إسرائيل تعيد النظر في مناهج تاريخها (2-2)

نشر في 23-07-2015
آخر تحديث 23-07-2015 | 00:01
السؤال الذي يطرح نفسه: في ظل هذا المجهود التاريخي للأكاديميين الإسرائيليين في نقد تاريخهم وإعادة كتابته مع تخفيف التعصب الديني والقومي، هل يمتلك الأكاديميون العرب في جامعات العالم العربي الحرية نفسها؟! وهل في مكتباتنا مراجع كثيرة عن المناهج الإسرائيلية والمدارس والإدارة التربوية والجامعات في «الدولة العبرية»؟!
 خليل علي حيدر وبالفعل أعدت كتب التاريخ الجديد من الصف السادس حتى الصف التاسع وفق الخطة الجديدة، وحتى ذلك الوقت، أي سنة 1995 "كان طلاب هذه الصفوف يتعلمون تاريخ اليهود منذ أيام مملكة داود حتى دولة إسرائيل، وكان تاريخ الثقافات والشعوب الأخرى يدمج في مسيرة تاريخية هي في الأساس تاريخ اليهود". (عن بحث يورام حزوني وآخرين "الثورة الصامتة في تدريس تاريخ الصهيوينة: بحث مقارن في كتب وزارة المعارف"، القدس 2000، ص48- الدليل ص424).

ويقول د. أبو عصبة إن الخطة المنهجية الجديدة ألغت الأقسام التي تتحدث عن التاريخ اليهودي القديم، وأحلت محلها تاريخ الحضارات القديمة، مثل اليونان، ولا يؤتى إلى ذكر اليهود في الخطة الجديدة إلا في الوحدة الرابعة، من خلال وصف وقوع اليهود تحت الحكم اليوناني، كما أن وجهة النظر اليهودية والأحداث ذات العلاقة بالحركة الصهيونية تم اختزالها وتقليل أهميتها، وكان الكتاب الذي ألفه موظفو وزارة المعارف يخصص نحو 67% من مجمل المواد ومحتويات الكتاب لتاريخ الصهيونية ولتاريخ المحرقة النازية ولإقامة دولة إسرائيل "أما في الكتاب الجديد فإن هذه المواد تشكل فقط أقل من 30% من مجمل المواد، وفي كثير من الحالات هناك تجاهل لتاريخ الصهيونية بشكل مطلق، وفي حين امتد وصف أنشطة الحركات الصهيونية العسكرية على 14 صفحة في الكتاب الأول، لم يحظ وصف هذه الأنشطة بأكثر من 4 كلمات في الكتاب الجديد".

 ويضع الكتاب الجديد الحركة الصهيونية والحركة الوطنية الفلسطينية، فيقول د. أبو عصبة، في المستوى نفسه، وخصوصا بالمعنى الأخلاقي "على اعتبار أنهما حركتان قوميتان تتصارعان بشأن الوطن نفسه، وهناك ذكر لدعاوى الحركتين في حقهما في إقامة الوطن القومي، وفي حين عرضت الكتب السابقة الوقائع من وجهة نظر إيجابيتها أو سلبيتها بالنسبة إلى اليهود، يعرض الكتاب الجديد الوقائع نفسها من وجهة نظر غير متحيزة، بدرجة ما، قيميا وعاطفيا".

وبخصوص مشكلة اللاجئين ينص الكتاب على أن لجوء الفلسطينيين "كان جزئيا عملية طرد قامت بها القوى المسلحة اليهودية"، وذلك على خلاف الدولة اليهودية التي تروي وقائع دخول الجيوش العربية فلسطين، والأعمال العدائية التي نفذها الفلسطينيون، كما نلاحظ أن الرؤية نفسها تتناول حرب 1967، حيث يقول الكتاب إن الحرب كانت نتيجة "توتر بدأ بإسقاط إسرائيل طائرتي ميغ سوريتين".

فكتب التاريخ الوطني في المناهج الإسرائيلية محصلة صراع بين مدرستي تفكير مختلفتين؛ مدرسة النهج الأكاديمي التي تؤكد ضرورة الموضوعية وتجنب التحيز، مقابل مدرسة النهج القومي أو الوطني الإسرائيلي، التي تنظر إلى التعليم كأداة في يد الدولة لغرس القيم القومية، ومن أسباب هذه التحولات المنهجية الحاجة إلى التعامل مع بعض الدول العربية، وإلى بروز مفاهيم جديدة مثل "التعليم من أجل الديمقراطية" و"التعددية والتسامح من أجل الآخرين" و"احترام الأقليات".

إلى جانب هذه التغييرات في صياغة المناهج المدرسية امتدت مجهودات التوجه الجديد لتشمل الآثار والحضارات الأخرى، ومنها خطة تعليم الآثار للمدارس الثانوية سنة 1995، فبعد التركيز على فرضية أن اليهود يعودون إلى أرض إسرائيل التاريخية، وأن البحث في الآثار يهدف إلى ترسيخ هذه الفكرة، رأت الخطة التي قدمتها "لجنة تسغرير" أن الهدف هو تعليم الطلاب الإسرائيليين "المجتمعات التي عاشت وأنتجت حضارة في الشرق في العهود القديمة"، مع التركيز على حضارة الإنسان وتراث الحضارة العالمية.

وبين الأهداف العشرة التي تتصدر خطة "لجنة تسغرير" المشار إليها يلاحظ الباحثون "ليس هناك ذكر لليهود أو للتاريخ اليهودي أو للثقافة والدين اليهوديين".

وكانت الخطة السابقة منذ سنة 1976 تهدف إلى ترسيخ الهوية اليهودية، بهدف التضامن مع الشعب اليهودي، ودراسة ظروف تشكيل دولة إسرائيل، جرى التركيز على مفهوم "أن نكون مواطنين في إسرائيل، دولة يهودية وديمقراطية".

وفي الكتاب الذي أعده طاقم من شعبة المناهج في وزارة المعارف، 160 صفحة، تم التأكيد على ترسيخ قيمة الديمقراطية والانفتاح، وتوضيح أفضلية الديمقراطية على أي نظام آخر، وتضمن الكتاب كذلك محاولة لإقناع الطالب بأن الدولة القومية "ليست هي الدولة التي يجب أن تشكل هدفا للفرد، لأن هذه التجربة لم تكن ناجحة، وليس هناك مَثَل لدولة قومية يمكن اعتباره مثلا ناجحا يقتدى به".

 ولا يلاحظ في الفصل المخصص لدولة إسرائيل، يقول الباحث، "أن المؤلفة بذلت مجهودا فكريا لترسيخ فكرة أن تكون الدولة (إسرائيل) يهودية". (ص428).

والسؤال الذي يطرح نفسه هنا، في ظل هذا المجهود التاريخي للأكاديميين الإسرائيليين في نقد تاريخهم، وإعادة كتابته مع تخفيف التعصب الديني والقومي، هل يمتلك الأكاديميون العرب في جامعات العالم العربي الحرية نفسها؟!

ثانياً: هل في مكتباتنا مراجع كثيرة عن المناهج الإسرائيلية والمدارس والإدارة التربوية والجامعات في "الدولة العبرية"؟!

back to top