روسيا والغرب يواجهان عدواً مشتركاً

نشر في 03-12-2015
آخر تحديث 03-12-2015 | 00:01
 ذي تيليغراف ثمة مسرح باتاكلان آخر يمتد في الصحراء السورية على طول مئات الكيلومترات وصولاً إلى العمق العراقي، يشكل هذا مسرح الخوف الذي يهرع نحو 10 ملايين شخص لمغادرته.

يصل هذا المسرح إلى نيجيريا، وليبيا، وأفغانستان، وأجزاء من شمال إفريقيا، وجنوب آسيا، وتبدو العقيدة التي يُنادى بها على هذا المسرح معقدة وفتاكة بقدر بنادق الكلاشنكوف، أما غريزته فبدائية بقدر خلية سرطانية تنتشر وتدمر كل ما تصادفه، إذ يقطع "هؤلاء المتوحشون الأشرار" رؤوس عمال الإغاثة ويطردون المسنين.

استهدف تنظيم "داعش" روسيا والغرب بالقوة عينها، وبعد أن أسقطت تركيا أخيراً طائرة حربية روسية، يسعى "داعش" إلى دفع كل العالم إلى صراع بسبب هذه الحادثة، ولكن من الضروري ألا يضعف أمر مماثل تصميم ائتلاف متنامٍ مصالحه المشتركة واضحة، ولهذا السبب أدى سلوك تركيا إلى نتائج عكسية، فما كانت تظن أنها قد تحقق بعمل مماثل؟ عليها أن تدرك أن شعبها وروسيا يواجهان عدواً واحداً: داعش.

لا شك أننا لا نستطيع أن نهزم الإسلام الأصولي بالقوة وحدها، فلن تكون الضربات الجوية التي تحدث عنها رئيس الوزراء كافية، وقد أوضح أوباما أخيراً ألا عجب في أن السنّة الغاضبين، الذين يفتقرون إلى التعليم وفرص النجاح في أنحاء كثيرة من العالم، يجدون مبرراً ليتحولوا إلى مقاتلين، فينضمون إلى "العصابة الأشد قسوة راهناً"، وخصوصاً عندما يُخبأ الخداع الذي يُقدَّم لهم وراء قناع ديني، وأصاب أوباما حين أعلن أن من الضروري محاربة هذا الاستياء من خلال التعليم والتنمية وتقديم فرص أفضل.

لكن هذا غير ممكن أو بالأحرى يجب ألا يضعف تصميمنا على تدمير مَن يستغلون في هذه الأثناء هذا الاستياء،

فثمة قوى وأصوات سياسية سنية معتدلة في سورية قادرة على اتخاذ خطوات نحو مستقبل سوري سلمي قابل للحياة. أما في العالم الأوسع فيمكننا أن نتخذ خطوات دبلوماسية وتنموية لهزم عقيدة "داعش"، فضلاً عن سلاحه، بدءاً من المساجد في شرق لندن وصولاً إلى لاهور.

ولكن علينا أولاً العمل، فمع اعتداءات الحادي عشر من سبتمبر تحول تهديد تنظيم "القاعدة" إلى خطر وجودي، وبعيد ذلك شُنت ضده حرب طويلة في أفغانستان، حيث منحته الحكومة الفاسدة أخلاقياً ملجأ آمناً، لكن "داعش" اليوم أكثر تطوراً وقدرة مما كان عليه تنظيم القاعدة آنذاك، وما يفاجئني حقاً أن الجزء الأكبر من الشعوب الغربية بات، خلال السنوات الطويلة منذ ذلك الحين، مقتنعاً بعبثية هذه المهمة، مع أننا لم نشهد بعد ذلك فظائع بالمستوى عينه، ولا شك أن من الخطأ التفكير في أننا نحتاج إلى إخفاق (هجوم مدمر آخر) لنؤكد فاعلية هذه المهمة.

من المؤكد أن العمل في أفغانستان لم يشفِ مشاكل الحكم في هذا البلد، علماً أنها بالغة التعقيد وتعود إلى قرون مضت، ولا شك أننا اقترفنا الأخطاء، إلا أن قادة القاعدة، والمروجين له، وصانعي قراراته طوردوا وقُتلوا، وصار هذا التنظيم ضعيفاً جداً.

نقول اليوم إن "داعش" حل محله، لكن هذا التفكير غير دقيق، وألاحظ غالباً أن كثيرين يخلطون بين العمل في أفغانستان والعراق بدون أي تمييز، ويعتبرون أن كل ما قام به الغرب خلال السنوات الأربع عشرة الماضية جعل العالم مكاناً أكثر خطورة: ما بيدنا حيلة. لا أقبل بذلك، نعم يعود "داعش" في جزء منه إلى سوء التخطيط لما بعد الغزو في العراق، إلا أنه يرتبط أيضاً بالربيع العربي والحرب الأهلية السورية؛ إذاً ليس هذا التنظيم من صنعنا.

مالت الحركات التوتاليتارية في القرن العشرين إلى الارتباط بقوة الدولة، أما اليوم فترتبط عموماً بالإرهابيين الإسلاميين، فثمة جيوش وعقائد جديدة من الضروري هزمها، وكما صعّد تشرشل الخطوات في حين تراجع تشامبرلاين كذلك نحتاج اليوم إلى الشجاعة وقيادة سياسية بغية مواجهة الخطر الأحدث الذي يهدد الحضارة.

قبل سبعين سنة اتحدت روسيا والغرب حين فاقت نقاط التشابه بينهما في وجه شر ما نقاط اختلافهما، وكما يعرف جيداً سكان باريس وتدمر نواجه اليوم خطراً وجودياً، وكما يدرك السير ماكس لا يرحم التاريخ أنصار التهدئة والاسترضاء.

يفغيني ليبيديف Evgeny Lebedev

back to top