يحكى أن (30-7): الرشيد يستمع إلى {حكاية الصعاليك الثلاثة}

نشر في 24-06-2015 | 00:02
آخر تحديث 24-06-2015 | 00:02
في الليلة السابعة تواصل شهرزاد الحكاية. وتكمل قصة الحمال والبنات الثلاث، فقد شُغل قلب الخليفة هارون الرشيد بما يحدث في بيت البنات الثلاث، وضاق صدره حين صعدت صاحبة البيت على سرير من المرمر مصفح بالذهب والفضة، ورأى البنات يتساقطن مغشياً عليهن من سماع الغناء الحزين، فطلب أن يستمع إلى قصة البنات الثلاث، إلا أن صاحبة البيت قررت أن تأخذ الخليفة ووزيره والحمال والصعاليك الثلاثة لتقتلهم، لكنها طلبت الاستماع إلى حكاية الصعاليك أولاً، قبل أن تنفذ فيهم جميعاً حكم الإعدام.
في هذه الليلة نقرأ قصة الصعلوك الأول الذي كان ابن ملك عظيم جار عليه الزمن وفقد عيناً وحلق لحيته وصار رجلاً فقيراً متسولاً إلى أن جاء إلى بيت البنات الثلاث.
قالت شهرزاد: بلغني أيها الملك السعيد ذو الرأي الرشيد أنه لما سمعت الصبية الغناء قال: طيبك الله ثم شقت ثيابها ووقعت على الأرض مغشياً عليها. فلما انكشف جسدها رأى الخليفة عليه أثر ضرب المقارع والسياط، فتعجب من ذلك غاية العجب، ثم قامت البوابة ورشت وجهها بالماء وأتت إليها بحلة وألبستها إياها، فقال الخليفة لجعفر: أما تنظر إلى هذه المرأة وما عليها من أثر الضرب، فأنا لا أقدر أن أسكت على هذا ولا أستريح إلا أن وقفت على حقيقة خبر هذه الصبية وحقيقة خبر هاتين الكلبتين. 

قال جعفر: يا مولانا لقد شرطوا علينا شرطاً وهو ألا نتكلم في ما لا يعنينا فنسمع ما لا يرضينا. ثم قامت الدلالة فأخذت العود وغمزته بأناملها وأنشدت تقول: 

إن شكونا الهوى فماذا نقول

أو تلفنا شوقا فماذا السبيل؟ 

أو بعثنا رسلا تتجرم عنــــــــــــــــــا

ما يؤدي شكوى المحب رسول! 

لما سمعت المرأة الثانية شعر الدلالة شقت ثيابها كما فعلت الأولى، وصرخت ثم ألقت نفسها على الأرض مغشياً عليها فقامت الدلالة وألبستها حلة ثانية، بعدما رشت وجهها بالماء. ثم قامت المرأة الثالثة وجلست على سرير وقالت للدلالة: غني لي ولا في ديني فما بقي غير هذا الصوت، فأصلحت الدلالة العود وأنشدت: 

كما قد أطلت الهجر لي متعمدا

إن كان قصدك حاسدي فقد اشتفى 

لو أنصف الدهر الخؤون لعاشق

ما كان يوما للعواذل منصفـــــــــــــــا 

لما سمعت المرأة الثالثة ذلك صرخت وشقت ثيابها وألقت نفسها على الأرض مغشياً عليها، فلما انكشف جسدها ظهر فيه أثر ضرب المقارع مثل من قبلها، فقالت الصعاليك: ليتنا ما دخلنا هذه الدار وكنا بتنا على الكيمان، فقد تكدر مبيتنا هنا بشيء يقطع الصلب. التفت الخليفة إليهم وقال لهم: لم ذلك؟ قالوا: شغلنا بهذا الأمر. سأل الخليفة: أما أنتم من هذا البيت؟ قالوا: لا، ولا ظننا هذا الموضع إلا للرجل الذي وجدناه هنا. 

قال الحمال: والله ما رأيت هذا الموضع إلا هذه الليلة وليتني بت على الكيمان ولم أبت فيه، ثم قال الرجال: نحن سبعة رجال، وهن ثلاث نسوة فلنسألهن عن حالهن فإن لم يجبننا طوعاً أجبننا كرهاً، واتفق الجميع على ذلك فقال جعفر: ما هذا برأي سديد، دعوهن فنحن ضيوف عندهن وقد شرطن علينا شرطاً يجب أن نوفي به، ولم يبق من الليل إلا القليل وكل منا يمضي في سبيله. ثم غمز الخليفة وقال: ما بقي غير ساعة، وفي غد نحضرهن بين يديك فنسألهن عن قصتهن. أبى الخليفة وقال: لم يبق لي صبر عن خبرهن. واشتد بينهم الجدل ثم قالوا: من يسألهن؟ فقال بعضهم: الحمال. ثم قالت لهم النساء: يا جماعة في أي شيء تتكلمون؟ فقام الحمال لصاحبة البيت وقال لها: يا سيدتي سألتك بالله وأقسم عليك به أن  تخبرينا عن حال الكلبتين، ولأي سبب تعاقبينهما ثم تعودين فتبكين وتقبلينهما، وأن تخبرينا عن سبب ضرب أختك بالمقارع، وهذا سؤالنا والسلام. 

قالت صاحبة المكان للجماعة: أصحيح ما يقوله عنكم؟ فقال الجميع إلا جعفر: نعم.لما سمعت الصبية كلامهم قالت: والله لقد أذيتمونا يا ضيوفنا، وقد شرطنا عليكم أن من تكلم بما لا يعنيه سمع ما لا يرضيه. أما كفى أننا أدخلناكم منزلنا وأطعمناكم زادنا؟ ولكن لا ذنب لكم وإنما الذنب لمن أوصلكم إلينا، ثم شمرت عن معصمها وضربت الأرض ثلاث ضربات وقالت: عجلوا!

 

الصعاليك الثلاثة

 

وإذا بباب خزانة قد فتح وخرج منه سبعة عبيد وبأيديهم سيوف مسلولة، فقالت لهم: كتفوا هؤلاء الذين كثر كلامهم واربطوا بعضهم ببعض، ففعلوا وقالوا: أيتها المخدرة ائذني لنا في ضرب رقابهم. فقالت: أمهلوهم ساعة حتى أسألهم عن حالهم قبل ضرب رقابهم. فقال الحمال: بالله يا سيدتي لا تقتليني بذنب غيري فإن الجميع أخطأوا ودخلوا في الذنب إلا أنا، والله لقد كانت ليلتنا طيبة لو سلمنا من هؤلاء الصعاليك الذين لو دخلوا مدينة عامرة لتسببوا في خرابها. ثم أنشد يقول: 

ما أحسن الغفران من قادر

لا سيما من غير ذي ناصـر 

بحرمة الود الذي بيننـــــــــا

لا تقتلي الأول بالآخـــــــــــــــــــــر 

لما فرغ الحمال من كلامه ضحكت الصبية بعد غيظها، أقبلت على الجماعة وقالت: أخبروني بخبركم فما بقي من عمركم إلا ساعة، ولولا أنكم أعزاء أو أكابر قومكم أو حكام لعجلت جزاءكم. قال الخليفة: ويلك يا جعفر عرفها بنا وألا تقتلنا. وقال جعفر: هذا بعض ما نستحق. فقال له الخليفة: لا ينبغي الهزل في وقت الجد، كل منهما له وقت. ثم أقبلت الصبية على الصعاليك وسألتهم: هل أنتم أخوة؟ أجابوها: لا والله ما نحن إلا فقراء الحجام. فقالت لواحد منهم: هل أنت ولدت أعور؟ أجابها: لا والله وأنما قد جرى لي أمر عجيب حتى تلفت عيني، ولهذا الأمر حكاية لو كتبت بالإبر على آماق البصر لكانت عبرة لمن اعتبر. سألت الثاني والثالث فقالا لها مثل الأول ثم تابعوا: إن كل واحد منا من بلد، وإن حديثنا عجيب وأمرنا غريب. التفتت الصبية لهم وقالت: كل واحد منكم يحكي حكايته وما سبب مجيئه إلى مكاننا يروح في سبيله فتقدم الحمال وقال: يا سيدتي أنا رجل حمال حملتني هذه الدلالة وأتت بي إلى هنا وجرى لي معكن ما جرى وهذا حديثي والسلام فقالت له: انصرف بسلام. فقال: لا والله ما انصرف حتى أسمع حديث رفقائي. 

وتقدم الصعلوك الأول، وقال لصاحبة الدار:

- يا سيدتي إن سبب حلق لحيتي وتلف عيني أن والدي كان ملكاً، وكان أخوه ملكاً في مدينة أخرى، واتفق أن أمي ولدتني في اليوم الذي ولد فيه ابن عمي. مضت سنون وأعوام وأيام حتى كبرنا، وكنت أزور عمي في بعض السنين وأقعد عنده أشهراً عدة، فزرته مرة فأكرمني ابن عمي غاية الإكرام وذبح لي الأغنام، وروق لي المدام، وجلسنا للشراب يوماً. فلما تحكم الشراب فينا، قال لي ابن عمي: إن لي عندك حاجة مهمة وأريد ألا تخالفني في ما أريد أن أفعله، فقلت له: حباً وكرامة، فاستوثق، مني بالإيمان العظام، ونهض من وقته وساعته وغاب قليلاً ثم عاد وخلفه امرأة مزينة مطيبة وعليها من الحلل ما يساوي مبلغاً عظيماً. 

التفت إلىّ والمرأة خلفه وقال: خذ هذه المرأة واسبقني على الجبانة الفلانية، ووصفها لي فعرفتها، وقال ادخل بها التربة وانتظرني هناك. فلم يمكنني المخالفة ولم أقدر على رد سؤاله لأجل اليمين الذي حلفته. أخذت المرأة وسرت إلى أن دخلت التربة أنا وإياها، فلما استقر بنا الجلوس، جاء ابن عمي ومعه طاسة فيها ماء وكيس فيه جبس وقدوم، ثم أخذ القدوم وجاء إلى قبر في وسط التربة ففكه ونقض أحجاره إلى ناحية التربة ثم حفر بالقدوم في الأرض حتى كشف عن طابق قدر الباب الصغير فبان من تحت الطابق سلم معقود. التفت إلى المرأة بالإشارة وقال لها: دونك وما تختارين. 

 

ابن ملك المدينة

 

نزلت المرأة على ذلك السلم، ثم التفت لي وقال: يا ابن العم تمم المعروف إذا نزلت أنا في ذلك الموضع فرد الطابق ورد عليه التراب كما كان، وهذا تمام المعروف وهذا الجبس الذي في الكيس وهذا الماء الذي في الطاسة أعجن منه الجبس وجبس القبر في دائر الأحجار كما كان أولاً حتى لا يعرفه أحد، لأن لي سنة كاملة وأنا أعمل فيه وما يعلم به إلا الله وهذه حاجتي عندك. ثم قال لي: لا أوحش الله منك يا ابن عمي. ونزل على السلم. لما غاب عن عيني قمت ورددت الطابق وفعلت ما أمرني به حتى صار القبر كما كان، ورجعت إلى قصر عمي، وكان في الصيد والقنص. نمت تلك الليلة، فلما أقبل الصباح تذكرت الليلة الماضية وما جرى فيها بيني وبين ابن عمي وندمت على ما فعلت معه حيث لا ينفع الندم، ثم خرجت إلى المقابر وفتشت عن التربة فلم أعرفها، ولم أزل أفتش حتى أقبل الليل ولم أهتد إليها. رجعت إلى القصر ولم آكل ولم أشرب وقد اشتغل خاطري على ابن عمي وبت ليلتي مغموماً إلى الصباح، فجئت ثانياً إلى الجبانة وأنا أتفكر في ما فعله ابن عمي، وقد فتشت في القبور جميعاً فلم أعرف تلك التربة، ولازمت التفتيش سبعة أيام فلم أعرف له طريقاً فزاد بي الوسواس حتى كدت أجن. فلم يسعني إلا أن أسافر راجعاً إلى مدينة أبي، وما كدت أصل إليها حتى تلقاني على بابها جماعة كتفوني، فتعجبت كل العجب لأني ابن سلطان المدينة وهم خدم أبي وغلماني ولحقني منهم خوف شديد، فقلت في نفسي: يا ترى ما جرى لوالدي؟ وصرت أسأل الذين كتفوني عن سبب ذلك، فلم يردوا على جواباً. ثم بعد حين قال لي بعضهم وكان خادماً عندي: إن أباك قد غدر به الزمان وخانته العساكر وقتله الوزير ونحن نترقب وقوعك.

وأخذوني إلى الوزير وأنا غائب عن الدنيا بسبب هذه الأخبار التي سمعتها، فلما صرت بين يديه – وكانت بيني وبينه عداوة قديمة سببها أني كنت مولعاً بضرب البندق – فاتفق أني كنت واقفاً في أحد الأيام على سطح قصري وإذا بطائر نزل على سطح قصر الوزير، وكان واقفاً هناك فأردت أن أضرب الطير وإذا بالبندقية أخطأت الطير وأصابت عين الوزير فأتلفتها بالقضاء والقدر، ولم يستطع هو حينئذ أن يتكلم لأن والدي كان ملك المدينة، فلما وقفت أمامه وأنا مكتف أمر بضرب عنقي، فقلت: فعلت ذلك خطأ، فقال: إن كنت فعلته خطأ فأنا أفعله بك عمداً، ثم قال: قدموه بين يدي، فقدموني بين يديه فمد أصبعه في عيني اليسرى فأتلفها، فصرت من ذلك الوقت أعوراً كما ترونني. ثم وضعني في صندوق وقال للسياف: تسلم هذا وأشهر حسامك وخذه واذهب به إلى خارج المدينة واقتله ودعه للوحوش تأكله. ذهب بي وأنا مكتوف اليدين مقيد الرجلين، وأراد أن يغطي عيني ويقتلني، فبكيت وأنشدت هذه الأبيات:

جعلتكم درعاً حصيناً لتمنعوا

سهام العدا عني فكنتم نصالها 

وكنت أرجي عند كل ملمة 

تخص يميني أن تكون شمالها 

لما سمع السياف شعري، وكان سياف أبي، ولي عليه الإحسان، قال: ماذا أفعل وأنا عبد مأمور؟ ثم تابع: فز بعمرك ولا تعد إلى هذه الأرض فتهلك وتهلكني معك.

 

 

ولد وأخته

 

لما قال لي ذلك، قبلت يديه وهان علي تلف عيني بنجاتي من القتل. سافرت حتى وصلت إلى مدينة عمي فدخلت عليه وأعلمته بما جرى لوالدي وبما جرى لي من تلف عيني، فبكى بكاء شديداً، وقال: لقد زدتني هما على همي وغماً على غمي، فإن ابن عمك فُقد منذ أيام ولم أعلم بما جرى له ولم يخبرني أحد بخبره، وبكى حتى أغمي عليه. فلما استفاق قال: يا ولدي لقد حزنت على ابن عمك حزنا شديداً وأنت زدتني بما حصل لك ولأبيك غما على غمي، ولكن يا ولدي «بعينك ولا بروحك». ثم إنه لم يمكني السكوت عن ابن عمي الذي هو ولده، فأعلمته بالذي جرى له كله، ففرح عمي بما قلته له فرحاً شديداً عند سماع خبر ابنه وقال: ارني التربة فقلت: والله يا عمي لا أعرف مكانها لأني رجعت بعد ذلك مرات لأفتش عنها فلم أعرف مكانها. 

ثم ذهبت أنا وعمي إلى الجبانة، ونظرت يميناً وشمالاً فعرفتها، وفرحت أنا وعمي فرحاً شديداً، ودخلت أنا وإياه التربة وأزحنا التراب ورفعنا الطابق، ونزلت أنا وعمي مقدار خمسين درجة. لما وصلنا إلى آخر السلم، إذا بدخان طلع علينا فغشى أبصارنا فقال عمي: لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. ثم مشينا وإذا نحن في قاعة ممتلئة دقيقاً وحبوباً ومأكولاً وغير ذلك، ورأينا في وسطها ستارة على سرير فنظر فوجد ابنه هو والمرأة التي قد نزلت معه وقد صارا فحماً أسود كأنهما ألقيا في جب نار. لما نظر عمي ذلك بصق في وجهه وقال: تستحق يا خبيث فهذا عذاب الدنيا، وبقي عذاب الآخرة وهو أشد وأبقى! 

قال الصعلوك للصبية والجماعة والخليفة وجعفر يستمعون الكلام: ثم  ضرب عمي ولده بالنعال وهو راقد كالفحم الأسود، فتعجبت من ضربه وحزنت على ابن عمي حيث صار هو والصبية فحماً أسود. قلت بالله يا عمي خفف الهم عن قلبك، فقد اشتغل خاطري بما جرى لولدك وكيف صار هو والصبية فحماً أسود. أما يكفيك ما هو فيه حتى تضربه بالنعال؟ فقال: يا أبن أخي، إن ولدي هذا كان من صغره مولعاً بحب أخته، وكنت أنهاه عنها وأقول في نفسي إنهما صغيران، فلما كبرا وقع بينهما القبيح وسمعت بذلك ولم أصدق ولكني زجرته زجراً بليغاً، وقلت له احذر من هذه الفعال القبيحة التي لم يفعلها أحد قبلك ولا يفعلها أحد بعدك، وإلا نبقى بين الملوك بالعار إلى الممات، وتشيع أخبارنا مع الركبان، وإياك أن تصدر منك هذه الفعال فإني أسخط عليك وأقتلك، ثم حجبته عنها وحجبتها عنه. 

وكانت الخبيثة تحبه محبة عظيمة وقد تمكن الشيطان منها، فلما رأني حلت بينهما، أنشأ هذا المكان الذي تحت الأرض خفية ونقل فيه المأكول كما تراه، واستغفلني لما خرجت إلى الصيد وأتى هذا المكان، فغضب عليه وعليها الله سبحانه وتعالى، وأحرقهما، وعذاب الآخرة لهما أشد وأبقى. ثم بكى وبكيت معه وقال لي: أنت ولدي عوضاً عنه. ثم إني تفكرت ساعة في الدنيا وحوادثها من قتل الوزير لوالدي وأخذه مكانه وتلف عيني وما جرى لابن عمي فبكيت، ولما رجعنا إلى قصر عمي، سمعنا دق طبول وبوقات، ثم امتلأت الدنيا بالعجاج والغبار من حوافظ الخيل فسأل الملك عن الخبر، فقيل: 

إن وزير أخيك وجميع العسكر والجنود هجموا على المدينة في غفلة وأهل المدينة لم تكن لهم طاقة بهم فسلموا إليه، فقلت في نفسي: لئن وقعت في يده فلا نجاة لي من القتل في هذه المرة. وتراكمت علىّ الأحزان وتذكرت الحوادث التي حدثت لأبي وابن عمي، ولم أعرف كيف العمل.. فإن ظهرت عرفني أهل المدينة وعسكر أبي فيسعون في قتلي وهلاكي، فلم أجد شيئاً أنجو به إلا حلق لحيتي فحلقتها وغيرت ثيابي وخرجت من المدينة، وقصدت هذه المدينة لعلي أجد من يوصلني إلى أمير المؤمنين وخليفة رب العالمين حتى أحكي له قصتي وما جرى لي. وصلت في هذه الليلة فوقفت حائراً ولم أدر أين أمضي وإذا بهذا الصعلوك واقفاً فسلمت عليه وقلت له: أنا غريب، فقال: وأنا غريب أيضاً، فبينما نحن كذلك وإذا برفيقنا هذا الثالث جاءنا وسلَّم علينا وقال: أنا غريب، ثم مشينا وقد أدركنا الظلام، فساقنا القدر إليكم. 

فقالت له الصبية: لك أن تنصرف بسلام، فقال: لا أذهب حتى أسمع خبر غيري، فتعجبوا من حديثه، وقال الخليفة لجعفر: والله ما رأيت مثل الذي جرى لهذا الصعلوك، وأدرك شهرزاد الصباح، فسكتت عن الكلام المباح.

 

وإلى حلقة الغد

back to top