أخيراً لقاح الإيبولا الحلم!

نشر في 11-08-2015
آخر تحديث 11-08-2015 | 00:01
طوال أكثر من سنة ونصف السنة، عانت ثلاثة من أفقر دول العالم وباء الإيبولا الأكثر شراسة في تاريخ البشرية. لكن احتواء هذه الموجة من المرض شكلت تحدياً كبيراً لغينيا، وليبيريا، وسيراليون في شتى الظروف. وكان حجم هذه المهمة أكبر بكثير بسبب غياب أكثر الدفاعات فاعلية: لقاح. الوضع قد يتبدل قريباً. أميل عادة إلى تفادي المبالغة عند وصف نتائج مؤقتة في التجارب الطبية. ولكن من الصعب التحدث عن تقرير لقاح الإيبولا، الذي لا يزال قيد الاختبار في لانست، من دون وصفه بالمذهل. تلقى أكثر من 7600 شخص في غينيا هذا اللقاح المعروف باسم rVSV-ZEBOV في تجربة استهدفت أناساً من مجتمعات تضم حالات من الإيبولا. فلم يلتقط أي ممن أخذوا في الحال هذا اللقاح حتى اليوم الفيروس. ويعني  ذلك أن فاعلية اللقاح تبلغ 100%. ولم يتبين أن هذا اللقاح فاعل فحسب، بل يمكن تحمل بسهولة تأثيرات جانبية قليلة. ولا شك في أن هذا نادر بالنسبة إلى لقاح مماثل يحتوي على فيروس حي. ومن الضروري أن نعرب عن امتناننا لذلك.

إجراءات التصدي

من الغريب والمذهل أن يتحلى لقاح بفاعلية مماثلة بهذه السرعة أيضاً. على سبيل المقارنة، أظهرت منذ فترة ليست ببعيدة تجارب على لقاحات جديدة للملاريا وحمى الضنك مدى صعوبة تطوير أمر مماثل. صحيح أن هذه اللقاحات بدت واعدة، إلا أن فاعليتها ظلت محدودة.

تعني نتائج الإيبولا هذه أننا نستطيع على الأرجح التصدي لموجات هذا المرض مجدداً في المستقبل. تقضي الإجراءات المتبعة عادة تلقيح حلقة من الناس حول الحالات المعروفة. وبهذه الطريقة ننجح في تفادي انتشار العدوى. ومن المؤكد أن هذه الإستراتيجية ستؤدي اليوم دوراً مهماً في إيصال الوباء الحالي إلى خاتمته في وقت أقصر مما اعتقدنا أنه ممكن.

ما كنت أتجرأ على التفكير في نهاية مماثلة قبل سنة، عندما بدأت مؤسسة Wellcome Trust دعمها لهذا البحث. ساد في تلك المرحلة الشك حول توافر الإرادة الضرورية لاختبار هذا اللقاح أساساً. ولكن بفضل شراكة عالمية من الباحثين، الحكومات، المنظمات غير الحكومية، الشركات، والممولين، تحقق إنجاز لطالما اعتبره كثيرون {بالغ الصعوبة}: إجراء تجربة وسط تفشي وبأ.

تضرب الأوبئة بسرعة، في حين تستغرق دراسات اللقاحات سنوات، خصوصاً بسبب السلامة والمسائل الأخلاقية المرتبطة بتحصين الناس. فالقواعد التنظيمية المبنية لحماية الناس في الظروف العادية لا تتلاءم مع السرعة التي يجب أن يتقدم بها البحث للتصدي لانتشار المرض. ولكن عندما يعمل الباحثون على أوبئة مثل الإيبولا، ما من طريقة أخرى لاختبار فاعلية اللقاحات. فمن الضروري اختبارها أثناء تفشي الوباء. وكما أشرت أنا وكثيرون قبل سنة، يجب التوصل إلى طريقة مهما كانت العوائق كبيرة.

كان الحل ابتكار تصميم عملي للتجارب.

تُعتبر التجارب التقليدية مع إعطاء بعض المشاركين علاجاً وهمياً في هذه الحالة مثيرة للجدل وغير مقبولة سياسياً، نظراً إلى مدى فتك الإيبولا وغياب الخيارات الأخرى للوقاية والعلاج. لذلك من المنافي للأخلاق استبدال لقاح قد يكون منقذاً للحياة بمادة لا تأثير لها في ظل ظروف مماثلة. رغم ذلك، ما زلنا بحاجة إلى وسيلة للمقارنة. نتيجة لذلك، لُقّح نصف المشاركين المتطوعين في الحال، في حين لُقح النصف الثاني بعد ثلاثة أسابيع.  فلم يلتقط أي ممن لقحوا في الحال المرض، مقارنة بـ16 من أكثر من ألفي مشارك لقحوا في مرحلة متأخرة. والأهم من ذلك أن الأدلة لا تشير إلى أن مَن تلقوا اللقاح صاروا محصنين فحسب، بل إلى أن آخرين في المجتمع حظوا بالحماية بسبب عرقلة عملية انتقال المرض. وتبين أن هذا أساسي في وضع حد لهذا الوباء.

صندوق عالمي لتطوير اللقاحات

بعدما قدمت البيانات اليوم أدلة على نجاح هذا اللقاح، ستستمرّ التجربة وسيتلقى المشاركون اللقاح في الحال. كذلك ستوسَّع معايير الاختيار، وقد تمتد التجربة من غينيا إلى سيراليون وليبيريا. من الضروري أن نتابع جمع البيانات بشأن السلامة والفاعلية، كي يحظى اللقاح في النهاية بموافقة السلطات الصحية المعنية ويُعتمد كأحد إجراءات الصحة العامة. لكن الاحتمالات تبدو واضحة وواعدة. تظهر الدروس التي يجب أن نتعلمها من هذه التطورات جلية. فما إن نجحنا في تقديم أدلة على ضرورة إجراء تجارب لهذا اللقاح الصيف الماضي، حتى تحرك مجتمع الأبحاث الطبية بسرعة مذهلة بغية اختبار rVSV-ZEBOV وغيره من اللقاحات المحتملة على الأرض. ففي Wellcome Trust، عملنا سريعاً على تخصيص منح تفوق قيمتها 10 ملايين جنيه إسترليني في غضون أسابيع. ولكن بالنسبة إلى الأحد عشر ألفاُ وأكثر الذي قتلهم هذا الوباء، لم تكن هذه السرعة غير المسبوقة كافية.  كان من المفترض (والضروري) البدء باختبار اللقاحات في وقت أبكر. طُوّر rVSV-ZEBOV قبل نحو خمس سنوات في كندا.

لكنه ظل على الرف من دون أن يُختبر على البشر. ولم تبدأ تجارب السلامة على البشر إلا في خريف 2014، في حين لم تبدأ التجربة في غينيا إلا في مارس 2015، أي بعد سنة من الإعلان عن تفشي الوباء. يجب ألا يتكرر هذا الخطأ. صحيح أننا لا نستطيع أن نختبر فاعلية اللقاحات في الحد من الأوبئة إلا عندما نواجه تفشي وباء ما، غير أن هذا ليس مبرراً للجلوس مكتوفي الأيدي. من الجلي، في رأيي، أننا نحتاج إلى صندوق عالمي لتطوير اللقاحات مع مساهمات من الحكومات، الجمعيات الخيرية، وصناعة الأدوية. يدعم هذا الصندوق العمل الضروري للحرص على مرور اللقاحات المحتملة بكل خطوات الاختبار الضرورية، باستثناء الأخيرة بينها، قبل حدوث الأزمة. كذلك يضمن هذا الصندوق توفير عقود الإنتاج والتسليم، فضلاً عن التأمين والتعويض، والالتزام مسبقاً بكامل البروتوكولات الأخلاقية والتنظيمية الخاصة بالتجارب. وهكذا عندما يتفشى الوباء، يمكن البدء بتنسيق تجارب اللقاحات المحتملة في غضون أيام.

ولا شك في أن حالة الجهوزية المطورة هذه بغية محاربة الأمراض المميتة ستنقذ حياة كثيرين.

إنجاز كبير

لا يمكننا الاستعداد بالتأكيد لحالات عدوى جديدة لا نملك أدنى فكرة عنها. فما كان أحد يستطيع توقع انتشار فيروس نقص المناعة البشري، مثلاً. ولكن ثمة مُمرِضات قد تسبب تفشي الأوبئة بين الناس: حمى الشكونغونيا، السارس، وفيروس كورونا الشرق الأوسط، وما هذه إلا غيض من فيض.

تشكل نتائج لقاح الإيبولا إنجازاً كبيراً يُظهر أن من الممكن اختبار لقاح خلال تفشي الوباء وفي ظل ظروف بالغة الصعوبة. كذلك برهنت هذه النتائج قدرة الشراكات الدولية المتكافئة ومرونتها، ويجب أن تبدل الطريقة التي يتفاعل بها العالم مع المخاطر الصحية الناشئة في المستقبل. فلن يمر وقت طويل قبل أن نشهد تفشي مرض معدٍ معروف لا نملك له أي لقاح. وقد يكون أكثر فتكاً من الإيبولا.

back to top