حمله وغلا ثمنه ونزلا من القلعة إلى المدينة، فقابلهما العبيد والريس وهم يفتشون عليها. عندما رأوها فرحوا وسألوها عن سبب غيابها فأخبرتهم بما رأت، وحكت لهم قصة الشاب وسبب مسخ أهل هذه المدينة وما جرى لهم فتعجبوا من ذلك. لما رأت أختاها ذلك الشاب حسدتها عليه، وصارتا في غيظ، وأضمرتا المكر لها. ثم عاد الجميع إلى السفينة والفتاة أكثرهم فرحاً بصحبة ذلك الشاب، وانتظروا الريح حتى طابت لهم فنشروا القلوع وسافروا. قعدت أختاها عندها، قالتا لها: ما تصنعين بهذا الكتاب الحسن؟ فقالت لها: قصدي أن أتخذه بعلا. ثم التفتت إليه وأقبلت عليه وقالت له: يا سيدي قصدي أن أقول لك شيئاً فلا تخالفني فيه، فقال: سمعاً وطاعة. ثم التفتت إلى أختيها وقالت لهما: يكفيني هذا الشاب، وجمع هذه الأموال لكما، فقالتا: نعم ما فعلت. ولكنهما أضمرتا الشر. ولم يزالوا سائرين مع اعتدال الريح حتى خرجوا من بحر الخوف ودخلوا بحر الأمان، وبعد أيام اقتربوا من مدينة البصرة ولاحت لهم أبنيتها قرب المساء. لما أخذهم النوم قامت أختا الفتاة وحملتاها هي والشاب وقذفتا بهما في البحر. أما الشاب فإنه كان لا يحسن العوم فغرق فكتبه الله من الشهداء. أما الفتاة فلما سقطت في البحر رزقها الله بقطعة خشب فركبتها، وبقيت الأمواج تتقاذفها إلى أن رمتها على ساحر جزيرة، فلم تزل تمشي في الجزيرة بقية ليلتها، حتى أقبل الصباح فرأت طريقاً فيه أثر أقدام آدمية، وتلك الطريق متصلة من الجزيرة إلى البر.

ولم تزل سائرة إلى أن قربت من البر الذي فيه المدينة، وإذا بأفعى تقصدها وخلفها ثعبان يريد هلاكها وقد تدلى لسانها من شدة التعب، فأخذتها الشفقة عليها، وتناولت حجراً دقت به رأس الثعبان فمات من وقته. نشرت الأفعى جناحين وطارت في الجو، فتعجبت الفتاة من ذلك، وكانت قد تعبت فنامت في موضعها ساعة. عندما استيقظت وجدت عندها جارية تكبس قدميها فاستحيت منها وقالت لها: من أنت وما شأنك؟ أجابت: ما أسرع ما نسيتني!

أنا الأفعى التي فعلت معها الجميل وقتلت عدوها الثعبان وأنا جنية وهو جني مثلي وما نجاني منه إلا أنت، وقد طرت في الريح فور نجاتي وذهبت إلى السفينة التي رمتك منها أختاك ونقلت جميع ما فيها إلى بيتك الجديد وأغرقتها. أما أختاك فإني سحرتهما كلبتين من الكلاب السود، فإني عرفت جميع ما جرى لك معهما.

قالت الصبية الأولى للخليفة متممة قصتها: بعد ذلك يا أمير المؤمنين حملتني الجارية الجنية أنا والكلبتين وألقتنا فوق سطح داري، فرأيت جميع ما كان في السفينة من الأموال في وسط بيتي لم يضع منه شيء. ثم قالت لي: وحق النقش الذي على خاتم سليمان إذا لم تضربي كل واحدة منهما في كل يوم ثلاثمئة سوط لأجعلنك مثلهما فقلت: سمعاً وطاعة. لم أزل يا أمير المؤمنين أضربهما ذلك الضرب، وإن كنت أشفق عليهما.

تعجب الخليفة من ذلك غاية العجب، وسأل الصبية الثانية: وأنت ما سبب الضرب الذي بجسدك؟ أجابت: يا أمير المؤمنين، كان لي والد مات وخلف مالاً كثيراً، فأقمت بعده مدة يسيرة وتزوجت برجل كان أسعد أهل زمانه، فأقمت معه سنة كاملة ومات. ورثت عنه ثمانين ألف دينار. بينما أنا جالسة في أحد الأيام دخلت عليّ عجوز بوجه مسعوط، وحاجب ممعوط، وعيناها مفجرتان وأسنانها مكسرة، كما قال الشاعر:

عجوز النحس إبليس يراها

تعلمه الخديعة من سكوت

تقود من السياسة ألف بغل

إذا نفرو بخيط العنكبوت

لما دخلت العجوز سلمت عليّ وقالت: إن عندي ابنة يتيمة، واليوم عرسها، ويكون لك الأجر والثواب إذا حضرت عرسها لأنها مكسورة الخاطر ليس لها إلا الله تعالى. ثم بكت وقبلت رجلي فأخذتني الرحمة والرأفة فقلت: سمعاً وطاعة. فقالت: جهزي نفسك فإني وقت العشاء أجيء آخذك. ثم قبلت يدي وذهبت، فقمت وهيأت نفسي حتى أقبلت العجوز وقالت: يا سيدتي، إن سيدات البلد قد حضرن وأخبرتهن بحضورك ففرحن وهن في انتظارك.

القبلة

قمت وتهيأت وأخذت جواري معي، وسرنا حتى أتينا إلى زقاق هب فيه النسيم، فرأينا بوابة مقنطرة، بقبة من الرخام مشيدة البنيان، وفي داخلها قصر قام من التراب وتعلق بالسحاب. عندما وصلنا إلى الباب طرقته العجوز ففتح لنا، ودخلنا دهليزاً مفروشاً بالبسط، وفيه قناديل موقدة وشموع مضيئة، وشيء كثير من الجواهر والمعادن معلقة. مشينا في الدهاليز إلى أن دخلنا القاعة لا يوجد لها نظير، مفروشة بالحرير، علقت فيها القناديل الموقودة بالشموع المضيئة، وفي صدرها سرير من المرمر، مرصع بالدر والجوهر، وعليه ناموسية من الأطلس، وإذا بصبية خرجت من الناموسية مثل القمر وقالت لي: مرحباً وأهلاً وسهلا يا أختي، لقد أنستني وجبرت خاطري، ثم أنشدت تقول:

لو تعلم الدار من زارها فرحت

واستبشرت ثم باست موضع القدم

وأعلنت بلسان الحال قائلة

أهلاً وسهلاً بأهل الجود والكــرم

جلست وقالت: يا أختي، إن لي أخاً وقد رآك في بعض الأفراح، وهو شاب أحسن مني، وقد أحبك حباً شديداً، وأعطى هذه العجوز دراهم حتى أتتك وعملت هذه الحيلة لأجل اجتماعه بك، ويريد أخي أن يتزوجك بسنة الله ورسوله، وما في الحلال من عيب. عندما سمعت كلامها، رأيت نفسي قد انحبست في الدار، قلت لها: سمعاً وطاعة. ففرحت وصفقت بيديها وفتحت باباً خرج منه شاب مثل القمر.

لما نظرت إليه مال قلبي له، ثم جلس ومعه القاضي وأربعة شهود، انصرفوا بعد عقد قراني بذلك الشاب، فالتفت إليّ وقال: ليلتنا مباركة يا سيدتي، إني شارط عليك شرطاً، سألته: ما هو؟ فقام وأحضر لي مصحفاً وقال: احلفي لي أنك لا تختارين أحداً غيري ولا تميلي إليه. حلفت له على ذلك، ففرح فرحاً شديداً. أخذت محبته بمجامع قلبي ثم قدموا لنا السماط فأكلنا وشربنا حتى اكتفينا، ولم نزل على هذه الحالة مدة شهر ونحن في هناء وسرور، وبعد ذلك استأذنته في أني أسير إلى السوق واشتري بعض قماش فإذن لي في ذلك. لبست ثيابي وأخذت العجوز معي وتوجهنا إلى السوق، فجلست على دكان شاب تاجر تعرفه العجوز، وقالت لي: هذا ولد صغير مات أبوه وخلف له مالاً كثيراً. وقالت له: هات أحسن ما عندك من القماش لهذه الصبية. قال: سمعاً وطاعة. وصارت العجوز تثني عليه فقلت: ما لنا حاجة بثنائك عليه، لأن مرادناً أن نأخذ حاجتنا منه ونعود إلى منازلنا. أخرج لنا ما طلبنا وأعطيناه الدراهم، فأبى أن يأخذ شيئاً وقال: هذه ضيافتكم اليوم عندي. قلت للعجوز: إن لم يأخذ الدراهم فأعطه قماشه. فقال: والله لا آخذ منك شيئاً، والأقمشة هدية من عندي لقاء قبلة منك هي أحسن ما في دكاني! فقالت العجوز لي: يا بنتي قد سمعت ما قاله هذا الشاب، وما يصيبك شيء إذا أخذ منك قبلة، فقلت لها: أما تعرفين أني حالفة؟ فقالت العجوز: دعيه يقبلك وأنت ساكتة ولا عليك شيء.

وإلى حلقة الغد

back to top