يحكى أن (30-4): الحكيم رويان قتل الملك يونان بكتابٍ

نشر في 21-06-2015 | 00:02
آخر تحديث 21-06-2015 | 00:02
تواصل شهرزاد سرد الحكايات على الملك. تستكمل قصة وزير الملك يونان الذي بدأ يحرض الملك على طبيبه الحكيم رويان الذي شفى الملك من «البرص»، وهو المرض الذي عجز عنه الأطباء، مما دفع الملك إلى مكافأة الحكيم ووضع له في كل شهر ألف دينار.
نجح الوزير في إقناع الملك بقتل طبيبه لكن القدر لم يمهل الملك لتنفيذ قراره بقتل الحكيم.
لما كانت الليلة الرابعة، قالت شهرزاد: بلغني أيها الملك السعيد أن الملك يونان قال لوزيره: أيها الوزير، دخلك الحسد على هذا الحكيم فتريد أن أقتله وبعد ذلك أندم كما ندم الملك السندباد على قتل الباز. سأل الوزير: كيف كان ذلك؟ روى الملك يونان: كان ملك من ملوك الفرس يحب الرياضة والنزهة، والصيد والقنص، وكان له باز رباه، ولا يفارقه ليلاً أو نهاراً. يبيت طول الليل وهو يحمله على يده، وإذا طلع إلى الصيد يأخذه معه. عمل له طاسة من الذهب معلقة في رقبته يسقيه منها. بينما الملك جالساً إذا بالوكيل على طير الصيد يقول: يا ملك الزمان، هذا أوان الخروج إلى الصيد. استعد الملك للخروج، وأخذ البازي على يده، وساروا إلى أن وصلوا إلى واد نصبوا شبكة الصيد فيه، وإذا بغزالة أقبلت على الملك وشبت على رجليها وحطت يديها على صدرها كأنها تقبل الأرض للملك، فطأطأ الملك للغزالة ففرت من فوق دماغه... وراحت إلى البر... التفت الملك إلى العسكر فرأهم يتغامزون عليه، فقال: يا وزير... ماذا يقول العساكر؟ أجاب: يقولون إنك قلت كل من فاتت الغزالة من جهته يقتل فقال الملك: وحياة رأسي لأتتبعها حتى أجيء بها.

 مضى الملك في أثر الغزالة ولم يزل يجري وراءها، بينما البازي يطاردها ويضربها على عينها إلى أن أغماها ودوخها، فسحب الملك دبوساً وضربها فقتلها، ونزل فذبحها وسلخها وعلقها في قربوس السرج. وكانت ساعة حر، والمكان قفر لا يوجد فيه ماء فعطش الملك وعطش الحصان ثم رأى الملك شجرة ينزل منها ماء مثل السمن. كان الملك لابساً جلداً في كفه، فأخذ الطاسة من رقبة البازي وملأها من ذلك الماء، وإذا بالبازي يضرب الطاسة فيقلبها. أخذ الملك الطاسة ثانياً وملأها، وظن أن البازي عطشان فوضعها له، فقلبها. غضب الملك من البازي ثم ملأ الطاسة مرة ثالثة وقدمها للحصان، فقلبها البازي بجناحه. قال الملك: الله يخيبك يا أشام الطيور، حرمتني من الشرب وحرمت نفسك، وحرمت الحصان! ثم ضرب البازي بالسيف فرمى جناحيه فصار يقيم رأسه ويقول بالإشارة «انظر فوق الشجرة». رفع الملك عينيه فرأى فوق الشجرة حية، يسيل سمها، فندم على قص جناحي البازي. ثم قام وركب حصانه، وسار ومعه الغزالة حتى وصل إلى مكانه فألقى الغزالة إلى الطباخ وقال له: خذها واطبخها. ثم جلس على الكرسي والبازي على يده، فشهق البازي ومات، فصاح الملك حزناً وأسفاً على قتل البازي حيث خلصه من الهلاك، وهذا ما كان من حديث الملك السندباد. 

 

السياف والحكيم

 

تابعت شهرزاد: عندما سمع الوزير كلام الملك يونان قال له: أيها الملك العظيم الشأن، وما الذي فعلته أنا من الضرر ورأيت منه السوء؟ إنما أفعل معك هذا شفقة عليك، وستعلم صحة ذلك، فإن قبلت مني نجوت، وإلا هلكت كما هلك وزير كان احتال على ابن ملك من الملوك. كان لذلك الملك ولد مولع بالصيد والقنص، وكان له وزير، فأمر الملك ذلك الوزير أن يكون مع ابنه أينما توجه، فخرج يوماً من الأيام إلى الصيد والقنص، وخرج معه وزير أبيه، وساروا جميعاً حتى لاح لهم وحش كبير، فقال الوزير لابن الملك: دونك هذا الوحش فاطلبه، فقصده ابن الملك حتى غاب عن العين، وغاب عنه الوحش في البرية وتحيّر ابن الملك فلم يعرف أين يذهب، وإذا بجارية على رأس الطريق وهي تبكي، فسألها ابن الملك: من أنت؟ أجابت: بنت ملك من ملوك الهند، وكنت في البرية فأدركني النعاس فوقعت من فوق الدابة من غير أن أشعر بنفسي، فصرت منقطعة حائرة. لما سمع ابن الملك كلامها رق لحالها وحملها على ظهر دابته وأردفها، وسار حتى مر بجزيرة فقالت له الجارية: يا سيدي أريد أن أزيل ضرورة، فأنزلها إلى الجزيرة، ثم تأخرت فاستبطأها فدخل خلفها وهي لا تعلم به، فإذا هي غولة، وسمعها تقول لأولادها: يا أولادي قد أتيتكم اليوم بغلام سمين، فقالوا لها: أئتينا به أمنا نأكله في بطوننا. 

عندما سمع ابن الملك كلامهم أيقن بالهلاك، وارتعدت فرائصه، وخشى على نفسه ورجع. لما خرجت الغولة رأته كالخائف الوجل وهو يرتعد، فقالت له: ما بالك خائفاً؟ أجابها: إن لي عدواً وأنا خائف منه. فقالت الغولة: ألم تذكر أنك ابن ملك؟ قال: نعم. قالت له: مالك لا تعطي عدوك شيئاً من المال فترضيه به؟ فقال لها: لا يرضى بمال ولا يرضى إلا بالروح، وأنا خائف منه، وأنا رجل مظلوم. فقالت له: إن كنت مظلوماً كما تزعم فاستعن بالله عليه فإنه يكفيك شره وشر جميع ما تخافه.

رفع ابن الملك رأسه إلى السماء وقال: يا من يجيب المضطر إذا دعاه، وتكشف السوء، انصرني على عدوي، واصرفه عني، إنك على ما تشاء قدير. لما سمعت الغولة دعاءه انصرفت عنه، وانصرف ابن الملك إلى أبيه وحدثه بحديث الوزير. 

تابع الوزير: وأنت أيها الملك متى أمنت لهذا الحكيم قتلت أقبح القتلات، وإن كنت أحسنت إليه وقربته منك فإنه يدبر هلاكك. أما ترى أنه أبرأك من المرض من ظاهر الجسد بشيء أمسكته بيدك، فلا تأمن أن يهلكك بشيء تمسكه أيضاً. 

فقال الملك يونان: صدقت فقد يكون كما ذكرت أيها الوزير الناصح، فلعل هذا الحكيم أتى جاسوساً في طلب هلاكي، وإذا كان قد أبرأني بشيء أمسكته بيدي فإنه يقدر أن يهلكني بشيء أشمه. أيها الوزير كيف العمل فيه؟ 

أجاب الوزير: أرسل إليه في هذا الوقت واطلبه، فإن حضر فاضرب عنقه فتتفادى شره وتستريح منه، واغدر به قبل أن يغدر بك. 

قال الملك يونان: صدقت أيها الوزير. 

تابعت شهرزاد: أرسل الملك إلى الحكيم فحضر وهو فرحان ولا يعلم ما قدر الرحمن. 

قال له الملك: أتعلم لماذا أحضرتك؟ فقال الحكيم: لا يعلم الغيب إلا الله تعالى. فقال له الملك: أحضرتك لأقتلك.

 تعجب الحكيم رويان من تلك المقابلة غاية العجب، وقال: أيها الملك لماذا تقتلني وأي ذنب بدا مني؟ 

اجاب الملك: قد قيل لي إنك جاسوس أتيت لتقتلني، وها أنا أقتلك قبل أن تقتلني!

صاح الملك على السياف وقال له: اضرب رقبة هذا الغدار وأرحنا من شره. فقال الحكيم: أبقني يبقيك الله ولا تقتلني يحفظك الله. 

 

خاص الخاص

 

روت شهرزاد: قال الملك يونان للحكيم رويان: إني لا أمن إلا إذا قتلتك فإنك أبرأتني بشيء أمسكته بيدي، فلا آمن أن تقتلني بشيء أشمه أو غير ذلك. قال الحكيم: أيها الملك أهذا جزائي منك أن تقابل المليح بالقبيح؟ فقال الملك: لا بد من قتلك من غير مهلة. 

لما تحقق أن الملك قاتله لا محالة بكى وتأسف على ما صنع من الجميل مع غير أهله، وتقدم السياف وغطى عينيه وشهر سيفه وقال: إئذن.. والحكيم يبكي ويقول للملك: أبقني يبقيك الله ولا تقتلني يحفظك الله وأنشد قول الشاعر: 

نصحت فلم أفلح وغشوا فأفلحوا

فأوقعني نصحـــــــــــــــــي بدار هوان 

فإن عشت لم أنصح وإن مت فانع لي 

ذوي النصح من بعدي بكل لسان 

 

وقال الحكيم للملك: أيكون هذا جزائي منك فتجازيني مجازاة التمساح؟ سأل الملك: وما حكاية التمساح؟ أجاب الحكيم: لا يمكنني أن أقولها وأنا في هذه الحال، فبالله عليك أبقني يبقيك الله. 

بكى الحكيم بكاء شديداً، فقام أحد خواص الملك وقال: أيها الملك هب لنا دم هذا الحكيم، لأننا ما رأيناه فعل معك ذنباً، وما رأيناه إلا أبرأك من مرضك الذي أعيا الأطباء والحكماء. 

قال لهم الملك: أنتم لا تعرفون سبب قتلي لهذا الحكيم. إن أبقيته فأنا هالك لا محالة. من أبرأني من المرض الذي كان بي بشيء أمسكته بيدي، يمكنه أن يقتلني بشيء أشمه. أنا أخاف أن يقتلني لأنه ربما كان جاسوساً وما جاء إلا ليقتلني، فلا بد من قتله وبعد ذلك آمن على نفسي! 

لما تحقق الحكيم، أيها العفريت، أن الملك قاتله لا محالة قال له: أيها الملك إن كان لا بد من قتلي فأمهلني حتى أنزل إلى داري فأخلص نفسي من الديون وأوصي أهلي وجيراني أن يدفنوني وأهب كتب الطب، وعندي كتاب «خاص الخاص» أهبه لك هدية تدخره في خزانتك. 

قال الملك للحكيم: ما هذا الكتاب؟ 

أجاب: فيه شيء لا يحصى، وأقل ما فيه من الأسرار أنك إذا قطعت رأسي وفتحته وعددت ثلاث ورقات ثم تقرأ ثلاثة أسطر من الصحيفة التي على يسارك فإن الرأس يكلمك ويجاوبك عن جميع ما تسأل عنه! 

تعجب الملك غاية العجب، واهتز من الطرب، وقال له: أيها الحكيم، هل إذا قطعت رأسك تكلمت؟ 

قال: نعم أيها الملك وهذا أمر عجيب! 

أرسله الملك، فنزل الحكيم إلى داره وقضى أشغاله في ذلك اليوم. في اليوم الثاني، طلع الحكيم إلى الديوان ووقف إزاء الملك ومعه كتاب عتيق ومكحلة فيها ذرور، وجلس وقال: أعطوني طبقاً، فأتوه بطبق كب فيه الذرور وفرشه. تابع: أيها الملك خذ هذا الكتاب ولا تعمل به حتى تقطع رأسي فإذا قطعته فاجعله في هذا الطبق وأأمر بكبسه على هذا الذرور، فإذا فعلت ذلك فإن دمه ينقطع ثم افتح الكتاب. 

وأراد الملك تصفح الكتاب فوجد أوراقه ملتصقة، فوضع أصبعه في فمه وبلّها بريقه وفتح أول ورقة، ثم الثانية والثالثة، والورق لا ينفتح إلا بجهد، ولكنه بعد فتح ست ورقات لم يجد أية كتابة فقال الملك: أيها الحكيم، ما فيه شيء مكتوب! 

قال الحكيم: استمر أيها الملك في تصفحه فلم يكن إلا قليل من الزمان حتى سرى فيه السم لوقته وساعته، لأن الكتاب كان مسموماً، فعند ذلك تزحزح الملك وصاح: قد سرى في جسمي السم فأنشد الحكيم رويان يقول:

 

تحكموا فاستطالوا في حكومتهم

عن قليل كأن الحكم لم يكن 

لو أنصفوا أنصفوا لكن بغوا فبغى

عليهم الدهر بالآفات والمحن 

وأصبحوا ولسان الحال ينشدهم:

هذا بذاك ولا عتب على الزمن 

 

لما فرغ رويان من كلامه سقط الملك ميتاً من وقته. 

وتابعت شهرزاد: ثم قال الصياد للعفريت: إن الملك يونان لو أبقى الحكيم رويان لأبقاه الله ولكنه أبى وطلب قتله فقتله الله. وأنت كذلك أيها العفريت لو أبقيتني لأبقاك الله!

قالت شهر زاد: بلغني أيها الملك أن الصياد قال للعفريت: لو أبقيتني لأبقيتك لكنك أردت قتلي فأنا أقتلك محبوساً في هذا القمقم وألقيك في هذا البحر فصرخ المارد: بالله عليك أيها الصياد لا تفعل وأبقني كرماً، ولا تؤاخذني بعملي فإذا كنت أنا مسيئاً فكن أنت محسناً، وفي الأمثال السائرة: يا محسنا لمن أساء كفى المسيء فعله، ولا تعمل كما عمل أمامة مع عاتكة. سأل الصياد: وما شأنهما؟ قال العفريت: ما هذا وقت حديث، إنني في السجن الآن فإذا أخرجتني منه حدثتك بشأنها. قال الصياد: لا بد من إلقائك في البحر، ولا سبيل إلى إخراجك منه، لقد استعطفتك وتضرعت إليك وأنت تريد قتلي من غير ذنب بل ما فعلت بك شرا قط، ولم أفعل معك إلا خيراً إذا أخرجتك من السجن، وقد تبين لي من فعلك معي أنك سيئ الأصل ولذلك أرميك في هذا البحر لتقيم بسجنك فيه إلى آخر الزمان حيث ترى أنواع العذاب. 

قال له العفريت: أطلقني فهذا وقت المروءات وأنا أعاهدك على أني لا أسيء إليك أبداً، بل أنفعك بشيء يغنيك دائماً. أخذ الصياد عليه العهد أنه إذا أطلقه لا يؤذيه أبداً بل يعمل معه الجميل. لما استوثق منه بالإيمان والعهود وحلّفه باسم الله الأعظم، فتح له الصياد فتصاعد الدخان حتى خرج وتكامل فصار عفريتاً مشوه الخلقة ورفس القمقم فرماه في البحر. عندما رأه الصياد رمى القمقم في البحر أيقن بالهلاك، وقال: ليست هذه علامة خير. ثم قوى قلبه وقال: أيها العفريت، قال الله تعالى: وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسؤولاً، وأنت قد عاهدتني وحلفت أنك لا تغدر بي فإن غدرت بي يجزك الله، فإنه عادل يمهل ولا يهمل وأنا قلت لك مثلما قال الحكيم رويان للملك يونان: أبقني يبقيك الله! 

ضحك العفريت ومشى، وقال: أيها الصياد اتبعني. مشى الصياد وراءه وهو لا يصدق بالنجاة، إلى أن وصلا إلى خارج المدينة وطلعا على جبل ونزلا إلى برية متسعة، وإذا في وسطها بركة ماء. وقف العفريت عليها وأمر الصياد أن يطرح الشبكة ويصطاد. 

نظر الصياد إلى البركة ورأى السمك ألواناً بينها الأبيض والأحمر والأزرق والأصفر، فتعجب من ذلك، ثم طرح شبكته وجذبها فوجد فيها أربع سمكات كل سمكة بلون، فلما رأها فرح بها، ثم قال له العفريت: ادخل بها على السلطان وقدمها إليه، فإنه يعطيك ما يغنيك، وبالله اقبل عذري فإنني في هذا الوقت لا أعرف طريقاً، فأنا في هذا البحر منذ ألف وثمانمئة عام، ما رأيت ظاهر الدنيا إلا في هذه الساعة، ولا تصطد منها كل يوم إلا مرة واحدة واستودعك الله ثم دق الأرض بقدميه فانشقت وابتلعته. 

تابعت شهرزاد: «مضى الصياد إلى المدينة وهو متعجب مما جرى له مع هذا العفريت، ثم أخذ السمك ودخل به منزله وأتى بماجور ملأه ماء وحط فيه السمك. حمل الماجور فوق رأسه وقصد به قصر الملك كما أمره العفريت، فلما طلع الصياد إلى الملك وقدم له السمك، تعجب غاية العجب من ذلك السمك الذي قدمه إليه الصياد لأنه لم ير في عمره مثله صفه ولا شكلاً، وقال: هذا السمك للجارية الطباخة، وكانت هذه الجارية قد أهداها له مهلك الروم منذ ثلاثة أيام ولم يجربها في طبيخ، فأمرها أن تقليه، وقال لها: يا جارية إن الملك يقول لك ما ادخرت دمعتي إلا لشدتي ففرجينا اليوم على طهيك وحسن طبخك فهذه هدية جاءت للسلطان. ثم رجع بعدما أوصاها فأمر الملك أن يعطي الصياد أربعمائة دينار، فأعطاه الوزير إياها، فأخذها في حجره وتوجه إلى منزله وهو فرحان مسرور، ثم اشترى لعياله ما يحتاجون إليه. 

 

 

السمك يتكلم

 

هذا ما كان من أمر الصياد. أما ما كان من أمر الجارية، فإنها أخذت السمك ونظفته ورصته في الطاجن، ثم تركته حتى استوى وجهه وقلبته على الوجه الثاني، وإذا بحائط المطبخ قد انشق وخرجت منه صبية رشيقة القد، أسيلة الخد، كاملة الوصف، كحيلة الطرف، بوجه مليح، وقد رجيح لابسة كوفية من خز أزرق، وفي أذنيها حلق، وفي معصميها أساور، وفي أصابعها خواتم بالفصوص الثمينة، وفي يدها قضيب من الخيزران غرسته في الطاجن وقالت: يا سمك هل أنت على العهد مقيم؟ لما رأت الجارية هذا غشى عليها، بينما أعادت الصبية القول ثانياً وثالثاً فرفع السمك رأسه في الطاجن وقال: نعم نعم! قلبت الصبية الطاجن وخرجت من الموضع الذي دخلت منه، والتحم حائط المطبخ! 

أفاقت الجارية فرأت السمكات الأربع محروقة مثل الفحم الأسود، فقالت لنفسها: من أول غزوته، حصل كسر عصبته!... وفيما هي تعاتب نفسها إذا بالوزير قد حضر ووقف على رأسها وقال لها: هاتي السمك للسلطان. بكت الجارية وأخبرت الوزير بالذي جرى، فتعجب الوزير من ذلك وقال: ما هذا الا أمر عجاب! 

أرسل إلى الصياد فأتوا به إليه، فقال له: أيها الصياد لا بد من أن تجيء لنا بأربع سمكات مثل التي جئت بها أولا. خرج الصياد إلى البركة وطرح شبكته ثم جذبها فوجد بها أربع سمكات فأخذها وجاء بها إلى الوزير، فدخل بها الوزير إلى الجارية وقال لها: اقليها وأنا موجود حتى أرى هذه القضية. قامت الجارية وأصلحت السمك ووضعته في الطاجن على النار، فما استقر إلا قليلاً وإذا بالحائط قد انشق، والصبية قد ظهرت لابسة ملبسها وفي يدها القضيب فغرزته في الطاجن وقالت: يا سمك يا سمك هل أنت على العهد القديم مقيم؟ فرفعت السمكات روؤسها وقالت: نعم نعم! 

وأدرك شهر زاد الصباح، فسكتت عن الكلام المباح! 

وإلى حلقة الغد

 

back to top