لم أتثاءب عندما أشعر بالتوتر أو الإجهاد؟

نشر في 21-07-2015 | 00:01
آخر تحديث 21-07-2015 | 00:01
No Image Caption
يقوم الرياضيون بذلك قبل المباريات، كذلك عازفو الكمان في الحفلات الكبرى قبل اعتلاء المسرح. حتى الجنود المظليون يفعلون ذلك قبل القفز من الطائرة للمرة الأولى. من بين كل ردود الفعل الجسدية التلقائية التي يختبرها الإنسان قبل حدث مجهد، لا يبدو التثاؤب مستبعداً فحسب، بل سخيفاً أيضاً، على غرار العطس باستمرار قبل عراك بالسكاكين.
يربط كثيرون منا (وهم محقون) هذه التثاؤبات التي تدوم من 3 إلى 6 ثوانٍ بالنعاس والسأم، لا بالمهام التي تتطلب جرأة ومهارة. يوضح روبرت بروفين، عالم أعصاب من جامعة ماريلاند ومؤلف كتاب Curious Behavior: Yawning, Laughing, Hiccupping, and Beyond (سلوك غريب: التثاؤب، الضحك، الحاذوقة، وغيرها)، أننا نكثر من التثاؤب عندما نشعر بالتعب. ويضيف: {نتثاءب أيضاً عند الاستيقاظ وقبل الخلود إلى النوم، ما يتلاءم مع دور التثاؤب كوسيلة لتسهيل الانتقال من مرحلة إلى أخرى: النوم إلى اليقظة، اليقظة إلى النوم، التنبه إلى عدم التنبه، والعكس}.

لكن عمل التثاؤب لا يقتصر على تسهيل تغيير الحالة النفسية. يبدأ الجنين البشري بالتثاؤب في الرحم من عمر 20 أسبوعاً. كذلك يتثاءب الكلب باستمرار عندما يُطلب منه القيام بمهام صعبة (وقت الحمام، فلة!). ومن الممكن أنك تثاءبت مع بدء قراءة هذاالمقال (تؤدي رؤية التثاؤب، القراءة عنه، أو سماعه إلى التثاؤب أيضاً). باختصار، لا يزال التثاؤب أحد أنماط سلوك الفقريات المبهمة، وينطبق ذلك خصوصاً على التثاؤب بسبب القلق أو الإجهاد.

يشير بروفين: {لا شك في أن مَن يشعرون بتوتر يتثاءبون أكثر من غيرهم. لكننا لم نحظَ بكثير من الدراسات المتقنة التي تتناول السبب}. صحيح أن ذلك لم يمنع وكالات، مثل إدارة سلامة النقل، من إدراج {التثاؤب المفرط} في لائحتها من 92 نقطة لأنماط سلوك السائق المريبة (ربما عليها أن تركز أكثر على الأسلحة)، لكن أهمية التثاؤب العاطفية لا تزال تشكل لغزاً علمياً.

تهديدات وصراع

إليك ما نعرفه: تميل الزواحف، العصافير، الثدييات، والأسماك إلى التثاؤب كثيراً قبل (وأحياناً خلال) الصراعات وغيرها من النشاطات المسببة للإجهاد. في إحدى الدراسات، لاحظ الباحثون أن الأسماك السيامية المتقاتلة تتثاءب مرات خلال المواجهات العدائية إحداها مع الأخرى. على نحو مماثل، أظهرت دراسات عدة أن قردة المكاك تتثاءب رداً على تهديدات الذكور المختلفة، عندما تعاني نوبات من الغيرة الجنسية، والقلق.

ففي دراسة نُشرت أخيراً في مجلة Neuroscience Letters، استخدم باحثون يابانيون الخوف التقليدي ليحفز التثاؤب بنجاح لدى الجرذان. ولكن صحيح أن العلماء الذين برهنوا مراراً الرابط بين الإجهاد والتثاؤب، لا يعرفون الشيء الكثير غير أنه يرتبط بالحصين، جزء من الدماغ معني بوظائف مثل تناول الطعام، التوازن الأيضي، ضغط الدم، نبض القلب، والسلوك الجنسي.

يقترح بعض علماء النفس، بمن فيهم بروفين، أن التثاؤب قلقاً قد يشكل مثالاً لما يُعرف بالنشاط الانزعاجي، أي سلوك ناجم عن وضع غير مريح أو مقلق ويبدو في غير محله. وتشمل الأمثلة على سلوك مماثل في الإنسان حك الرأس، تمسيد لحية غير موجودة، أو إمساك طرف الأذن بشكل متكرر. ونلاحظ هذا السلوك أيضاً بين الحيوانات. هل سبق أن رأيت هرة تحاول اصطياد عصفور، تخطئ، فتبدأ في الحال في تنظيف نفسها؟ لا تشكل هذه مجرد محاولة لتناسي الأمر، بل سلوك انزعاجي.

بما أن السلوك الانزعاجي يشكل إشارة إلى الإجهاد ويشمل تصرفات هدفها التهدئة، فهو يتلاءم أيضاً مع كامل نموذج تبديل الحالة المرتبطة بالتثاؤب. لكن ذلك يترك أسئلة من دون جواب: هل يسبب التثاؤب بحد ذاته تبديل النشاط، أم أن هذه التغييرات في النشاط هي ما يسبب التثاؤب؟ وما الهدف النفسي وراء التثاؤب في حالة مماثلة؟ وإن كان يحدّ من الإجهاد، فكيف يحدث ذلك؟

دور التثاؤب

يرتبط أحد مفاتيح الإجابة عن هذه الأسئلة بدور التثاؤب الواضح في ضبط الحرارة. يوضح أندرو غالوب، بروفسور مساعد متخصص في علم النفس في جامعة ولاية نيويورك في أونيونتا، أن التثاؤب قد يساعد في إبقاء حرارة الدماغ 37 درجة مئوية، علماً أن هذه الحرارة المثالية. ويعتقد غالوب أن هذا مهم لأن الدماغ يكره أن ترتفع حرارته. ومن الممكن لما يُدعى «الرأس الساخن» إلى مسائل كثيرة من تراجع وقت ردة الفعل إلى سوء أداء الذاكرة، وفق غالوب.

في دراسة تناولت عام 2010 تأثير التثاؤب  في درجة حرارة الدماغ، زرع غالوب مسابر في أدمغة جرذان، واكتشف أن ارتفاع حرارة الدماغ بمقدار 0.18 درجة فهرنهايت فقط يسبب التثاؤب. كذلك لاحظ أن حرارة الجمجمة تنخفض بسرعة بعد أن ينتهي الجرذ من التثاؤب، أحياناً بمقدار 0.7 درجة فهرنهايت.

يعتقد غالوب أن أدمغتنا البشرية تتفاعل بالطريقة عينها. تعتبر نظريتها أن فكنا المفتوح، عندما نتثاءب، تزداد الدورة الدموية في الجمجمة، ما يدفع الدم الساخن خارج الدماغ. كذلك يدفع التنفس العميق خلال التثاؤب الهواء إلى داخل التجاويف الأنفية والفموية، ما يبرّد شرايين الرأس ويبدد الحرارة، وفق غالوب.

يبدو أن هذه الفكرة تحظى بالدعم في الوقت الراهن. فقد أظهرت دراسات أخيرة أن الناس يتثاءبون أكثر خلال الصيف منه خلال الشتاء، وأن الطقس البارد والقيام بأمور مثل القفز في حوض ماء بارد يحدان كثيراً من وتيرة التثاؤب.

حرارة الدماغ

في الإطار عينه، يؤدي الإجهاد والقلق إلى ارتفاع حرارة الدماغ، وفق غالوب. ويوافقه سيمون تومبسون، عالم أعصاب وعالم نفس سريري في جامعة بورنماوث في المملكة المتحدة، الرأي، ويؤكد أن التثاؤب قد يشكل طريقة دماغنا لمواجهة حالة ارتفاع الحرارة غير المرحب بها.

أظهرت أبحاث تومبسون نفسه أن التثاؤب يؤدي غالباً إلى رفع معدلات الكورتيزول في الدم، وأن هذا بدوره يساهم في رفع هذه المعدلات أكثر. لا شك في أن جسمنا ينتج أيضاً هرمون الكورتيزول عندما نتعرض للإجهاد، وأن هذه الزيادة تحفز، وفق تومبسون، إنتاج الأدرينالين لجعلنا أكثر تيقظاً، وتعلم الجزء المسؤول عن ضبط الحرارة في دماغنا، الحصين، أن عليه تبريد الدماغ.

صحيح أن هذا بعيد كل البعد عن أن يكون توضيحاً علمياً للتثاؤب الناتج عن الإجهاد، إلا أنه يشير، على ما يبدو، إلى أن الرؤوس الباردة هي الأفضل.

back to top