هكذا تقيسين الخصوبة لديك

نشر في 17-08-2015
آخر تحديث 17-08-2015 | 00:01
ترتبط مسألة الخصوبة بعدد النساء اللواتي يسألن أنفسهن في مرحلة ما من حياتهن: متى يجب أن أبدأ بتأسيس عائلة؟ إن كنت تعرفين عدد الأولاد الذين تودين إنجابهم، وما إذا كان من المحتمل أن تلجئي إلى التلقيح في الأنبوب أو ما إذا كنت تتحملين كلفة خطوة مماثلة، يقترح عليك نموذج إلكتروني متى يجب أن تحاولي إنجاب طفلك الأول.
هل تكتفين بطفل؟ ينصحك النموذج الإلكتروني بالبدء في سن الثانية والثلاثين لتحظي بفرصة تحقيق حلمك من دون اللجوء إلى التلقيح في الأنبوب بنسبة 90%. أما إذا رغبت في إنجاب ثلاثة أولاد، فعليك البدء في الثالثة والعشرين لتحظي بفرصة النجاح نفسها. وإذا انتظرت حتى سن 35، فستتراجع هذه الفرصة إلى 50%.

تستند هذه الاقتراحات إلى معدلات مأخوذة من مجموعة من البيانات، لذلك لا تقدّم اقتراحات شخصية. ولا شك في أن مسألة الإنجاب ليست بهذه البساطة في الواقع، بما أن حجم العائلة والرأي الشخصي حيال التلقيح في الأنبوب ليسا العاملين الوحيدين اللذين يجب أخذهما في الاعتبار. لكن تهدف الفكرة وراء هذا النموذج إلى مساعدة الناس على اتخاذ القرار، بجمع كل المعلومات المتوافرة وتقديمها لهم بطريقة سهلة يمكنهم الاطلاع عليها.

ارتفاع سن الإنجاب

يذكر ديك هابيما، أحد معدي النموذج من جامعة إراسموس في روتيردام بهولندا: {حاولنا أن نسد الفجوة في عملية اتخاذ القرار. ابني في الخامسة والثلاثين من عمره ويواجه الكثير من أصدقائه مشكلة في تحديد متى يودون الإنجاب لأنهم يودون القيام بأمور شتى}.

يعيش كثيرون وضعاً مماثلاً. شهدت سن إنجاب الطفل الأول ارتفاعاً تدريجاً خلال السنوات الأخيرة تقريباً. على سبيل المثال، يبلغ معدل سن المرأة عند إنجابها طفلها الأول 28 سنة في المملكة المتحدة، ووصل إلى 30 في إيطاليا، إسبانيا وسويسرا. أما في الولايات المتحدة، فتراجع معدل الإنجاب للنساء في عشريناتهن  بشكل لم يسبق له مثيل، مع ارتفاع هذا المعدل بالنسبة إلى أولئك اللواتي تخطين سن 35 خلال العقود القليلة الأخيرة.

يُعتبر هذا القرار ملحاً بالنسبة إلى النساء بسبب عدد بويضاتهن المحدود، التي تتراجع من حيث الكمية والنوعية مع التقدم في السن. يعتقد الباحثون أن خصوبة المرأة تبدأ بالتراجع في سن الثلاثين، مع تراجع بارز بعد سن 35.

أما الرجال، فيملكون وقتاً أطول. يوضح آلن باسي، بروفسور في علم أمراض الرجال التناسلية في جامعة شيفيلد في المملكة المتحدة: {ندرك أن السن تؤثر في الرجل. لكن هذه التأثيرات لا تظهر بوضوح، إلا مع بلوغ الرجل عقده الخامس}.

يشمل النموذج الجديد بيانات من دراسات تقيّم كيفية تراجع الخصوبة طبيعياً مع السن. استمد الفريق معلوماته عن الخصوبة الطبيعية من بيانات عن الناس جُمعت طوال 300 سنة، وصولاً حتى سبعينيات القرن الماضي، بما فيها بيانات 58 ألف امرأة. صحيح أن هذه المعلومات اعتُبرت قديمة، بيد أنها تقدّم أفضل صورة عن الخصوبة بين مجموعة من الناس ما كانت تستعمل بانتظام وسائل منع الحمل، وفق هابيما.

يقول: {نحتاج إلى بيانات من مجتمعات يحاول فيها الأزواج إنجاب أكبر عدد ممكن من الأولاد. ولا شك في أن هذه المجتمعات نادرة}. ويؤكد أن الأرقام المسجلة قبل مئات السنين تتلاءم مع الأرقم التي سُجلت أخيراً.

نتائج مفاجئة

يشمل هذا النموذج، أيضاً، معلومات عن معدل نجاح عملية التلقيح في الأنبوب بالنسبة إلى النساء من مختلف الأعمار بالاستناد إلى أرقام عام 2013 في هولندا. لكن العامل الوحيد الذي يغفل عنه سن الوالد المحتملة. صحيح أن احتمال نقل الطفرات الجينية التي تزيد خطر إصابة الولد بحالات مثل الفصام، يرتفع مع تقدم الرجل في السن، غير أن السن لا تؤثر كثيراً، على ما يبدو، بخصوبة الثنائي إلى أن يبلغ الرجل أواخر أربعينياته. يشير هابيما: {تنطبق نتائجنا عموماً على الأسر التي لا يتخطى فيها سن الزوج الزوجة بأكثر من 10 سنوات}. ويؤكد باسي أن هذا منطقي، وأن النموذج {أفضل ما يكون}.

يستند النموذج إلى معدلات، لذلك لا ينطبق على كل امرأة على الصعيد الفردي، بما أن المتغيرات كثيرة. لكن يؤكد ديفيد كيفي من مركز لاغون الطبي في جامعة نيويورك أنه مفيد جداً. ويضيف: {يوضح بشكل جلي بعض الإحصاءات التي لا يفهمها كثيرون من الناس}.

يشكل بعض النتائج مفاجأة. على سبيل المثال، يبقى الحمل خياراً للنساء في مطلع أربعيناتهن، مع بلوغ فرصة الحمل 50%. في الطرف الآخر من الطيف، تبلغ السن المبكرة التي يقترح النموذج عندها البدء بالتفكير في الإنجاب، إن كنت تودين أن تكون فرص تأليف أسرة من ثلاثة أولاد، 23 سنة. وقد تشكل هذه السن صدمة لجيل ينتظر حتى أواخر عشريناته أو حتى مطلع ثلاثيناته للتفكير حتى في خطوة مماثلة.

ولكن عند التأمل ملياً في هذه المسألة، يذكر باسي أن هذه الأرقام تبدو منطقية. ويتابع موضحاً: {عليك أن تأخذ في الاعتبار أن أزواجاً كثيرين لا ينجبون الأولاد الواحد تلو الآخر بتعاقب سريع. يُظهر هذا النموذج أنك، إذا كنت تعلقين أهمية على إنجاب ثلاثة أولاد، تستطيعين الانتظار حتى تبلغي الخامسة والثلاثين. ولكن إن أردت أسرة من ثلاثة أولاد، فمن الضروري أن تبدئي بالإنجاب باكراً}.

تقنيات الإنجاب

يذكر يولا والدنستروم من معهد كارولينسكا في ستوكهولم بالسويد: {يبدو الشبان متفائلين جداً بشأن احتمال الإنجاب. كذلك يملكون ثقة كبيرة بتقنيات الإنجاب. يعتقدون بحق أن المرأة، إذا لم تتمكن من الحمل طبيعياً، تستطيع اللجوء إلى التلقيح في الأنبوب، مع أن النتائج غير مضمونة}.

يشير النموذج إلى أن التلقيح في الأنبوب يرفع سن البدء بتأسيس عائلة ببضع سنوات. يوضح هابيما: {للتلقيح في الأنبوب تأثير محدود. وقد يُفاجئ هذا الواقع كثيرين}.

يشير هابيما إلى أن عوامل أخرى تؤثر في القرارت التي يتخذها الوالدون المحتملون، مثل مسيرتهم المهنية واستقرار العلاقة، فضلاً عن توافر موارد رعاية الأولاد. يقول: {من الصعب إصدار توصيات. آمل أن يساهم هذا النموذج في تسهيل عملية اتخاذ القرار}.

يؤكد ألا داعي لأن تقلق النساء في ثلاثيناتهن اللواتي يردن الإنجاب. ويقول: {قد تفكر بعضهن: من الضروري أن أبدأ. لكن غالبيتهن لا يعلقن أهمية كبيرة على هذه المسألة. قد يساهم هذا النموذج في دفع النساء اللواتي يقفن عند الحدود الفاصلة في هذا الاتجاه أو ذاك. إلا أنني لا أود بالتأكيد إرغام الناس على تبديل حياتهم}.

يعتقد باسي أن من الضروري تبادل هذا الجدول على نطاق واسع. ويضيف: {ينبغي تصوير هذا الجدول وتعليقه على جدران العيادات. كذلك من الضروري توجيه هذه المعلومات إلى طلاب الكليات والجامعات، كي يعرفوا السبيل الأفضل إلى التخطيط لحياتهم}. ولعل الطريقة الفضلى لإيصال هذه المعلومات إلى الرجال والنساء الشبان من دون الضغط عليهم أو إخافتهم إدارج الوعي بشأن الخصوبة في دروس مسائل الحمل والتربية الجنسية في المدارس. بدأت برامج مماثلة تُطبق في السويد، وفق والدنستروم، وتخطط جمعية الخصوبة البريطانية لبرنامج مماثل في المملكة المتحدة.

يقول باسي: {لا نملك آلة سفر في الزمن يمكننا وضع الناس فيها. هذا هو الواقع المرّ. يظن الجميع أن بإمكانهم الانتظار. لكن هذا النموذج يؤكد لك أنك لا تستطيع ذلك}.

تُعتبر المعلومات التي يحتوي عليها نموذج الخصوبة بالغة الأهمية، لذلك لا بد من نشرها. شهدنا في الآونة الأخيرة الكثير من الدعاية حول تراجع الخصوبة مع التقدم في السن، مع أنها لا تستند كلها إلى معلومات علمية دقيقة. ولا شك في أنه موضوع مشحون عاطفياً وله عواقب كبيرة. لذلك يجب أن تكون المعلومات التي ننشرها دقيقة.

في يونيو مثلاً، اقترح أحد العلماء أن تلجأ النساء اللواتي لم يؤسسن عائلة في سن 35 إلى تجميد بويضاتهن. لكن لا يضمن ذلك نجاح المرأة في تأسيس عائلة. فلا تتجمد البويضات دوماً بشكل جيد، فضلاً عن أن على المرأة أن تجمّد عدداً كبيراً منها لتزيد فرص نجاحها.

علاوة على ذلك، اقترح بعض العلماء أن على الرجال تجميد سائلهم المنوي في الثامنة عشرة من عمرهم. وهذا أكثر سخفاً بعد. صحيح أن خصوبة الرجل تتراجع مع التقدم في السن. لكن تأثيرات هذا التراجع لا تصبح بارزة، إلا مع بلوغ الرجل أواخر أربعيناته.

يتوقع الشبان اليوم التمتع بسيطرة كاملة على كل تفاصيل حياتهم. باتت الرسائل عن الحمل غير المرغوب فيه واضحة: يمكنك التحكم في ذلك باستخدام وسائل منع الحمل. لكن مسألة الحمل أكثر تعقيداً وأقل وضوحاً، ولا تقتصر في معظم الحالات على توقف المرأة عن تناول حبوب منع الحمل.

من واجبنا تثقيف الناس بشأن تراجع الخصوبة مع التقدم في السن. أضف إلى ذلك مسألة تأمين فحوص الخصوبة للأزواج. في الوقت الراهن، لا تتوافر هذه الفحوص للأزواج الأصحاء. ولكن ما من سبب لعدم توافرها هذا.

يحتاج الأزواج إلى الدعم كي يبدأوا بتأسيس أسرة في مرحلة باكرة من حياتهم. فالنساء اللواتي ينجبن الأولاد في عشريناتهن يبلغن حجم الأسرة الذي يرغبن فيه، إلا أنهن لا يتوقعن تحقيق المكاسب المادية ذاتها كما النساء اللواتي ينجبن في مرحلة لاحقة من حياتهن. لذلك يجب أن نحرص على ألا تواجه النساء عقبات في العمل، مثل غياب مراكز رعاية الأطفال. وهكذا يتمكن الأزواج من بناء حياتهم المهنية والأسرية في وقت واحد.

back to top