مثقفو مصر ينعون إدوار الخراط: لم يسقط في غواية محفوظ وصنع دربه
غيب الموت الأديب والناقد المصري إدوار الخراط عن عمر يناهز 89عاما بعد صراع مع المرض. كان الفقيد قد عانى متاعب صحية شديدة وتم نقله إلى العناية المركزة في مستشفى الأنجلو بالقاهرة، وكان يعاني شعور الوحدة وعاش سنواته الأخيرة في شبه عزلة لا مراعاة من الدولة ولا اتصال من تلامذته.
ولد الأديب والناقد المصري إدوار الخراط بمدينة الإسكندرية في 16 مارس عام 1926 في عائلة قبطية أصلها من الصعيد، حصل على ليسانس الحقوق من جامعة الإسكندرية عام 1946م، عمل في مخازن البحرية البريطانية في الكبارى بالإسكندرية، ثم موظفا في البنك الأهلي بالإسكندرية، عمل بعدها موظفا بشركة التأمين الأهلية المصرية عام 1955م، ثم مترجما بالسفارة الرومانية بالقاهرة، شارك إدوار الخراط في الحركة الوطنية الثورية في الإسكندرية عام 1946 واعتقل في 15 مايو 1948م في معتقلي أبو قير والطور، عمل في منظمة تضامن الشعوب الإفريقية والآسيوية في منظمة الكتاب الإفريقيين والآسيويين من 1959 إلى 1983م، تفرغ بعد ذلك للكتابة في القصة القصيرة والنقد الأدبي والترجمة، فاز بجائزة الدولة لمجموعة قصصه (ساعات الكبرياء) في 1972م.كتب عنه الناقد الأدبي أحمد إبراهيم الشريف أن الخراط مثّل تيارا رفض الواقعية الاجتماعية كما جسّدها نجيب محفوظ في الخمسينيات مثلا ولا يرى من الحقيقة إلا حقيقة الذات ويرجّح الرؤية الداخلية، وهو أول من نظّر لـ«الحساسية الجديدة» في مصر بعد 1967م، اعتبرت أول مجموعة قصصية له (الحيطان العالية) 1959 منعطفاً حاسماً في القصة العربية إذ ابتعد عن الواقعية السائدة آنذاك وركّز اهتمامه على وصف خفايا الأرواح المعرَّضة للخيبة واليأس، ثم أكدت مجموعته الثانية (ساعات الكبرياء) هذه النزعة برسم شخوص تتخبط في عالم كله ظلم واضطهاد وفساد، أما روايته الأولى (رامة والتِنِّين) 1980 فشكّلت حدثاً أدبياً من الطراز الأول، تبدو على شكل حوار بين رجل وامرأة تختلط فيها عناصر أسطورية ورمزية فرعونية ويونانية وإسلامية، ثم أعاد الخراط الكرة بـ(الزمان الآخر) 1985 وبعدد من القصص والروايات (وإن صعب تصنيف هذه النصوص) متحررة من الاعتبارات الإيديولوجية التي كانت سائدة من قبل، «كل السابقين عليه اهتموا بماذا يقال، لكن الخراط وحده اهتم بكيف يقال» هكذا يرى تلامذة إدوار الخراط والذين هم كتاب كبار الآن دوره الذي فعله فيهم، وتقديمه لهم وتشجيعه لأعمالهم ليرسخ لجيل السبعينيات وما حدث بعد ذلك من تعدد للأساليب الكتابية.
تيار الحداثةوقال القاص سعيد الكفراوي، إن إدوار الخراط أحد المؤسسين لتيار الحداثة في الكتابة العربية وظل طوال عمره يمثل وثبة مضادة لتأكيد قيم الكتابة الجديدة وتبنى إدوار الخراط الكثير من المبدعين بتقديمهم والكتابة عنهم، وأوضح الكفراوي، أن إدوار أبدع في كتابة الرواية وله ما يزيد على 15 عملا إبداعيا، وكتب القصة القصيرة وقصيدة الشعر، وروايته رامة والتنين، مثالا ومعياراً لكتابة تفتح الطريق أمام الحداثة، كما ترجم إدوار الخراط العديد من الكتب الأجنبية، ومارس النقد الأدبي، وكان وراء حركات الأدب الجديدة، مثل الكتابة عبر النوعية، والقصة القصيدة، وغيرها، وأضاف الكفراوي في تصريحات صحافية أن المأساة أن تغض الطرف عنه عيون كل المسؤولين والأصدقاء فيبدو الرجل في شبه عزلة، وكأنه لم يكن في صحته وتجلياته نافخاً النار في الثقافة المصرية.للراحل العديد من الكتابات التي تحمل فلسفته الإبداعية ومنها «أن تعيش في زمن نجيب محفوظ وتصيبك حرفة الأدب فذلك أمر جلل، فإما أن تسقط في غواية عميد الرواية، وإما أن تسلك طريقا آخر يصل بك للمعرفة من سبل جديدة، لا أؤمن بالفكرة التي تقول بأن هناك شيئا يجب فعله أو أشياء لا يجب فعلها.. في الفن المعايير مختلفة.. ويجب ترك المسألة لحرية الفنان أو الأديب أو الكاتب.. حتى يستطيع أن يبدع ما يتفق مع ميوله الشخصية ومع احتياجات المجتمع.. فالمطلوب من الفنان والمبدع أن يكون سابقا بخطوة على السائد والمألوف أو الموجود.. وإلا فلن تكون لإبداعاته أية قيمة، قيمة الفنان تكمن في أن يكون في الطليعة باستمرار.. أن يكون مبشرا بشيء أكثر تطورا».