تركيا بين مساعدة التركمان والاعتماد الاقتصادي على روسيا

نشر في 30-11-2015
آخر تحديث 30-11-2015 | 00:01
عبّرت تركيا مراراً عن قلقها من الاعتداءات التي تستهدف التركمان الأقلية السنية التي تعارض نظام الرئيس السوري بشار الأسد والمتركزة في محافظة اللاذقية في غرب سورية على الحدود مع تركيا، وعقب تدخل روسيا عسكريا الشهر الماضي في تلك المنطقة استدعت السفير الروسي في نهاية الأسبوع لتحتج على القصف «المكثف» الذي يستهدف قراهم.
 الغارديان تلا إسقاط القوات التركية طائرة حربية روسية من نوع Su-24 تنامي التوتر بين البلدين بسب استمرار حملة القصف الروسية على قرى التركمان في شمال غرب سورية القريبة من الحدود التركية.

تسم هذه الحادثة أيضاً أول صدام مباشر بين إحدى الدول الأعضاء في حلف شمال الأطلسي والقوات الروسية المسلحة منذ أن بدأ بوتين تدخله العسكري الأحادي في سورية الشهر الماضي. كان الحلف قد حذر روسيا من انتهاكات سابقة للحدود، واتخذت الولايات المتحدة خطوات تنسيق مسبق بغية الحد من مخاطر وقوع صدامات عرضية.

لكن حلف شمال الأطلسي والائتلاف الذي تقوده الولايات المتحدة يجدان اليوم نفسيهما في سورية والعراق في مواجهة هذا النوع عينه من الصراعات مع موسكو غير المخطط له وإنما المتفجر، رغم أنهما سعيا بدأب لتفاديها، إذ عبّرت تركيا مراراً عن قلقها من الاعتداءات التي تستهدف التركمان (أقلية سنية يعتبر أتراك كثر أن صلة قرابة تجمعهم بها). فعلى غرار أنقرة، يعارض التركمان نظام الرئيس السوري بشار الأسد. احتدم القتال في محافظة اللاذقية في غرب سورية على الحدود مع تركيا عقب تدخل روسيا عسكريا الشهر الماضي، ويؤكد مقاتلو التركمان أن الطائرات الحربية الروسية تدعم هجوماً تشنه قوات الحكومة السورية، وحزب الله، والوحدات الإيرانية الشيعية.

استدعت تركيا السفير الروسي في نهاية الأسبوع لتحتج على القصف "المكثف" الذي يستهدف هذه القرى، وأعلن أحمد داود أوغلو، رئيس الوزراء التركي، أن أنقرة تطالب بوقف فوري للعملية العسكرية الروسية على طول الحدود. أما وزير الخارجية التركي، فقال: "نشدد على أن خطوات الجانب الروسي ليست قتالاً ضد الإرهاب. على العكس، يقصفون قرى التركمان المدنية، وسيؤدي هذا إلى عواقب خطيرة".

وأضاف الوزير أن قرى التركمان تتعرض أيضاً لقصف مركز من الطائرات الروسية في منطقة باير بوجاق في شمال غرب سورية على مقربة من معبر أوردو الحدودي في محافظة هاتاي في تركيا.

على غرار الولايات المتحدة وبريطانيا، تشير تركيا إلى أن القوات الروسية تستهدف في المقام الأول عدداً من مجموعات الثوار المناهضين للأسد داخل سورية، بدل أن تركز نيرانها على قوات "داعش"؛ كذلك تعتبر تركيا المناطق الشمالية الغربية من سورية الخاضعة لسيطرة التركمان وسيلة صد مهمة تحول دون توسع رقعة سيطرة ميليشيات الأقلية الكردية في سورية، التي تعتبرها تركيا مجموعات إرهابية مرتبطة بحزب العمال الكردستاني. عبّر رجب طيب أردوغان، الرئيس التركي، عن غضبه تجاه ما اعتبرته أنقرة انتهاكاً روسيا للأجواء التركية في شهر أكتوبر، فقد أسقطت القوات التركية أخيراً طائرة من دون طيار مجهولة المصدر على طول الحدود، وبحض من تركيا، دان حلف شمال الأطلسي انتهاكات روسيا لمجال تركيا الجوي ووصفها بغير المقبولة.

أفادت التقارير الإعلامية التركية أن التركمان من خمسين قرية أُرغموا أخيراً على الهرب من منطقة غمام في محافظة اللاذقية، كذلك وردت تقارير عن هرب اللاجئين التركمان من محافظة هاتاي السورية نحو تركيا، ونتيجة لذلك طالب عمر عبدالله، قائد لواء السلطان عبدالحميد التركماني، أنقرة بالتدخل لوقف هذا الهجوم الذي بدأ قبل نحو شهر، وفق وكالة جيهان للأنباء.

ذكر عبدالله: "نحاول الاستمرار في وجه وحشية لا تُحتمل ونحتاج إلى مساعدة تركيا. يموت إخوتنا التركمان كل يوم. نتوقع من الحكومة أن تدعمنا. فلمَ تركونا وحدنا؟". وأضاف عبدالله أن قواته تتعرض لهجوم من الجيش السوري، وحزب الله، والقوات الإيرانية. وتابع موضحاً: "لا أفهم لمَ يبقى إخواننا المسلمون صامتين. نحتاج إلى كل أنواع الدعم، فمن المستحيل الاستمرار في ظل هذا القصف المكثف".

اتُّهم جهاز الاستخبارات الوطني التركي MIT بالتورط في تهريب شحنات أسلحة سرية إلى قوات التركمان في مطلع هذه السنة، فقد نشرت صحيفة "جمهوريت" تقريراً عن تهريب السلاح في 29 مايو تضمن صوراً لأسلحة محملة على شاحنة يُفترض أنها تابعة لجهاز الاستخبارات هذا.

 كذلك أخبر محمد سندير، نائب الحركة الوطنية السابق، صحيفة "زمان" أخيراً أن التركمان يواجهون التطهير الإثني في شمال سورية، وأضاف: "على تركيا أن تساعد التركمان، فالمساعدة التي يتلقاها التركمان ليست كافية". لا شك أن تدخل روسيا دعماً للنظام في دمشق أغضب إردوغان، الذي تعهد بإسقاط الأسد، بعد أن جوبهت جهود الوساطة التركية في مطلع الحرب الأهلية عام 2011 بالرفض في دمشق. وعلى غرار الولايات المتحدة، تخشى تركيا أن يزيد تدخل روسيا الوضع المتأزم تعقيداً، ويطيل الحرب، ويضاعف أزمة اللاجئين على طول الحدود التركية، التي عبرها أكثر من مليوني سوري هرباً.

قيل إن إردوغان مستاء خصوصاً من أن روسيا لم تستشره بشأن نواياها خلال زيارته موسكو في شهر سبتمبر، حين التقى بوتين، ولا بد من الإشارة في هذا الصدد إلى أن لتركيا تاريخاً طويلاً مليئاً بالتوتر مع روسيا بسبب خلافات لم تُحل، مثل دعم روسيا ناغورني كاراباخ، إقليمي أرمني انفصالي في أذربيجان.

بالإضافة إلى ذلك، وقعت حرب بين تركيا العثمانية وروسيا القيصرية بين عامي 1877 و1878، فضلاً عن أن ستالين ادعى لفترة وجيزة ملكية أجزاء في شرق تركيا نحو نهاية الحرب العالمية الثانية، لكن الروابط بين هاتين الدولتين تحسنت في الفترة الأخيرة مع سلسلة من الصفقات في مجالَي الطاقة والتجارة، وتُعتبر روسيا اليوم ثاني أكبر شريك تجاري لتركيا، فضلاً عن أن 60% من غازها الطبيعي يأتي من روسيا.

يشكل الاعتماد الاقتصادي أحد الأسباب القوية، من أسباب أخرى، التي تجعل إردوغان يرغب في تفادي تفاقم حادثة الحدود الأخيرة وتحولها إلى مواجهة أوسع، مع أن هذا قد لا يكون ضمن نطاق سيطرته بالكامل.

* سيمون تيزدال

back to top