فيان دخيل لـ الجريدة.: رسالتي الدفاع عن المرأة والأقليات... ونحتاج لأن يسمعنا العالم

نائبة أيزيدية مغامرة كادت تفقد حياتها أثناء إيصالها المساعدات لمن يحاصرهم «داعش» في سنجار
«فتاة صغيرة اغتُصِبت جماعياً لمحاولتها الهرب وطفل أُجبِر على قتل أبيه بعدما قتلوا أمه أمامه»
«الأقليات الحلقة الضعيفة... وينبغي حمايتهم دولياً»

نشر في 21-11-2015
آخر تحديث 21-11-2015 | 00:04
في مفارقة عجيبة، أتخيل دائماً أن أجمل الورد ما ينبت بعد الحرب، إيذاناً بأمل جديد، فماذا نقول في الورد وقد ذبحته الحرب المجنونة بعبثيتها ونزقها، يتماهى فيها الألم بأنفاس الأيام مجهولة المصير، لتصبح الصرخة المدوية رسالة في وجه الإرهاب، وجمال القيم المفعمة بالإنسانية جوهراً واضحاً في وجه القبح والهمجية.

من منّا ينسى صرخة فيان دخيل، النائبة الأيزيدية في البرلمان العراقي، وهي تطالب العالم بالتدخل السريع لإنقاذ العائلات في سنجار من الجرائم الإرهابية لتنظيم الدولة الإسلامية «داعش» لاسيما ما تعرضت له الفتيات والنساء من سبي وخطف واغتصاب وبيع في سوق النخاسة، فكان الألم على قدر الفاجعة الكبرى.. عاراً في جبين الإنسانية.

هي «أيقونة سنجار»... التي أصرت أن تستقل الطائرة لمساعدة أهلها الهائمين على وجوههم في الجبال هرباً من جحيم «داعش» وكادت تلقى حتفها في سقوط المروحية، لكن أخطأها سهم المنية ليصبح الموت وراءها، والحياة باتساعها أمامها، مانحة إياها الفرصة لتؤدي رسالتها في نصرة الإنسان في وجه الإجرام.

حسن الحظ

حسن الحظ هو ما قادني إلى فيان، إذ كنت في مهمة إعلامية نظمتها الأمم المتحدة لمجموعة من الإعلاميين ورشحت لها، وتتضمن زيارة المخيمات في مدينة أربيل بكردستان العراق، لكنني لم أتوقع أن أتلقى أجمل هدية من قنصل دولة الكويت هناك د. عمر الكندري، وهي ترتيب اللقاء مع السياسية الشهيرة فيان دخيل، أيقونة الأيزيديين والمدافعة عن حقوق الأقليات والمرأة، لاسيما منهن ضحايا تنظيم «داعش» الإرهابي.

حكايات هاربة

هي مجموعة حكايات هاربة، تجعلك تنحني احتراماً لإنسانيتها وشجاعتها وبسالتها في سبيل وطنها ودينها وأبناء شعبها، وهي النائبة التي أبكتنا في كلمتها المؤثرة في البرلمان العراقي عن جرائم داعش بحق الأيزيديين في سنجار بقضاء الموصل، وحرقتها من المجازر والإبادة الجماعية التي ارتكبها الإرهابيون بحق أهلها، وهي المغامِرة التي كادت تفقد حياتها في مروحية أثناء عملية إغاثية لإيصال مساعدات للعراقيين الأيزيديين المحاصرين من داعش في قضاء سنجار، وتلك حكاية أخرى إذ حملت المروحية في طريق العودة ما يفوق العدد المسموح به من النازحين إلى جبل سنجار، ما أدى ألى سقوطها، وأودت بحياة طيارها، وفيها كتب لها عمر جديد، هي الإنسانة التي دافعت ببسالة عن المظلومين، وعن الفتيات اللاتي أسرن من داعش ولم تتوان يوماً في المساهمة بتحريرهن.

المطلوبة الأولى

كان اللقاء بأيقونة الشجاعة فيان دخيل، مفعماً بحكايات مؤلمة وقصة إصرار عميقة، فيان المطلوبة الأولى المدرجة على قائمة داعش، لم تتردد في الإجابة فوراً بعينين تلمعان عنفواناً عن سؤالي لها كيف تعيش والخطر يتهددها دائماً: «هذه هي رسالتي في الحياة وسأستمر بها، نحن الأقليات نحتاج لأن يسمعنا العالم، ولقد قدمت نفسي لهذه القضية».

رحلة العذابات

بعد أن ألقت خطابها الشهير في الخامس من أغسطس 2014 عن الإبادة الجماعية في سنجار، عن المذابح والاغتصابات والتجويع التي تمت بصمت هناك، أبلغت كل الجهات والسفارات عما يحدث لكن دون جدوى، ويوم إلقاء هذا الخطاب في البرلمان، وقف معها أغلب الأعضاء وقفة تضامنية، وحين استرسلت في الكلام سرعان ما أجهشت بالبكاء لدى الحديث عن معاناة وعذابات أهلها وأبناء بلدها.

ولم تقف عند هذا الحد بل رفعت الموضوع إلى لأمم المتحدة، حيث أصبحت هناك لجنة لتوثيق جرائم داعش وتسجيلها، وبالفعل جاءها الرد من الرئيس الأميركي باراك أوباما في مشهد له رمزيته العميقة بقوله: «إلى تلك النائبة التي بكت في البرلمان وقالت لا أحد يساعدنا... سنساعدكم»، وبالفعل بدأت الضربات الجوية، وبدأت تصل المساعدات.

معاناة الأقليات

تروي بألم ما تعانيه الأقليات الدينية من مشاكل في العراق، لاسيما أن تمركزهم بمحافظة نينوى أو المناطق المتنازع عليها حيث يوجد الآيزيديون والمسيحيون والشبك، «والحل يكمن في تقديم الحماية الدولية لهذه المناطق لئلا يتكرر ما حدث من قبل داعش... دائماً الحلقة الأضعف هي الأقليات».

الناجون من داعش، حسب فيان، يمكن أن نصنفهم إلى «ما حدث لهم الشر بشكل مباشرة كالفتيات اللاتي تعرضن للبيع والشراء والاغتصاب، وهؤلاء يحتجن إلى مراكز تخصصية، وهو ما نفتقده مثل مراكز علاج نفسي وجسدي، المتضررون بشكل غير مباشر هم الأهالي أو الأطفال الذين شاهدوا ذويهم يقتلون ويُغتصبون أيضاً، يحتاجون للتأهيل النفسي،  الأقليات في حالة الصدمة الآن، لكن بعد سنة سيتم استيعاب ما حصل لكن ستكون الآثار النفسية جراء ما حدث ظاهرة خطيرة».

تحكي بحرقة كيف أن طفلاً صغيراً أُعطي رشاشاً ليقتل أباه، وقال لعناصر داعش: الرشاش ثقيل، لكنه حين قتلوا أمه قام بقتل أبيه لئلا يعذب، ناهيك عن الاعتداءات الجنسية على الطفلات اللاتي لا يتعدى عمرهن الخمس سنوات أمام ذويهن.

حياة مهددة

وحين سألتها، أنت معرضة للتهديد كيف تعيشين وحياتك محفوفة بالخوف والحماية الدائمة؟  قالت «لدي حماية لكن لا أجعل هاجس الخوف يسيطر علي، وإن سيطر علي فلن أستطع أن أستمر لاسيما انني أشعر بأنني لم أعد ملكاً لنفسي، أصبحت ملكاً للناس التي تحتاجني، الأقليات تحتاج لمن يدافع عنهم بشكل مستمر».

صحيح «المجتمع في الشرق الأوسط ذكوري وينظر للرجل كونه أكثر صلابة لكن فيان بعد دفاعها عن الأقليات وكونها امرأة أثبتت أنها تستطع أن تفعل مثل ما يفعله الرجل وربما أكثر.

استطاعت بمصداقيتها وإيمانها بحقيقة قضيتها أن تكون صوت الأقليات، وقد قابَلَت الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون في موضوع جرائم الحرب، وتوثيقها من خلالها لجنة خاصة لجرائم داعش، وبالفعل تم توقيع معاهدة للجرائم التي تعرض لها الأيزيديون، كثيرون منهم لجأوا إلى دهوك حيث يوجد 16 مخيماً كل منها يضم 5000 عائلة زارها الهلال الأحمر الكويتي.

وأوضحت أن المساعدات للمناطق المحررة في سنجار لا تصل لها المنظمات الانسانية لعدم وجود أمان، بل إن الآيزيدين لطالما كانوا مضطهدين، في عام 1972 هدم صدام حسين بيوتهم وليس لديهم حق التملك فقط بيوت الأيزيديين تعود ملكيتها للدولة.

«داعش» و احتلاله مناطق الأيزيديين

تلعفر أصبحت معقل داعش، والتي قتل مجرموها في أول يوم 2100 شخص آيزيدي، وفي قرية اسمها كوجو تمت محاصرتهم 15 يوماً و أجبرهم داعش على تغيير دينهم وإلا فالقتل، وقبلوا بذلك لكنهم رغم ذلك قتلوهم وأخذوا كل النساء والفتيات بالقرية وهي قرية مشهورة بجمال نسائها، من دلهم عن هذه القرية؟ تتساءل،... هنا كانت الطعنة من الداخل حدث التخوين بهم كآيزيدين!

وأكدت دخيل أن علاقة الأيزيديين بالمسلمين وثيقة، ولديهم مصطلح اسمه «كريف» يعني أن اعتبرت شخصاً مسلماً كواحد من العائلة، يوم ختان أحد أبنائنا نأخذ قطعة قماش من هذا المسلم ونبلله بقليل من دم الطهور، ونعتبره أخانا بالدم، ما يسيء له يسيء لنا والعكس.

السؤال الآن كيف ستصبح علاقات الناس بعد التحرير؟

كيف لهم أن يرجعوا ويسكنوا مع أشخاص قتلوا أهاليهم، بعد تحرير سنجار ستكون الحياة صعبة وتحتاج النفسيات والأرض لإعادة تأهيل، الحروب لا تخلف إلا الرماد.

تحرير المعتقلات

فيان ولحرصها على احتضان الهاربات والمحررات من داعش

لم تتوقف يوماً عن مفاوضاتها لأجل تحرير الفتيات اللاتي خطفن من داعش، وقامت بتحرير عدد كبير منهن خلال شرائهن، خاضت حرباً أعلنت فيها ببسالة أن على الأهل أن يستقبلن بناتهن بمحبة واحتواء بعد تحريرهن من داعش، بل وجهت أكثر من مرة دعوة لجميع الفتيات المخطوفات والمحررات من داعش أن يعدن إلى بيوتهن، وإن لم تستقبلهن أسرهن فستفعل هي ذلك وتتبناهن.

وبالفعل ساهم خطابها هذا بهروب إحدى الفتيات التي كانت بعمر 14 عاماً، حاولت الهرب مرة فعاقبها الداعشي الملقب بأبي فيصل بأن جعلها تغتصب من قبل مجموعة من الرجال، وبعدها غسل دماغها بأن ذويها سيقتلونها إن عادت إليهم لأنهم يعلمون بممارسات داعش الوحشية ضدهن، وبقي يذكرها بأنها عار وستقتل إن فكرت بالهرب.

لكن الفتاة شاهدت خطاب فيان، وتملكتها الشجاعة أن تهرب، هذه المرة نجحت إلى أن وصلت لأحدى المخيمات قبيل عودتها إلى ذويها نهائياً، حكت قصتها لصحافية ولحسن الحظ كانت الأخيرة تعرف فيان، قالت لها إن حلم حياتها أن تلتقي فيان وتلتقط صورة معها لأنها أنقذت حياتها بكلماتها وتشجيعها.

بعد ذلك تولت الصحافية ترتيب اللقاء، ضمّتها فيان وقبلتها وتصورت الفتاة معها وقالت: سأرسلها إلى سجّاني الداعشي، وحذّرتها بأنها مطلوبة لدى داعش، لكن كعادتها فيان تستمر في خوض معركتها ولا تلتفت لأي تهديد!

ما هي الأيزيدية؟

يقول الباحث الآيزيدي، خضر دوملي، في مقابلة صحافية عن الأيزيديين وأصلهم وديانتهم: «الإيزيدية واحدة من الديانات الكردية القديمة التي تتمركز في بلاد وادي الرافدين منذ آلاف السنين، لغتهم كردية ونصوصهم الدينية كردية ومعبدهم الرئيس هو «لالش» في كردستان، ويوجدون في كردستان منذ الأزل، ومرت الايزيدية بعدة مراحل متعددة إلى أن وصلت الوحدانية فهي من الديانات التي تدرجت من الطبيعة».

«الملك طاووس» والشمس، هما من أهم مقدسات الايزيديين، إذ يقدسون الملك طاووس لأنه بالنسبة لهم، كما يقول دوملي «رئيس الملائكة وهو الذي حفظ سر المحفوظ للإله الكبير عند الخليقة (وهذا ما تفسره الديانات الأخرى بتفسير آخر، ونحن ليس لدينا أي علاقة بتفسير الديانات الأخرى) الخاص بتدرج الآلهة الكبار أو الملائكة في الديانات الإبراهيمية واليهودية والمسيحية، فللإيزيديين معتقدات خاصة بهم تختلف عن معتقدات الديانات التي لها كتب سماوية». ويعد «لالش» من أقدس معابد الإيزيديين ففيه قبر الشيخ آدي المقدس لدى أتباع الديانة كما أنها مقر المجلس الروحاني للديانة الإيزيدية في العالم. ويزور الإيزيديون مرة واحدة خلال حياتهم على الأقل لالش وتستمر الزيارة سبعة أيام، أما الأيزيديون القاطنون في المنطقة فيزورونه سنوياً خلال فصل الخريف، وهناك معابد أخرى في مناطق سنجار وبعشيقة وتلكيف ومناطق أخرى من سهل نينوى.

الأقليات في العالم والأيزيدية

تواجه الأقليات في العالم تحدياً كبيراً، في ظل الصراعات الطائفية و المذهبية والدينية، ناهيك عن ظهور داعش في السنوات الأخيرة بكل ما تعنيه من تطرف وإجرام أضرا بأبناء الدين الواحد بشكل كبير، أضرّ بالأقليات بشكل مضاعف ومخيف.

«داعش» يقتل الجميع في العراق وخصوصاً الأيزيديين والمسيحيين الذين باتوا يهربون إلى المخيمات في أربيل حيث الأمان نسبياً أفضل في كردستان.

في زيارتي القصيرة والمكثفة لأربيل زرت أكثر من مخيم، كان اللاجئون من سورية ومناطق العراق التي اجتاحتها داعش مثل الموصل وقرقوش وكذلك الفلسطينيون الذي لجؤوا للعراق في 1948، وزرت مركز الأمل الذي تقطنه أغلبية عراقية مسيحية نزحت من قرقوش إضافة إلى بعض العائلات الأيزيدية.

في الحروب تتعاطف الأقليات بعضها مع بعض، تحتضن همومها وتحرص على المشاركة في الحزن والفرح، يلتحم الجميع معاً لأنهم يعرفون بأنهم دوماً الحلقة الأضعف.

مساعدات الكويت هي «الأفضل»

أكدت فيان دخيل أن المساعدات الإنسانية التي قدمتها الكويت في قطاع كردستان من خلال جمعية الهلال الأحمر الكويتية كانت «الأفضل» حسب شهادة اللاجئين أنفسهم، مشيرة إلى حرص قنصل الكويت في أربيل د.  عمر الكندري على توفير المساعدة دوماً مما يعكس الوجه الجميل للكويت، وهو ليس بغريب على بلد الإنسانية.

وبلغت المساعدات التي قدمتها جمعية الهلال الأحمر الكويتية حتى الآن 46 ألف عبوة غذائية، في كل عبوة كرتون يحتوي 15 سلعة غذائية بوزن 30 كيلو غراماً تكفي خمس أسر من خمسة أشخاص لمدة شهر، تم توزيعها على 22 مخيماً وتم التوزيع على جميع أطياف الشعب العراقي دون تفرقة تنفيذاً لأحد مبادئ العمل الإنساني الإغاثي.

تكريم فيان  

لا أبالغ شخصياً إن قلت إنني سعدت جداً وكنت وجه خير وسعد على النائبة فيان دخيل، إذ بعيد لقائي بها بأيام تم تكريمها بجائزة «تكريم للمرأة العربية الرائدة» في دبي علماً أن سلسلة تكريماتها والجوائز التي حازتها طويلة جداً، ولا يسعني أيضاً أن أخفي سعادتي بتحرير جبل سنجار منذ أيام، وأيضاً كان فأل خير أيضاً، كما لا أبالغ أيضاً القول إن اللقاء بفيان دخيل كان إحدى أهم المقابلات التي قمت بها في عملي الصحافي الذي بدأ منذ عقد، والشكر الكبير لقنصل الكويت في أربيل د. عمر الكندري الذي أحاطني برعايته منذ وصولي أربيل، في رحلة غنية جدا بمعانيها الإنسانية الرائعة ومشاعرها العميقة رغم كل الأمل الذي يحف بنا.

دخيل في سطور

فيان دخيل شيخ سعيد خضر سياسية عراقية أيزيدية، وهي حالياً عضوة في البرلمان العراقي عن قائمة التحالف الكردستاني، وعضوة في الحزب الديمقراطي الكردستاني، فازت في انتخابات 2010 بمقعد عن محافظة نينوى وفي 2014 فازت أيضاً .

وتميزت في البرلمان العراقي بدفاعها عن حقوق الإيزيديين في العراق وعن حقوق الكرد عامةً.

تسلمت فيان، جائزة برونو كرايسكي لحقوق الإنسان لعام 2015 في العاصمة النمساوية فيينا، وأشارت إلى أن التكريم «يشعرها بالفرح والفخر، لكن الفرح الحقيقي هو بمساعدة كل انسان يتعرض للظلم أينما كان، وانقاذ الإنسان وخاصة النساء من العبودية من قبضة التنظيمات الإرهابية المتطرفة».

طائرة الموت

يوم 12 أغسطس 2014، ذهبت دخيل إلى دهوك لحضور مؤتمر، لكنها قررت باللحظة الأخيرة استقلال المروحية التي تنقل المساعدات لجبل سنجار، لأن الناس في القضاء هربوا إلى الجبل، ولا توجد طريق لتوصيل المساعدات سوى الطيران، لأنها محاصرة من داعش، وكانت المساعدات ماء وعصيراً وبعض الأطعمة، قال لها الطيار إن الجولة ستسمى «جولة فيان»، ولم ينس تحذيرها من أنها قد تصبح مهمة قتالية، ورغم ذلك أصرت على المشاركة.

تروي فيان كيف شاهدت من على متن المروحية الهاربين إلى الجبال، وكانت الطيار يضطر إلى الهبوط قريبا لرمي المساعدات لهم، ولدى الوصول إلى قمة الجبل قررت النزول، رغم تحذيرات الطيار. الجميع كانوا جوعى، وقرروا التركيز على نقل الأطفال والمرضى معهم في المروحية أثناء العودة، وتدفق الناس بشكل تجاوز العدد المسموح به، وبعد الطيران أمتاراً قليلة أصيبت المروحية بخلل وسقط كل من فيها فوق فيان، هنا بدأت تشعر باختناق وألم كبيرين، لذا قررت أن تلقي من نافذة المروحية نظرة وداع للحياة، وبعدها سقطت الطائرة، تذكرت أهلها، وقالت: «لم أكمل مشواري بعد»، ثم شعرت بثقل رجلها، لكن بعدئذ تيقنت أنها على قيد الحياة.

ومع سقوط نحو 40 شخصاً كانوا في المروحية فوقها، حاولت فيان دفعهم دون جدوى، وبعد انزياح الأجساد المتراكمة حاولت تحريك أطرافها، لكنها شعرت بألم فظيع وشاهدت رجلها اليمنى مكسورة ومعلقة بجسدها فقط بالجلد. واستطردت: «أصعب لحظة في حياتي كانت الدقائق الـ 20 التي تلت الحادثة».

حيث كانت تصعد الجبل بمساعدة بعض الأشخاص ورجلها تتمايل يميناً ويساراً، وعندما وصلت إلى قمته، كانت مناظر الجرحى وجثة الطيار قربها في مروحية العودة ورائحة الدم والموت تزكم الأنفاس، وصراخ الأطفال والناس من حولها... كانت بالفعل لحظة عبقة برائحة الموت والخوف.

بعدها نقلت إلى مستشفى بتركيا واستغرقت عمليتها 9 ساعات، وبعد علاجها بدأت رحلة تعريفية على كرسي متحرك عن الأيزيديين، وحاضرت في مؤتمر ببروكسل عن الأديان، وتحدثت في قاعة ضمت 3000 شخص بكوا جميعاً بعد كلمتها، ووقفوا مصفقين خمس دقائق.

back to top