حلّ لغز تقدّم الحيوانات بالسن

نشر في 14-12-2015
آخر تحديث 14-12-2015 | 00:01
لم تتفوّق جانيت كالمنت على القطة كريم باف. هرمت هذه المرأة، التي تُعتبر الأكبر سناً بين البشر على قيد الحياة، وبلغت من العمر 122 سنة. ولا شك في أن هذا ليس سيئاً بالنسبة إلى نوع يبلغ متوسط عمره 71 سنة. لكن كريم باف، وهي قطة من تكساس يُقال إنها كانت تتناول البروكولي والكريما الكثيفة، تخطّت ضعف متوسط العمر المتوقع لنوعها. يشير بعض التقارير إلى أنها عاشت 38 سنة. ولا يقل بلوي، وهو كلب ماشية أسترالي، عنهما أهمية. ففي سن التاسعة والعشرين، أصبح الكلب الأكبر سناً، وفق السجلات، متخطياً بذلك ضعف سن الكلب العادي.

طوال سنوات، حاول العلماء فهم أمد حياة الإنسان. ما الذي يحدده؟ وماذا يمكننا فعله لإبطاء الساعة؟ لكنهم بدأوا اليوم يطرحون الأسئلة عينها عن حيواناتنا الأليفة. وكما في حالة البشر، صعب عليهم التوصل إلى أجوبة واضحة. ولكن يظهر اليوم بعض الفرضيات المحيّرة: أفكار قد توضح شتى المسائل، من {لمَ تعيش الكلاب الصغيرة حياة أطول، مقارنة بالكبيرة؟}، إلى {لمَ تعيش القطط حياة أطول من الكلاب؟}.

لا شك في أن اكتشاف كيفية تقدّم الحيوانات في السن يشكّل {معضلة مذهلة}، حسبما يشير دانيال بروميسلو، عالم وراثة تطوري في جامعة واشنطن بسياتل وأحد المشرفين على مشروع تقدّم الكلاب في السن، الذي يهدف إلى إطالة أمد حياة الكلاب. يضيف: {تشمل هذه المسألة السلوك، التكاثر، البيئة، والتطوّر. إن توصلنا إلى فهم أفضل السبل إلى تحسين نوعية الحياة وإطالتها، فسيعود ذلك بالفائدة على حيواناتنا الأليفة وعلينا. إذا، سيكون الجميع فائزين}.

يتأمّل العلماء في ألغاز التقدّم في السن منذ أكثر من ألفي سنة. كتب أرسطو سنة 350 قبل الميلاد: {من الضروري التحقّق من الأسباب التي تجعل حيوانات تعيش طويلاً وأخرى تموت باكراً. أي بكلمات أخرى، أسباب طول الحياة وقصرها}. اعتقد الفيلسوف اليوناني أن الجواب يرتبط بالرطوبة: اعتبر أن الفيلة تعيش أكثر من الفئران لأن أجسامها تحتوي على كمية أكبر من السوائل وتحتاج بالتالي إلى وقت أطول لتجف. صحيح أن نظريته لم تلقَ رواجاً، إلا أن ملاحظة أرسطو عن أن الحيوانات الأكبر حجماً تعيش فترة أطول حظيت باهتمام كبير، حتى إنها أصبحت اليوم الميل الوحيد الذي يتفق حوله العلماء.

يوضح ستيفن أوستاد، عالم متخصص في علم الشيخوخة الحيوي في جامعة ألاباما في بيرمينغهام: {تهاوت الفرضيات الأخرى كلها}. وإحدى الأفكار الأكثر شيوعاً خلال المئة سنة الماضية أن الحيوانات التي تتمتّع بمعدل أيضي أعلى تعيش فترة أقصر لأنها تدير ساعة جسمها بسرعة أكبر. لكن أوستاد يؤكد {أنها أخفقت}. على سبيل المثال، يستطيع قلب الببغاء أن ينبض 600 مرة في الدقيقة، إلا أن عمره يفوق بعقود متوسط عمر حيوانات أخرى يدق قلبها بوتيرة أبطأ بكثير. بالإضافة إلى ذلك، تفتقر فرضيات أخرى، مثل أن الحيوانات التي لا تعيش طويلاً تنتج كمية أكبر من الجذور الحرة المضرة بالأنسجة أو تملك خلايا تتوقف عن الانقسام باكراً، إلى أدلة قوية. لذلك يؤكد أوستاد أن {كثيراً من القصص البسيطة اختفى}.

لا شك في أن أوستاد يملك معلومات وافرة عن الحيوانات، فهو عمل مدرب أسود في مطلع سبعينيات القرن الماضي، إلى أن مزّقت إحدى هذه القطط الكبيرة ساقه، فأقنعته إصابته بدراسة الحيوانات بدل ترويضها. بحلول منتصف الثمانينيات، كان يراقب سلوك حيوان الأبسوم في فنزويلا، متابعاً دراساته ما بعد الدكتوراه. وهناك بدأ يلاحظ السرعة التي تشيخ بها الجرابيات. يقول: {تنتقل بسرعة من وضع صحي ممتاز إلى معاناة {الزرق}، وتتدهور عضلاتها في غضون ثلاثة أشهر. كذلك لاحظ أوستاد أمراً أكثر غرابة بعد: يبدو أن حيوانات الأبسوم على جزيرة قريبة خالية من الحيوانات المفترسة تشيخ بوتيرة أبطأ وتعيش حياة أطول، مقارنة بنظيراتها على البر الرئيس.

تساهم هذه الملاحظة في توضيح اعتماد فكرة أرسطو. يذكر أوستاد أن الحيوانات الأكبر حجماً تعيش أطول لأنها لا تواجه مخاطر كثيرة. ويضيف موضحاً أن هذه المسألة لا تقتصر على البقاء، بل تشكّل نتاج ملايين السنين من الضغوط التطورية. تستطيع الحيتان والفيلة مثلاً أخذ الوقت الكافي في النمو لأن لا أحد سيهاجمها، وفق أوستاد. أي أنها تستطيع استثمار موارد كثيرة في بناء أجسام قوية تسمح لها بالحمل والإنجاب مرات عدة. في المقابل، تعيش الفئران والحيوانات الصغيرة الأخرى التي تواجه الكثير من الأعداء حياتها بسرعة: عليها أن تكرّث طاقتها للنمو والتكاثر بسرعة، لا لتطوير جهاز مناعة متين.

يقول أوستاد: {لا تضع جوهرة بقيمة ألف دولار في ساعة ثمنها خمسة دولارات}.

ولكن عندما نتأمّل في حالة حيواناتنا الأليفة، لا تعود نظرية {الأقوى والأفضل} قائمة. تعيش القطط نحو 15 سنة، مقارنةً بنحو 12 سنة للكلاب، مع أن الأخيرة تكون أكبر عموماً، فضلاً عن أن أمد حياة الكلاب الصغيرة يبلغ عموماً ضعف نظيراتها الأكبر حجماً. لكن درس أوستاد عن الأبسوم قد يُطبق في هذه الحالة أيضاً. كانت الذئاب الرمادية، أسلاف الكلاب، تعيش 11 إلى 12 سنة كحد أقصى في البرية، في حين أن القطط البرية قد تعيش 16 سنة. يشير هذا إلى أن كلا النوعين واجه ضغوطاً تطورية مختلفة، وفق أوستاد. تُعتبر الذئاب حيوانات اجتماعية أكثر من القطط، ما يزيد بالتالي احتمال انتشار الأمراض المعدية بينها. لكن القطط البرية في المقابل تعيش وحدها، ما يحدّ من انتشار الأمراض، فضلاً عن أنها أكثر مهارة في مواجهة الحيوانات المفترسة. يقول أوستاد: {تتمتّع القطط بأسلحة قوية، فهي أقرب إلى حيوان النيص}، علماً أن الأخير أيضاً ينعم بأمد حياة طويل مقارنة بحجمه (أكثر من 20 سنة). ثمة حيوانان آخران صغيران بارعان في تفادي المخاطر: فأر الخلد العاري والخفاش. قد يصل عمر الأول إلى 30 سنة، والثاني إلى 40 سنة. يمضي فأر الخلد معظم وقته تحت الأرض، في حين أن الخفاش يستطيع بكل بساطة الطيران. أما الفئران، فتعيش بضع سنوات، ما لم تؤكل قبل ذلك.

أما في ما يتعلّق بعيش الكلاب الصغيرة حياة أطول من نظيراتها الكبيرة، فيزداد الوضع تعقيداً. يحالف الحظ الكلاب الكبيرة، مثل ولف هاوند الأيرلندي الذي يصل وزنه إلى 70 غراماً، إن عاشت سبع سنوات، في حين أن الكلاب الصغيرة، مثل كلب بابيون الذي يبلغ وزنة أربعة كيلوغرامات، تستطيع العيش فترة أطول بكثير تصل إلى 10 سنوات. وبما أن غالبية أصناف الكلاب لا يتخطى عمرها بضع مئات من السنين، فلا يمكن أخذ الضغط التطوري في الاعتبار. بدلاً من ذلك، تؤدي هرمونات، مثل عامل النمو1- الشبيه بالإنسولين الذي يجعل الكلاب تزداد حجماً، دوراً مهماً. وربط الباحثون هذا البروتين بقصر عمر عدد من الأنواع، مع أن الآلية وراء هذا الأمر غير واضحة. كذلك تميل الكلاب الكبيرة إلى النمو بسرعة أكبر، حسبما يشير بروميسلو من مشروع تقدم الكلاب في السن، ما قد يؤدي إلى بناء أجسام {غير متقنة} تكون أكثر عرضة للمضاعفات والأمراض. لذلك تبدو الكلاب الكبيرة أكثر ميلاً إلى الإصابة بمشاكل صحية، مقارنة بالكلاب الصغيرة. على سبيل المثال، تعاني كلاب الراعي الألمانية انخلاع الورك وتُصاب كلاب الهاسكي السيبيرية بأمراض ذاتية المناعة، مع أن هذه الأمراض قد تكون ناتجة من التزاوج بين الأصناف.

القطط والكلاب

رغم هذه الاختلافات كلها بين القطط والكلاب، تعيش الحيوانات الأليفة من النوعين اليوم حياة أطول من أي وقت مضى. تضاعف أمد حياة الكلب خلال العقود الأربعة الماضية، في حين تعيش القطط المنزلية أكثر من نظيراتها البرية بنحو الضعف. ويمكن أرجاع ذلك إلى الرعاية الصحية الأفضل وتحسن الغذاء. على سبيل المثال، ينفق الأميركيون نحو 60 مليار دولار على حيواناتهم الأليفة سنوياً، علماً أن أكبر جزء منها يُخصص لرعاية شبيهة بما يحظى به الإنسان (فحوص دورية وجراحات القلب المفتوح)، فضلاً عن الغذاء العالي الجودة. يذكر جوا بيدرو دي ماغاليس، باحث متخصص في علم الشيخوخة الحيوي في جامعة ليفربول في المملكة المتحدة يعمل على AnAge (أكبر قاعدة بيانات عن أمد حياة الحيوانات): {يمكننا القول إن ما يسمح لنا بالعيش حياة أطول هو عينه ما يطيل حياة حيواناتنا الأليفة. لكن هذا الميل قد لا يستمر: يعاني نحو نصف الحيوانات الأليفة في الولايات المتحدة الوزن الزائد والسمنة، فضلاً عن أنها تتعرّض للملوثات ومسببات السرطان مثلنا تماماً. لا شك في أن هذا كله يضع القطط والكلاب في موقع فريد يتيح لنا حل معضلة شيخوختنا. فنحن نملك سجلات طبية عنهما تفوق ما أعددناه عن أي حيوان آخر، ونكتسب معلومات إضافية عن تركيبتهما الطبية والوراثية يومياً. ربما تحمل الحيوانات الأليفة سر إبطاء ساعة أجسامنا كلنا، أو حتى وقفها. يقول ماغاليس: {لا أعتقد بوجود أمد حياة أقصى محدد لأي نوع. لذلك ينشأ السؤال: كم نستطيع أن نطيل عمرنا؟ ربما يستطيع الكلب بعد ألف سنة من اليوم العيش نحو 300 سنة}.

لا شك في أن هذا خبر جيد، وخصوصاً إن ازداد أمد حياتنا نحن أيضاً بشكل كبير. فمن يريد العيش إلى الأبد إن كان لا يستطيع متابعة حياته مع أعز أصدقائه؟

back to top