فلاح هاشم: الكويت ملاذي... وكنت أظنها معبراً للهروب

نشر في 09-07-2015 | 00:01
آخر تحديث 09-07-2015 | 00:01
• الصوت الأقرب لأطفال الثمانينيات

• تجربة ثقافية غنية بالتجارب العميقة
أتذكرون صوت الراوي الذي كان يقول: «من هو البشع حقاً ومن هو الجميل؟ الزهور لابدَّ من أن تذبل والأيام الجميلة لابد من أن تنتهي، «بشار» يجب أن تدير ظهرك للأمس ويجب أن تواجه الغد بعزم وثقة»، صوت يرافق أطفال العصر الذهبي للثقافة والفنون، صوت ينتشل الأطفال العالقين بأعمار أكبر منهم كثيراً اليوم، صوت كان مرة لعدنان ومرة لكمال ومرة لماوكلي وأكثر الشخصيات الكارتونية المدبلجة، إنه هنا، بوجهه الذي ابتسم لنا عمرا ولم نره!

مبدع لم يتوانَ عن دخول معامل الثقافة جميعاً، المسرحي والكاتب وعازف العود والممثل والمغني...

إنه بذلك كله؛ «الشاعر» العراقي فلاح هاشم، صاحب صوت شجي جداً، وعقلية مفكرة مثقفة، التقته «الجريدة» في حوار تحدث فيه عن تجربته الطويلة في الفن والكتابة، عن فترة وجوده في الكويت، وعن الطفولة التي عاشها ولم يتجاوزها روحاً حتى اليوم.

متى كبر الطفل فلاح هاشم؟

لم يزل في روحي جانبٌ طفوليٌّ واضحُ السلوك... وثمة جوانب أخرى تعدت أعمارَ المعمرين. بسبب الغربة والظروف التي يمر بها وطني. فأنا أحمل في داخلي النقيضين.. لكنني لن أتخلى عن طفولتي أبداً... وأبتكر دائماً طرقاً لحمايتها من الصدأ.

قلت في حوار لك، ضمن حديث عن تعليم الأطفال، مقولة سارتر: «الآخرون هم الجحيم»، ما الذي يفعله الآخرون بالطفولة؟

اذا لم تتوافر بيئة صحية نفسياً للإنسان في سنواته الأولى، فإن ذلك سـيرسم ظلاله المعتمة على عموم السنوات اللاحقة. وحين نقول (الآخرون)  فإننا نقصد العناصر البشرية التي تتعامل مع الطفل. يحصل أحيانا ً أن تنتهك طفولته بطرق متنوعة... من سوء تعامل وقلة احترام إلى ايذاء نفسي وجسدي، يجعل منه شخصاً منطوياً على عقد كثيرة... تتعمق أو تخفّ مع السنوات... حسب الظروف. نعم من الممكن أن يكون الآخرون جحيماً لمولود جديد... ينشأ معوقاً روحياً... على خلاف ما يمكن أن يكون لو كانت الرعاية صحية، وبإدراك تربوي حصيف.

أي الشخصيات التي قدمتها كانت تشبهك؟

(يضحك) مثلت كثيراً من الشخصيات على مدى أكثر من ألف حلقة عبر المسلسلات المدبلجة. لا أقول تشبهني ولكن قريبة الى نفسي... مثل: جان فالجان في {حكايات عالمية}. وأحب طبعاً شخصية عدنان في {عدنان ولينا}... كذلك شخصية كمال في {الرجل الحديد}.

الإنتاج البرامجي المشترك

ما الذي كان متوافراً وخذل الأطفال اليوم كي تعجز المؤسسات عن تقديم {دوبلاج} تربوي من جديد؟

النية. وأقصد بالنية توافر الهدف غير التجاري. كما كان في مؤسسة الإنتاج المشترك، وأن يكون  ثمة داعم، وعناصر عاملة تقدم أعمالاً ذات أهداف تربوية بمضامين إنسانية، تحبب الحياة للأطفال وتربيهم على روح العمل الجماعي والتعاون، وتزرع فيهم بذرة حب الخير والتآخي وعدم التفريق بين انسان وآخر. وغير ذلك... في منظومة قيمية تبني إنساناً سوياً منتجاً وفاعلاً بشكل ايجابي في المجتمع.

اليوم طغت ألعاب الكيمز ومسلسلات الأكشن... التي توتر الطفل وتخلق فيه روحاً عدوانية... وتقلل من اهتماماته المفيدة في الحياة. إضافة الى أن هذه الأعمال لم تعد تُعنى باللغة الأم باعتبارها الحاضنة للفكر والمطلة على جمال الوجود ومفردات الحياة. تتم الدبلجة غالباً بلهجات مغرقة في محليتها. بدليل أن الأطفال الذين نشأوا وهم يشاهدون تلك الأعمال التي قدمتها المؤسسة لغتهم العربية أفضل بما لا يقاس من جيل المسلسلات الحالية. وأنا أستغرب كيف لا يعير التربويون ومؤسسات الدول أهمية بحجم هذه المعضلة.

هل كتبت قصيدة للأطفال؟

كتبت أغاني لا أتذكر عددها من خلال المسلسلات المدبلجة... وكتبت مسرحيات شعرية.. هنا في الكويت مثلاً كتبت مسرحية «أصدقاء» أخرجتها زميلتي الفنانة اسمهان توفيق، كما كتبت لها أيضاً أغنيات مسرحيتي «الحلاق الثرثار ودكوش يغزو وادي القمر»، ومسرحية أخرى هي» آمال»... كذلك كتبت أغاني مسرحية «سندريلا»

 ومسرحية «سندس» للفنانة هدى حسين، إخراج المرحوم منصور المنصور... وكتبت أغاني مسرحية «مدينة الأحلام»... لحنها ناصر الزاير وأخرجها خليفة خليفوه... وهكذا... كذلك  كتبت أغنيات برنامج الأطفال «7 أبواب» الذي فاز بمهرجان برامج الأطفال في الخليج.

حقيقة لا أتذكر كل ما كتبت، خصوصاً في مرحلة وجودي في الكويت... حيث كان العمل ثرّاً ومتواصلاً.

 

11  عاماً في الكويت

حدثنا عن إقامتك في الكويت.

حين جئت الى الكويت في الشهر الأول من عام 1979 لم أكن أنوي البقاء فيها. ظننتها المعبّر الأقرب للهروب من النظام السياسي السابق. وإذا بي أجد ظلاً وارفاً من الود. على مدى أحد عشر عاماً أنجزت أشياء مهمة في حياتي الفنية والأدبية. أنا سعيد بتلك الأيام. احتضنت الكويت صبواتي وأحزان الفقدان الأول، كذلك  شهدت أفراحي وثمار شعري وفني. كل شارع فيها يربطني بذكرى. كنت في رحلة سياحية حين وقعت تلك الأحداث المريعة. ولم أعد... ربما لو لم يحدث ما حدث عام تسعين لبقيت حتى اليوم في الكويت. أحن اليها وإلى أيامها وأصدقائي الرائعين في الوسط الفني خاصة.

 

الكتابة من التاريخ تجربة تناوشها الشكوك والمغالطات والتخوين أحيانا... كيف كنت تدخل تجربة كهذه في المسلسلات الإذاعية والتلفزيونية التي أعددتها؟

هذا موضوع غاية في الحساسية. فتناول التاريخ يعتمد على زاوية الرصد، لأن كتابته تمت أصلاً بتجاذب الأهواء والسياسات. وأغلب الأحداث المسجلة نرى فيها روايات متعددة. لكن مهمة الكاتب الدرامي ليست كتابة التاريخ  بل استلهام تلك الشخصيات والأحداث كخلفية يطل منها على الحاضر، بروح نقدية ورؤية عصرية. هكذا كتبت: {الحسن ابن الهيثم والكندي وابن خلدون وعز الدين القسام} وغيرها من أعمال. فقد قرأت، أشهراً طويلة، حول هذه الشخصيات متتبعاً آثارها الفكرية وما يتوافر من سيرتها، وقرأت حول عصرها والتيارات الفكرية والظروف الاجتماعية والسياسية... وبحثت عن شخصيات عاصرتها من خلال ما يتوافر من فهارس لأضطلع بخلق بيئة للصراع الدرامي. والمهم هو القدرة على البناء التصاعدي بخط درامي مشوّق... وقد استخدمت الشعر أيضاً في طيات هذه الأعمال ملحَّناً ومغنى، ليعبر عن الحدث أو يعمق لحظة أو يختزل زمناً... وهكذا.

تجربة الغربة

ما الذي تحمله من البصرة؟

روحها. فتحت عيني على بساتين النخيل والأنهار... ورأيت القوارب في شط العرب. كما كنا نراقب البواخر وهي تحمل مع البضاعة أخبار الدنيا وما فيها من موضات وبشر.

أنا مدين للبصرة بذائقتي في استقبال الوجود. البصرة في ذاكرتي خضراء... مائية... كل شيء فيها سماح ومحبة وألفة... البصرة هي العالم مصغراً بكل أجناسه وتنوعاته.  

في أنهارها تعلمت السباحة واصطدت السمك... وفي مكتبتها العامة على شط العشار قضيت أجمل أيام عمري. ومنها ارتشفت عشق اللغة وسافرت مع الشعر والفن... وبقيت تتابعني وأتابعها على مبعدة. البصرة مقتلي.

• ما دور أحداث الخليج والهجرة في تغذية تجربتك الشعرية؟

الهجرة من الوطن بشكل قسري... هي قـفـزة في الظلام. وفي الظلام حيث المجهول دائماً يشرق قمر الشعر ليضيء الطريق... وليقي دواخلنا من أن تتورم حد الانفجار. أكثر الآثار الشعرية عمقاً في الشجن الإنساني هي تلك التي كتبها الشعراء في مغترباتهم.

حيث مشاعر الفقدان... وتيارات الحنين العاصف. والإحساس بالخسارة في كل شيء.

نعم... الهجرة أنضجت روحي... ومنحتني زوايا رصد مهمة للحياة. وجعلتني أكثر حساسية مما كنت... وهذا كله روافد للشعرية في الإنسان. أحداث الخليج جعلتني بعيداً عن خياري الأول  الكويت... صرت في قارة أخرى... مجتمع آخر... ثقافة أخرى... لكنني توطنت على كل حال وتكيفت... لأن الحياة تذكرة سفرة لرحلة واحدة بدون مرجّع، ولا بد من أن نجترح مسراتنا ونبني أعشاشنا وإن كان الجو عاصفاً.

back to top