هل العنف من وسائل «الإخوان»؟ (1-3)

نشر في 06-01-2016
آخر تحديث 06-01-2016 | 00:00
 خليل علي حيدر هل يمكن الثقة سياسيا ومدنيا وديمقراطياً بالإخوان المسلمين في الكويت والخليج والعالم العربي؟ وهل هم جماعة مسالمة في كل مكان؟ وهل ظاهرهم كباطنهم؟ وهل حرصهم على مصالحهم الحزبية مثل حرصهم على مصير هذه المجتمعات في العالم العربي؟ وهل هم مسالمون حقا وبعيدون تماما عن العنف والإرهاب والتسلط السياسي على الحياة العامة، أم أن في تاريخهم وتراثهم وتنظيمهم وسرية حركتهم وكتمان مواردهم المالية ما يجعلهم غير صالحين للحياة الحديثة والإدارة الديمقراطية العصرية وعصر الشفافية؟

لقد تأسست هذه الجماعة في مصر عام 1928، ثم أُنشئت الفروع في كل مكان من جيبوتي إلى دمشق ومن بغداد إلى الرباط ومن ليبيا إلى اليمن، ثم نشأ في ظل هذا الحزب تيار ديني وجماعات عمت المجتمعات العربية بعد عام 1967 فما خطورة هذا التيار؟

وهل يمكن اعتبار التيار الإسلامي وجماعات الإسلام السياسي كما تسمى عادة "أخطر" أو "أسوأ" من بقية الأنظمة والجماعات والأحزاب التي حكمت العالم العربي؟ هذه قضية ربما نوقشت مرارا وتضاربت فيها الآراء، ومن الواضح على أي حال أن في حكم الإخوان والإسلاميين والتيار الديني مشكلتين كبيرتين على الأقل:

الأولى، أن خطورة الإسلاميين على الحرية السياسية والديمقراطية أشد من أي تيار معاصر، وخصوصاً بعد تقلص واندثار التيارات اليسارية والقومية، وبروز التيار الليبرالي والجماعات التي تطرح برامج ومفاهيم وطنية ذات مرجعية متنوعة وغير مؤدلجة.

فحزب الإخوان المسلمين مهما تظاهر بالحداثة والديمقراطية والاعتدال يبقى أميناً لمنابعه الفكرية الدينية، التي تؤمن بالشورى والنظام الإسلامي والخلافة وتطبيق أحكام الشريعة وغير ذلك.

ورغم تنوع اجتهادات قيادة حركة الإخوان في هذه المسألة فإن الثقة بهم ضعيفة واحتمالات تجاهلهم لقواعد الديمقراطية واردة ومحتملة، والأخطر من ذلك فرض أيديولوجيتهم الدينية التي تزخر بها كتبهم في كل مجالات الحياة.

ومما يضاعف خطر الإسلاميين السياسي أن هيمنتهم ترافقها كذلك توجهات دينية شمولية، واستخدام واسع للنصوص الدينية تعرقل بالتأكيد مسار العملية السياسية، وتخضع من يقف في وجه الدكتاتورية الدينية لحكم الشارع والسلطة معا، أما موقفهم من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان فمعارضتهم معروفة للعديد من بنودها، ومنها بنود الحريات الدينية.

أما الخطر الثاني لحكم التيار الإسلامي فهو فقدان الحرية الاجتماعية والثقافية والفردية في ظل سلطتهم وهيمنة المفاهيم الاجتماعية والفكرية الضيقة التي يروجونها في المجتمع على كل صعيد، وهذا لا يقل خطورة على حياتنا الحديثة. فقد كانت الأنظمة العربية الحزبية وغير الحزبية تتحكم في الحريات السياسية وتلغي الدساتير وتمنع الانتخابات، وتراقب الصحف، وتحظر الاجتماعات وتكوين بعض الجمعيات، أما السلطة الإسلامية التي سيقيمها أي حزب كالإخوان المسلمين أو أي جماعة إسلامية متشددة في مجتمعات أهل السنة أو أهل الشيعة، فستضع قيودا لا تنتهي على سائر الحريات الاجتماعية والثقافية، والمناهج الدراسية، وحركة النشر والصحافة والموسيقى والحفلات، وستكون أقسى قيودها على المعارضين الليبراليين، وعلى المرأة وعلى غير المسلمين، وهكذا ستجد هذه المجتمعات نفسها في ظل السلطة الإسلامية بقيادة الإخوان أو غيرهم محاصرة سياسيا واجتماعيا وثقافيا، إلا في الحدود التي تعزز بقاء "النظام الإسلامي".

صحيح أن أحزاب الإخوان المسلمين تتفاوت في درجة التشدد والاقتراب من التعددية والحداثة بين مصر واليمن والأردن وسورية والكويت، ولكن هذا التفاوت غير قائم على توثيق فقهي ونظرة ثابتة، بل هو في أحيان كثيرة مواقف إعلامية مؤقتة أو مرحلية لتوسيع عضوية الحزب أو إسكات الكتابات التي تهاجم الإخوان، أو لكسب الطبقة الوسطى المتعلمة أو استجابة لمؤثرات أخرى كالفوز في الانتخابات... إلخ.

وإذا كان نقد أفكار الأحزاب القومية واليسارية وعقائدها في أوج قوتها في صحافة وإعلام مصر وسورية والعراق ما بين 1952 و1990 مثلا ومستحيلا فإن الدولة الإسلامية العقائدية لن تكون أكثر تسامحا مع معارضيها.

ومما يعزز أوضاع السلطة الدينية، إن قامت، استغلالها للنصوص والفتاوى وتحريض الجماهير وأنصار التيار الديني ضد المعارضة، وهكذا يلجأ التيار إلى سلاح غير ديمقراطي محركا جماعات شديدة التعصب قد تستخدم العنف والقتال والتدمير والاغتيال ضد خصومها، وهذا سهل في دول عربية عديدة.

ويشير بعض كتاب الأحزاب في الكويت إلى أن الجماعة هنا مسالمة وغير عنيفة، كما أن سجلها الأمني خال من الأعمال الإرهابية، ومن الواضح بالطبع أن جماعات الإخوان في الكويت وأغلب الأقطار الخليجية ليست شرسة، ولا تلجأ إلى العنف وإن كانت قياداتها تهدد أحيانا في خطابها الإعلامي بأن صبر الجماعة قد نفد، وأن اللجام يكاد يفلت وأن السيل قد بلغ الزبى وغير ذلك.

غير أن عدم لجوء إخوان الكويت خاصة للقوة أو تأييدهم لها علنا أداة لتحقيق أهداف الجماعة، وله في الواقع أسباب كثيرة ليست من بينها بالضرورة إيمان الإخوان بالتنوع الديمقراطي والتعددية السياسية والثقافية والتسامح الديني والمذهبي، والرفض المبدئي لفرض مبادئ الإخوان بالقوة إذا سمحت الظروف، فالأسباب الحقيقية لاعتماد الإخوان الوسائل السلمية كما يعرف الجميع يعود بعضها لعلاقة مؤسسي الجماعة بالدولة، وبعضها إلى تاريخ وتوجهات وطبيعة قيادات الإخوان والامتيازات المالية والسياسية والوظيفية التي تتمتع بها الحركة في الكويت، حتى وهي تتعرض للاضطهاد وجور الزمان كما تشتكي اليوم.

ومن معوقات استخدام العنف لحسن الحظ حتى لو أراد أي تيار ذلك، صغر حجم الدولة والتوازنات الإقليمية والتركيبة الاجتماعية، ومما يدعم الجناح المسالم في جماعة الإخوان، حتى لو تشدد البعض، التنافس السياسي والتنظيمي مع "الجماعة السلفية" و"التشيع السياسي"، وما يواجه الجميع من مشاكل قبلية وطائفية، قد تتضاعف إذا لجأ أي فريق إلى التصعيد.

وهناك بالطبع استفادة الإخوان من مغانم المؤسسات الدستورية والإعلامية وحرية تأسيس وتفريع الجمعيات الدينية المرخصة وغير المرخصة، وكلها مجالات تستفيد منها جماعة الإخوان أكثر من غيرها، وتحقق بهذه الوسائل الانتخابية والنقابية والاجتماعية مكاسب ضخمة غير متاحة للإخوان في الكثير من الدول العربية.

ومما هو معروف ومشاهد أن معظم قيادات الجماعة في الكويت خاصة، هم من الفئات المتوسطة والثرية والنخبوية البعيدة عن الحرمان الاقتصادي والتهميش الاجتماعي، وربما عكست طبيعة وامتيازات القيادات واقع الكثير من الأعضاء بسبب الرفاهية المتاحة على نطاق واسع.

هل يمكن اعتبار الإخوان المسلمين والتيار الإسلامي في الكويت ضمن القوى الديمقراطية؟ وهل هم يؤيدون الديمقراطية دون تردد ولا يعطون أي أولوية للأيديولوجية الدينية التي يلتزمون بها أو للولاء والبراء، أو للبيعة وغير ذلك؟ وهل حركتهم تدعم توجه التسامح والإنسانية والتخلص من العنف في مجتمعات العالم الإسلامي؟ وهل درس أحد محاضر مجلس الأمة أو تصريحات قيادة الجماعة؟

هل هذه الدعوة للاعتدال والسلم والتسامح والديمقراطية، وتحديث وتطوير المجتمعات موجودة مثلا في مقالات مجلة المجتمع ومنشورات الإخوان الأخرى؟ فتصفح أعداد مجلدات المجتمع التي تصدر منذ عام 1970 يظهر للقارئ وجها آخر لا علاقة له بجماعة هادئة وادعة وسطية مسالمة.

فالحزبية والتشدد العقائدي غير المناسبين للعصر وغير المتعايشين مع جماعة ديمقراطية أو مسالمة مهيمنان على مقالات المجلة، وهي لا تعالج مشاكل الأقليات الإسلامية في أي مكان، بما يعزز فيها التوجهات الديمقراطية والتسامح الديني، ولا تحاول تهدئة وعقلنة الميول الانفصالية في آسيا أو الانعزالية في أوروبا، أما الدور الذي لعبته المجلة في القضية الأفغانية وغيرها فحدّث ولا حرج.

وأبرزت المجلة نَفَس التمرد والثورة واتجاههما وعدم انسجام الأقليات الإسلامية والجماعات السياسية التي تقودها مع حكوماتها، في حين حاربت "المجتمع" في الوقت نفسه، أي توجه مماثل لدى الأقليات المسيحية، مثلا في العالم العربي، حيث كان نصيبها التشكيك في الولاء والدعوة الحارة إلى عدم تجديد بناء الكنائس، وهدم وإزالة الموجود منها، فيما لم تتوقف مطالب مجلة المجتمع ببناء المساجد للمسلمين في الغرب وأستراليا.

 وقد أدى تراجع التيار الديني وبخاصة الإخوان المسلمين بعد تجربة الاحتلال والتحرير المريرة عام 1990، وما انكشف للجميع من مواقف الإخوان المسلمين والإسلاميين عموما إلى انحسار الإقبال على المجلة، وازدادت عزلة المجلة عن تجربة بلادها، ودخلت مجال المكابرة دفاعا عن الإخوان والإسلاميين في كل مكان، ولم تدرس بواقعية ما جرى للكويت عام 1990، وأسباب انخداع الإسلاميين في العالمين العربي والإسلامي ودخولهم تلك المتاهة الفكرية التي عرفناها عام 1990 وأسباب ذلك الانحراف.

بل ازدادت المجلة انغماساً في التهييج السياسي للأقليات الإسلامية ومحاولة تحريكها في الغرب، وفي المتاجرة بكراهية الولايات المتحدة والغرب، والنفخ في أوهام المكائد ومخططات التآمر وغير ذلك، مما لا يعكس على الإطلاق الثقافة السياسية للمجتمع الكويتي المعاصر، ناهيك عن حقائق الأمور.

لقد كان باستطاعة جماعة الإخوان في الكويت، لو لم تكتفِ بتبني فكر ومصالح وتكتيكات جماعات الإخوان في مصر والأردن وسورية مثلا، أن تطور عموم الجماعة باتجاه آخر أو على الأقل أن تتبنى فكرا بعيدا عن مبادئ الإخوان التقليدية التي أكل الدهر عليها وشرب، ولم تعد تصلح لمجتمعات القرن الحادي والعشرين، ولم تعد مناسبة لعصر العولمة وثورة المعلومات والتداخل الثقافي والحرية الدينية ومشاركة المرأة في سائر المجالات، عصر استهجان فرض النماذج والأنظمة الدينية على أي مجتمع بالقوة، وتقسيم المجتمعات إلى دار سلم ودار حرب، واستخدام مصطلحات تعود للعصور الوسطى من زمن كزماننا هذا.

back to top