أنت {سيئ} أم {صالح}؟ مسح دماغي واحد لمعرفة الجواب!

نشر في 19-10-2015
آخر تحديث 19-10-2015 | 00:01
No Image Caption
بفضل مسح دماغي بسيط في وقت الراحة، يستطيع العلماء الآن أن يحددوا نسبياً ما إذا كان الشخص سيئاً أم صالحاً!
يقول المشرف الرئيس على الدراسة، ستيفن سميث، وهو مهندس في مجال الطب الحيوي من جامعة أكسفورد: {بدأنا اليوم نشاهد أدلة قوية على وجود رابط بين قياس الوظيفة الدماغية وبين بعض جوانب حياة الناس وشخصياتهم}.
نُشرت مقالة عن الروابط القوية على نحو مفاجئ بين قياس الوظيفة الدماغية وبعض جوانب حياة الناس وشخصياتهم في مجلة {طبيعة علم الأعصاب}، وهي الأولى التي يصدرها {مشروع كونيكتوم البشري» الطموح: المشروع عبارة عن جهد عالمي يهدف إلى رسم خرائط جميع المسارات الواقعة بين مئات المناطق الدماغية وملايين الخلايا العصبية ثم تحديد العلاقة بين تلك الأنماط المترابطة والشخصيات والسلوكيات.

هذا ما ذكره الدكتور سيباستيان سونغ، اختصاصي في علم الأعصاب الحاسوبي في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، في عام 2010. كان كلامه كفيلاً بتسليط الضوء على رسم خارطة الروابط العصبية الدماغية. تطرّق سونغ في كلامه لفكرتين مستفزّتين.

كانت الفكرة الأولى فلسفية بطبيعتها، فقال إن هوية الناس الذاتية (الشخصية، العادات، أساليب الحياة، الذكريات، التجارب) يتم تخزينها في الروابط الوظيفية داخل الدماغ. لذا يكفي أن نعيق خارطة الروابط العصبية الدماغية (كما يحصل عند الإصابة بانفصام الشخصية) كي نخسر هويتنا الداخلية.

بدت الفكرة الثانية أقرب إلى النبوءة العلمية: من خلال تطوير تقنيات لتصوير الدماغ، قد نتمكن من رسم خرائط للروابط الدماغية بتفاصيل غير مسبوقة. مثل الخرائط الجغرافية التي سمحت للمستكشفين بالوصول إلى أقاصي العالم، قد يسمح {الأطلس} الدماغي بإحراز تقدم في مجال علم الأعصاب من خلال طرح صورة عميقة ومفصلة عن العمليات الحاصلة داخل العقل.

يقول الدكتور آرثر توغا من جامعة كاليفورنيا الجنوبية، وهو العالِم الرئيسي في {مشروع كونيكتوم البشري»: «الأيام التي كنا نكتفي فيها بالنظر إلى جزء واحد من الدماغ شارفت على النهاية».

انطلق «مشروع كونيكتوم البشري» منذ ست سنوات وبلغ تمويله الأولي 40 مليون دولار وهو يعمل على مسح أدمغة 1200 شخص راشد عبر التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي. يركز فرع مهم من المشروع على الدماغ في وقت الراحة، أي حين لا يركز العقل على مهمة معينة بل يسمح لنفسه بالتشتت. يقال إن تلك «الروابط العصبية الدماغية في وقت الراحة» تعكس مدى اختلاف المناطق الدماغية حين يصبح العقل مشحوناً، كما يحصل إذا تطلبت أي مهمة مستقبلية مفاجئة أن تنشط تلك الروابط في الوقت نفسه.

لا تقتصر النتائج على ذلك: يرتبط كل مسح دماغي بالبيانات الديمغرافية والشخصية التي يمكن تلخيصها بمئات الخصائص المختلفة. هي تتراوح بين التدابير الموضوعية مثل اختبار معدل الذكاء ومستوى الانتباه والمكانة الاجتماعية والاقتصادية، والعوامل الذاتية مثل مستوى الراحة ومعالم الشخصية أو تأثير أخذ الأدوية أو أي عدائية جسدية سابقة.

إنها مسألة مهمة وهي تستحق الاستكشاف. لذا عمد سميث وفريقه إلى التعمق في الموضوع.

أدمغة صالحة وأخرى سيئة!

لم يكن الفريق يهتم بكل بساطة بالربط بين مختلف عوامل الشخصية أو عناصر النجاح. منذ البداية، شرح سميث أنهم يريدون استعمال تحليل متكامل واحد لمعرفة ما إذا كانت أنماط الترابط الدماغي متّصلة بمجموعات محددة من الخصائص المترابطة التي يمكن أن تكون صالحة أو سيئة.

أخذ فريق البحث بيانات من 461 مسحاً دماغياً واستعمل برنامجاً محوسباً شاملاً لرسم خارطة دماغية في وقت الراحة داخل 200 منطقة مختلفة. ثم بحث العلماء لدى كل مشارك عن حجم التواصل بين هذه المناطق وقد حددوا بفاعلية موقع أبرز الروابط وحجم قوتها.

عملية استخراج الروابط العصبية الدماغية: يقسم العلماء المسح الدماغي إلى مئات المناطق ويستعملون تقنية «تصوير المسارات العصبية» لاستخراج الروابط الوظيفية.

 أخيراً، قام الباحثون بعملية محوسبة متقنة وأضافوا 280 صفة مختلفة إلى مجموعة البيانات المرتبطة بالمسح الدماغي وأجروا تحليلاً دقيقاً لكل مشارك: إنه شكل من التلاعب الإحصائي الذي يسمح باستكشاف الروابط القائمة بين قواعد البيانات ومئات المتغيرات المعقدة.

بدت النتيجة صادمة ومدهشة: كان يمكن ترتيب أنماط الترابط الدماغي ضمن محور واحد حيث يرتبط أحد الأطراف بخصائص إيجابية (مثل ارتفاع مستوى التعليم وتحسّن الذاكرة والأداء الجسدي)، بينما ترتبط أجزاء أخرى بخصائص سلبية مثل خرق القوانين وتراجع نوعية النوم.

سجل المنتمون إلى المحور {الإيجابي} روابط أقوى بين الشبكات الدماغية المتصلة بارتفاع مستوى الوظائف المعرفية، بما في ذلك الذاكرة واللغة والتفكير والتخيّل.

من المبهر أن تكون المسوحات الدماغية في وقت الراحة كافية لتلخيص تجارب مختلفة ضمن محور واحد وبسيط بحسب رأي الدكتور ماركوس رايتشل، عالم أعصاب في جامعة واشنطن. بفضل مسح دماغي واحد، يمكن تمييز أصحاب الخصائص الإيجابية الذين يعيشون حياة ناجحة.

من الواضح أن هامش الخطأ موجود مع كل محاولة لتوقّع هوية الأشخاص عبر الاكتفاء بالنظر إلى روابطهم الدماغية، لكن يبقى الرابط العام قوياً جداً.

بناء روابط عصبية {صالحة}

تطرح الدراسة سؤالاً بديهياً: ما هو تأثير هذا الاكتشاف؟ هل تكون أدمغتنا مزودة بأنماط تقودنا إلى النجاح أو الفشل في الحياة، أم أنّ تجارب الحياة هي التي تحدد شكل الروابط في أدمغتنا؟

حتى الآن، يقول سميث إننا لا نعرف الجواب ومن المحتمل أن تسلك العلاقة السببية في هذه الظاهرة أياً من الاتجاهين. لاختبار تلك العلاقة السببية، سنحتاج إلى دراسات لفرض خصائص إيجابية (مثل التعليم الإلزامي) ومعرفة ما إذا كانت هذه العملية تنتج روابط عصبية {صالحة» في الدماغ.

سيحصل ذلك في المستقبل، لكن يمكن أن نبحث الآن عن خصائص تتّصل بروابط دماغية إيجابية وتوجيهها بطريقة تضمن جذب الدماغ نحو الطرف {الإيجابي} من المحور.

كان تعاطي الماريجوانا في الأسابيع الأخيرة مثلاً أحد العوامل التي حركت الدماغ نحو المحور {السيئ}. يشير ذلك إلى أن تعاطي المخدرات يعكس صفة سلبية يجب إعطاؤها الأولوية في الدراسات اللاحقة.

لكن يحذر العلماء من وجود رابط بين {الخير} و{الشر} ولا بد من وضع أي حالة في سياقها الاجتماعي: هل من المنصف اعتبار استعمال الماريجوانا لأغراض طبية سلوكاً سلبياً؟

على صعيد آخر، لا تشير مكانة الشخص على مقياس من الخصائص الإيجابية والسلبية إلى معدل الذكاء العام. يحتلّ الأشخاص الذين يتمتعون بتنسيق جيد بين العين واليد مكانة أقرب إلى المحور {السيئ} مثلاً.

لا بد من اكتشاف الكثير بعد بحسب قول فان ويدن، عالِم أعصاب في مستشفى ماساتشوستس العام.

إنها مجرد لمحة عما سيحصل مستقبلاً، إذ من المتوقع أن ينتج {مشروع كونيكتوم البشري» بيانات هائلة عن مسار نمو الأطفال وشيخوخة الدماغ على مستوى الصحة والأمراض، ولا شك أن هذه المعطيات ستطرح المزيد من الأسئلة بدل أن تعطي الأجوبة. لكنها بداية جيدة طبعاً.

back to top