إنّنا مفطورون على الكسل!

نشر في 29-09-2015 | 00:01
آخر تحديث 29-09-2015 | 00:01
No Image Caption
كانت جسيكا سيلنجر تطور رباطاً للركبة عالي التقنية يخزن الطاقة، عندما حادت عن مسار بحثها الأساسي لتتناول سؤالاً أكثر أهمية. فقد تساءلت طالبة الدكتوراه هذه في مختبر الحركة في جامعة سايمون فرازر: {لماذا يتحرك الناس بهذه الطريقة؟}.
تشكل كل خطوة نقوم بها سمفونية من التعقيد المذهل. فلكي نحك أنفنا، على الدماغ أن يختار من ملايين ألياف العضلات أيها يجب أن ينقبض وبأي تسلسل، علماً أن هذه المهمة قد تنجز بطرق موازية لامتناهية.

بعد اختيار أي من الصيغ المحتملة سنعتمد، يميل الجسم إلى اختيار تلك التي تنفق المقدار الأقل من الطاقة.

استخدمت سيلنجر، بالتعاون مع مدير المختبر الدكتور ماكس دونيلان، رباط الركبة لتستكشف {الكسل} المتأصل في جسم الإنسان. تشير النتائج التي توصلا إليها، والتي نُشرت في مجلة Current Biology، إلى أن التعديلات المستمرة والآلية التي نجريها على حركاتنا تهدف إلى حرق مقدار طاقة أقل. يوضح دونيلان: {طوال الخمسين سنة الماضية، عرفنا أن الناس يفضلون طرق التحرك التي تحد من إنفاقهم الطاقة. لكننا نجهل كيفية تحقيق ذلك}.

على سبيل المثال، عندما نسير بسرعة محددة، نتبع وتيرة معينة (عدد الخطوات التي نقوم بها في الدقيقة). فيحد هذا من الطاقة التي ننفقها عند السير بهذه السرعة. ولا شك في أن هذه مهمة كبيرة بالنسبة إلى جسمنا، وهي تثير أسئلة مهمة: هل نجني فوائد من تعلم أسلوب ركض جيد، مثلاً، إن كان جسمنا قد توصل إلى وتيرة أكثر فاعلية وتوفيراً للطاقة؟

لا نعلم ما إذا كانت هذه الخصائص قد أظهرت خلال آلاف السنين من التطور، ما إذا كنا نتعلم هذه الأنماط فردياً مع التقدم في السن، أو ما إذا كنا نتعلمها باستمرار خلال تحركنا.

بغية اكتشاف الجواب، عدلت سيلنجر رباط ساق خارجياً طوره سابقاً مختبر دونيلان (يستغل هذا الرباط الطاقة المهدورة تماماً مثل المكابح المتجددة في السيارات الهجينة، وبإمكانه شحن أربعة هواتف خلوية بعد ساعة من المشي. تروج له شركة فرعية تُدعى Bionic Power. وقد حصلت على ملايين الدولارات كتمويل من الجيشين الأميركي والكندي).

استخدمت سيلنجر الرباط لتمارس مقداراً قليلاً من المقاومة على الركبة، ما جعل المشي أصعب نسبياً، سواء كان بوتيرة أسرع أو أبطأ. ويعني هذا أن الوتيرة التي يختارها الإنسان بالفطرة ما عادت الأكثر فاعلية. يوضح دونيلان: {نضع الناس في عالم جديد تنطبق عليه قواعد مختلفة}.

في التجارب الأولية، زودت سيلنجر المشاركين برباط الركبة وزادت المقاومة... فلم يحدث شيء. ظلوا يسيرون وفق وتيرتهم الأولى. تقر: {شكل هذا مفاجأة كبيرة بالنسبة إلي}. فبالمشي بكل بساطة على آلة المشي وفق وتيرة ثابتة، لم يملك المشاركون أي سبب (واعٍ أو غير واعٍ) للتفكير في أن المشي سيصبح أسهل، إن عدلوا وتيرتهم.

لا شك في أن المتغيرات في العالم الحقيقي، مثل المنحدرات وطبيعة الأرض، ترغم الناس على تبديل وتيرة خطواتهم. لذلك في المرحلة التالية من التجربة، طُلب من المشاركين القيام {برحلة موجَّهة} في عالمهم الجديد، متبعين إشارات بندول إيقاع لزيادة وتيرة مشيهم أو الحد منها وفق درجات معينة. وكانت المقاومة التي شكلتها الرباطة خفية كفاية، حتى إن المشاركين لم يعوا ما تأثيرها في تعديلهم خطواتهم. فقد ظن البعض خطأ أن سرعة آلة المشي كانت تتبدل.

ولكن عندما سمحت لهم سيلنجر مجدداً باختيار وتيرة مشيهم بحرية، عاد المشاركون في الحال إلى نقطة الفاعلية القصوى الجديدة. فقد سمحت تلك الدقائق القليلة من الاستكشاف لدماغهم باستيعاب قواعد العالم الجديد، متخطياً بالتالي خبرة طويلة وفق القواعد القديمة. ويشير هذا إلى  أن الجسم قادر بالفعل على تحسين استهلاك الطاقة بطريقة واعية.

من اللافت أن المشاركين وفروا مقداراً صغيراً من الطاقة: فخلال ساعة من المشي، يقدر دونيلان أن مقدار الطاقة التي وفروها يعادل تقريباً مقدار الطاقة التي تحتويها حبة فول سوداني واحدة. ولا شك في أن هذا دليل على مدى وعي جسمنا لاستهلاك الطاقة، أو بكلمات أخرى مدى {كسلها}.

ولكن كيف يقوم الجسم بكل هذه التعديلات؟ لا يزال الجواب موضوع جدل كبير، وفق الدكتور سامويل ماركورا، عالم فيزيولوجيا في جامعة كنت في بريطانيا لم يشارك في دراسة سيلنجر. فبدل الحد من كلفة الطاقة، ذكر في رسالة إلكترونية أن المشاركين يختارون بكل بساطة وتيرة أكثر سهولة، علماً أن هذا الخيار يتوافق غالباً (لا دوماً) مع توفير الطاقة.

تأمل سيلنجر ودونيلان الإجابة عن هذا السؤال مع تجارب إضافية تحدد الطرق التي يعتمدها الجسم ليقيم في الحال كلفة الطاقة. ومن الوسائل التي قد يعتمدانها أجهزة استشعار داخلية تحدد قوة العضلة وإطالتها، معدلات الأكسجين وثاني أكسيد الكربون في الدم، أو عمليات الأيض المرتبطة بالجهد، مثل اللاكتاز.

في الوقت الراهن، من الأفضل الاكتفاء بالخلاصة أن الجهاز العصبي المركزي يعمل بدأب، مهما كان النشاط الذي تقوم به، ليحرص على أن تنجزه بأفضل طريقة ممكنة. ويعني هذا أن التغيير العمدي في وتيرة الركض (بزيادة هذه الوتيرة مثلاً) سيجعلك على الأمد القصير على الأقل تحرق كمية أكبر من الطاقة.

لا يعني هذا أن من المستحيل أن تحسن أداءك في نشاطات مثل الركض, لكنه يُظهر أنك تستطيع بكل بساطة أن تقرر  زيادة فاعليتك. ولكن عليك أن تبدل جسمك: تخوض عملية بطيئة ومضنية تبني خلالها عضلات جديدة وتكتسب عادات مختلفة. وعندما تحقق ذلك، من المفرح أن دماغك يتولى الباقي.

back to top