لماذا لا يعلن الجهاد على «داعش»؟

نشر في 18-07-2015
آخر تحديث 18-07-2015 | 00:01
 أنس محمود الشيخ مظهر كنا قد تعودنا سابقا على رؤية بعض رجال الدين وهم يعتلون منابر الجوامع ويبدؤون خطبهم العصماء بالتهجم على الممارسات والسياسات الخاطئة التي يمارسها ساسة بلدانهم حسب ما كانوا يرون، وكان يكفي أن تعلو نبرة صوت الخطيب ويصرخ حتى تبدأ جموع المصلين والمستمعين بالتكبير مع كل كلمة تنطلق من حنجرته بصوته الجهوري، حتى أصبح معيار الخطيب الجيد مقدار تهجمه على سياسات الحكومات، وباتوا يتنافسون في ذلك أيما منافسة، وكانت أكثر الجوامع رواداً أكثرها تداولا للسياسة وأكثرها تهجما.

استمرت هذه "الموضة" إلى أن ظهر "داعش" على الساحة، وسيطر على أجزاء واسعة في المنطقة، لتهدأ هذه الأصوات بقدرة قادر، وينحسر اهتمام أصحابها عن السياسة، وتعطى أكبر مساحة في خطبهم للأمور الفقهية، ليس في الجوامع فقط بل حتى بعض رجال الدين والدعاة "الإعلاميين" الذين لا تكاد فضائية تخلو منهم، فأصبح شغلهم الشاغل الاهتمام بالسيرة النبوية والآراء الفقهية في مسائل الشرع، وكذلك الحديث عن الآخرة وأهوالها، حتى يتخيل للمتابع لهذه البرامج أنه يعيش في عالم غير العالم الذي يعيش فيه هؤلاء.

في ظروف كالتي تمر بها المنطقة ومع المؤامرة التي تستهدف الإسلام وتنفذها تنظيمات متطرفة شوهت هذا الدين السمح واستبدلته بدين كل ما فيه هو القتل والذبح، أو الجلد وقطع اليد، نرى أن بعض شيوخ الإسلام ورجالاته يعيشون حالة من الهدوء النفسي والرضا يحسدون عليها، دون اكتراث بالمسلمين الحائرين بين هذا وذاك، ممن التبس عليهم دينهم ولم يعودوا يعرفون الصحيح من الخطأ.

كيف يمكن لرجال دين يعتبرون أنفسهم غيارى على هذا الدين أن يصمتوا صمت القبور على ما يحدث في المنطقة وعلى ما يلاقيه الإسلام على يد هذه التنظيمات؟ هل يمكن أن نكون نحن المخطئين، وأن يكون الإسلام هو هذا الذي يدعو إليه "داعش"؟ إن كان هذا هو الإسلام فلمَ الخجل من الاعتراف؟ وإن كان لا فلمَ يحجمون عن قول الحقيقة؟

قد يقال إن أغلب رجال الدين المسلمين قد أظهروا مواقفهم الرافضة لـ"داعش"، فنقول قد يكون هذا صحيحا لكن، هل يكفي الرفض اللفظي والكلامي في قضية خطيرة مثل هذه دون أن يكون هناك موقف جاد وحازم للتعبير عن هذا الرفض؟ لقد كنا نرى سابقا رجال الدين هؤلاء وهم يقومون بحملات جماهيرية ضخمة ضد أشياء أقل ما يقال عنها إنها تافهة، ويخصصون لها جل أوقاتهم وإمكاناتهم، في حين هم في أزمة تشويه دين بكامله يقتصر موقفهم على رفض كلامي وهذا أيضا يكون فقط في حال سؤالهم عنها.

 ما يدعو للاستغراب هو أن بعض "شيوخ الإسلام" وأثناء ثورات الربيع العربي كانوا يستنهضون حماس الشعوب العربية للثورة على حكامهم، ويفتون لهم بالجهاد ضدهم، مع أن الجرائم التي ارتكبها الحكام العرب لم ترتق في بشاعتها لما يرتكبه "داعش" من جرائم، وطوال عقود من الزمن لم تشوه تلك الحكومات العربية الدكتاتورية الدين الإسلامي مثلما شوهه "داعش" في ثلاث سنين.

وما يدعو للاستغراب أيضا أن قسما من هؤلاء الشيوخ كان قد جنّ جنونهم عندما أزيح حكم الإخوان في مصر (وهم في أحسن الأحوال جماعة أو فصيل سياسي) واصفين من قاموا بهذا التغير بالمرتدين والكفرة، ومحرضين الشعب المصري على حكومتهم الجديدة وإعلان الجهاد عليها، في حين أنهم ظلوا ساكتين إزاء ممارسات هذه المنظمات الإرهابية وهي تحاول إسقاط الإسلام بالكامل كدين، وليس فقط حزب أو جماعة، وهنا نود أن نتساءل: ألا يستوجب خطر "داعش" إعلان الجهاد عليه من قبل هؤلاء؟

من الممكن تفسير الصمت المطبق منهم على ظاهرة "داعش" وتصرفاتها في ثلاث احتماليات:

إما أن يكون شيوخ الدين الإسلامي هؤلاء ودعاته جبناء لا يجرؤون على قول الحقيقة خوفا على حياتهم من هذه التنظيمات المتطرفة، وهم بذلك يتصرفون عكس ما كانوا يدّعون ويدعون الناس إليه من قول الحق حتى لو كلفهم حياتهم.

أو أنهم يعرفون في دواخلهم أن هذا هو الدين الإسلامي، راضين ومقتنعين بما تقوم به هذه المنظمات المتطرفة جملة وتفصيلا، وحينذاك يجب على الحكومات وأجهزتها الأمنية معاملتهم مثلما تتعامل مع أي إرهابي آخر بتطبيق أحكام الإرهاب عليهم.

أو أن حكوماتهم ضالعة في أعمال "داعش" فلا يستطيعون الخروج عن أوامر حكامهم، وهم بذلك يوالون الحكام على حساب الحقيقة والدين، دون شعور بالمسؤولية الملقاة على عاتقهم باعتبارهم رجال دين، وهذه الحالة تدخلهم في باب النفاق دون لبس.

فإذا أحسنا الظن برجال ديننا وأخذنا الاحتمال الأول على أن الجبن هو ما يدفعهم للصمت (مع أنه احتمال معيب) فنقول لهم: من المخجل أن تنزووا جانبا وترفعوا راية "صم بكم عمي فهم لا يفقهون" في الوقت الذي تتداعى جيوش أمم وشعوب كنتم تقولون عنها إنها كافرة لتدافع عنا وعن ديننا (حتى إن كانوا يدافعون بذلك عن أنفسهم ضمنا). معيب أن ينبري رجال سياسة أوروبيون (كفرة) ليبرئوا ساحة الإسلام من هذا الفكر المتطرف، وأن يظهر فنانون عرب علمانيون (مرتدون) لينتقدوا ممارسات "داعش" المنحرفة، في حين تختبئون أنتم وراء المنابر لا تنبسون ببنت شفة وكأن الأمر لا يعنيكم، من العار أن فنانة أميركية كنتم تقولون عنها إنها (مومس) تدافع عن الإسلام وتقول إن هذا التطرف لا يمثله، في حين أنتم منهمكون غارقون في إثارة بعض المذاهب الإسلامية على بعض لسفك المزيد والمزيد من الدماء وتدخل جيوبكم المزيد المزيد من الأموال.

* كردستان العراق – دهوك

back to top