بكر وبدر... ومحاضرتي الأولى!

نشر في 31-10-2015
آخر تحديث 31-10-2015 | 00:10
 د.نجم عبدالكريم أطلقت صديقتي الإعلامية السعودية، دنيا بكر يونس، على توأميها اسمَي بكر وبدر.

لنبدأ الحكاية من أولها:

كنت أصحو في السابعة صباحاً مهرولاً من فريج البلوش حتى ساحة الصفاة، حيث مكان اللوريات التي تحمل العمال إلى ثانوية الشويخ، عندما كانت في طور البناء، وكنت أعمل مساعد بنّاء، رغم صغر سني، وكان ذلك في أوائل الخمسينيات!

أثناء استراحة تناول الطعام كان هناك رجلان يصادف جلوسي لتناول الخبز والبصل بالقرب منهما في الغرفة التي لها سقف تحاشياً للشمس! فكانا يتفضلان عليَّ بشيء من الفلافل، والطماطم، وكانا يتحدثان بألم... كيف لمن هو في مثل سني أن يقوم بهذا العمل الشاق؟!

ولم أعرف عنهما غير أن بكر سعودي عاش فترة في العراق واقترن بسيدة عراقية، أما بدر فليست عندي عنه أية معلومات غير أنه إنسان كثير السهو، وحالم!

* * *

ومضت السنين، وطالب عبدالكريم قاسم بالكويت! وكنت حينئذ أقدم برامج سياسية في الإذاعة.

وقد أرسلت المملكة العربية السعودية ثلاثة من كبار الإعلاميين فيها تضامناً مع الكويت وهم: عزيز ضياء رئيس تحرير جريدة عكاظ، وعباس غزاوي وهو إعلامي إذاعي شهير وكاتب، وبكر يونس المذيع الخاص للملك سعود.

وتقرر أن يرافقهم كل من حمد المؤمن، ونجم عبدالكريم.

وكنت أتفرس ملياً في وجه بكر يونس الذي غبت عنه سنوات طويلة حتى كدت أنساه! لكن الرجل فاجأني: كيف حال صديقي وزميلي نجم عبدالكريم؟ وبين الشك واليقين، إنه الشخص الراسخ في تجاويف ذاكرتي، فما كان مني إلا أن قمت بمعانقته أمام دهشة الزملاء، الذين أدركوا السبب بعد أن شرحناه لهم:

واستمرت علاقتي به وبعائلته الى أن توفاه الله، لكن كريمته الكبرى دنيا أحيت ذكرى والدها وصديقه بدر بإطلاق اسم توأميها عليهما!

وكان لابد لي أن أسأل بكر عن بدر، فقال لي بدهشة: أحقاً لا تعرف من هو بدر؟!

أجبت بالنفي.

فقال: كيف هذا؟! وهو من يملأ الثقافة العربية بمعطياته الإبداعية وتجديده للقصيدة العربية.

قلت: لا تقل لي بدر شاكر السياب.

قال: بلى. هو بعينه!

* * *

ولم تنتهِ الحكاية عند هذا الحد!

فعندما انتُدبت إلى الجامعة للتحضير لقسم الإعلام، والتدريس، بعد أن عدت من أميركا حاملاً درجة الدكتوراه، اصطحبني عميد كلية الآداب المرحوم خلدون النقيب لتقديمي الى الطلاب، كما جرت العادة،  لتقديم الدكتور في محاضرته الأولى!

ولما خرج الدكتور خلدون، حاولت بكل قواي أن أتحدث إلى الطلبة، فلم أتمكن!

بل وضحت عليَّ معالم الحزن المبكي!

سألتني طالبة:

- عسى ما شر دكتور نجم؟!

فكان لابد لي من تقديم مذكرة تفسيرية عن هذه "الغرفة" التي كنت أحمل الطابوق على ظهري لبنائها!

وأقف الآن محاضراً بين جنباتها.

فنظرت إلى الطلبة فوجدت بعضهم قد اغرورقت عيناه بالدمع.

back to top