هل أثور غضباً؟

نشر في 02-01-2016 | 00:00
آخر تحديث 02-01-2016 | 00:00
No Image Caption
تشبّه ثورة الغضب غالباً بفورة الحليب، الذي يرتفع سريعاً عندما نضعه على النار. يُستخدم هذا التشبيه عادة لوصف مَن يتبدل طبعهم بسرعة، فيثورون غضباً، إلا أنهم سرعان ما يهدأون، على غرار الحليب الذي يفور بسرعة على النار، بيد أنه يعاود الهبوط بالسرعة عينها عندما نرفعه عن النار. وإن كان هذا الوصف ينطبق عليك، فمن الضروري أن تتعلم التحكم في طبعك كي تحسن علاقاتك بالآخرين.

هل ترغب في فهم غضبك والسيطرة عليه؟ إليك بعض المعلومات التي تساعدك على العيش حياة أفضل والتفاعل مع الآخرين باتزان.

أحسن استخدام الغضب

أتريد أن تتفادى تراكم الغضب داخلك؟ ألا تنفجر غاضباً لأن أحد زملائك ارتكب خطأ؟ ألا تشعر بالاستياء لأن شريك حياتك لا يشارك في الأعمال المنزلية؟ ألا تغضب لأنك اخترت صف الانتظار     الخطأ؟... إن كان الغضب مفرطاً، فقد تعرض غيرك للخطر، فضلاً عن علاقاتك الشخصية، الاجتماعية، والمهنية.

لا يشمل التحكّم الجيد في الغضب التخلي عن كل شيء أو كشف كامل مكنوناتك أمام الجميع. عليك أن تتعلم عيش لحظات الاستياء التي لا مفر منها يومياً، قبول ذاتك، وتقبل واقع أن الآخرين قد لا يكونون بالتحديد كما نودهم أن يكونوا. تقبل خيبات الأمل والاستياء من دون الشعور بالغضب والتعبير عن مشاعر الانزعاج والرفض وتفادي كبتها: هذه مفاتيح السيطرة الجيدة على الغضب. يشير الخبراء الذين يعملون على الإجهاد السلبي في الشركات والمؤسسات: «من المتوقع أن يولّد مجتمع الوفرة أفراداً لا يشعرون بالرضا، عدائيين، ودائمي الغضب. ولكن ألا يجب أن تعرب البشرية التي تعيش في رخاء عن الفرح والحكمة في حياتها اليومية؟ رغم ذلك، يتجلى الغضب غالباً في حياتنا بسبب ذرائع مختلفة. لا شك في أن الأشكال التي قد يتخذها الغضب كثيرة، مثل الاستياء، العصبية، اليأس، قلة الصبر، السخط، العدائية، التأفف، العنف، الغضب الداخلي، أو نوبات الغضب. ولكل منا طريقته في التعبير عن غضبه وإظهاره في حياته. لكن الغضب مقبول عموماً. نستشير مثلاً طبيباً نفسياً لأننا نعاني القلق أو الكآبة، إلا أننا قلما نلجأ إليه لأننا غاضبون. ولكن هل نعي أن الغضب شعور سلبي؟».

غضب غير مفهوم ومرفوض

من الضروري أن نفهم أن مجتمعنا لا يتقبل الغضب برحابة صدر. لذلك تُعتبر نوبة الغضب عادةً إشارة إلى عدم التحضر وإخفاقاً في التحكم في الإجهاد، حتى إن البعض يعزوها إلى تعبير عن الهلع أو بداية الجنون، ما يتطلب رعاية سريعة. وترجع وجهات النظر هذه إلى أسباب شتى:

• أولاً، يمثل الغضب الوجهة المظلمة من شخصية الإنسان. فيذكّر العنف بالكلام والسلوك، على حد سواء، كلاً منا أن في الإنسان الخير كما الشر. نتيجة لذلك، يرسم الغضب أمامنا صورة سلبية عن حالتنا البشرية.

• ثانياً، يُعتبر الغضب نقيض البحث عن خير الإنسان الذي يسيطر على عصرنا هذا. يدفعنا الغضب إلى الشعور بالقلق لأنه يولد العنف الذي يسبب بدوره مزيداً من العنف الذي لا يود أحد التعرض له.

• صحيح أن الغضب يُصنف من المشاعر المكروهة والمرفوضة، إلا أنه يشكل، رغم ذلك، جزءاً لا يتجزأ من شخصيتنا. فيؤلف الغضب مع الفرح، الحزن، الاشمئزاز، الخوف، والمفاجأة مشاعرنا الستة الأساسية التي تسمح لنا باختبار الأحاسيس الثانوية الأخرى (على سبيل المثال، يشكل الخزي خليطاً من الحزن، الاشمئزاز، والغضب).

لا مفر منه أحياناً

• لا بد من الإشارة في هذا الصدد إلى أن لا مفر من الغضب أحياناً. فهو يشكل سلاح الردع في دفاعنا عن مصالحنا. يتيح لنا الغضب مثلاً:

• رسم الحدود (إفهام محاورنا أنه تخطى الحدود التي  نسمح بها).

• ضبط موازين القوى (التأكيد أننا لا نخشى المواجهة، وبذلك يكون الغضب نوعاً من الدفاع عن النفس).

• تأكيد السلطة (ممارسة الضغط).

• في هذا الإطار، قد يكون الغضب أيضاً تعبيراً عن طلب المساعدة في مواجهة مشكلة ما: يعبر الإنسان عادةً عن الغضب حين يتغذب بسبب مشاكل يصعب عليه التحكم فيها بمفرده.

• إذاً، قد نرفض حميعنا تعابير الغضب، إلا أن لا مفر منها في بعض الحالات. نتيجة لذلك، لا يقوم التحكم الفاعل في الغضب على كبته وخنقه، بل على معرفة كيفية التعبير عنه: توضيح الأسباب من دون أن تضيع الرسالة وسط العنف المفرط.

تحكم في مشاعرك

نتيجة لذلك، يجب أن نتعلم التحكم في مشاعرنا لنتمكن من التعبير عما نرغب فيه. إذا أردنا التعمق أكثر في التفاصيل، نلاحظ أن الغضب يظهر عندما يحلل الدماغ معلومات (الحصين) ويعتبرها ظالمة، مذلة، أو حتى خطرة. وحين يتحرك الجهاز الحوفي (العواطف) في دماغنا بسرعة أكبر وأكثر حدة، مقارنة بالقشرة (التفكير المنطقي)، يلفنا الغضب بسرعة.

كيف بمكننا إذاً التحكم فيه؟ من الواضح أن الجواب يرتبط بشخصية كل منا. يتبع البعض طرقاً عملية، في حين يعتمد البعض الآخر أساليب بصرية أو نفسية (الحاجة إلى الخروج إلى الهواء الطلق). رغم ذلك، من الممكن تحديد بعض النصائح التي تفيد الجميع.

• أولاً، سمِّ المشاعر والأحوال التي تمر بها بأسمائها. فعندما تنظر إلى المسائل بموضوعية، تتمكن من تحليلها والتفاعل معها بطريقة عقلانية. ولا شك في أن هذا يساعدك في الحفاظ على هدوئك والتفوه بكلمات قد يلومك عليها الآخرون لاحقاً. علاوة على ذلك، إن غضبت، تساعدك تسمية الأمور بأسمائها في توضيح أسباب غضبك، تفادي الرد بالعنف ذاته، وعرض حججك بمنطق.

• ثانياً، قد يكون من الأفضل أن تدع الحدث الذي أشعرك بالغضب يمر بالامتناع عن الإجابة في الحال. فعلى غرار التقنية الأولى، عندما تمتنع عن الكلام، تسمح لردود الفعل العاطفية بأن تمر وتتمكن من استعادة السيطرة على نفسك وعلى مشاعرك. وحتى إن تملكك غضب شديد، تظل بهذه الطريقة مركزاً على الأسباب. فتجيب مَن أثار استياءك بطريقة منطقية ومن دون التفوه بعبارات قد تندم عليها لاحقاً. ويمكنك أن تضيف إلى هاتين النصيحتين تقنيات التنفس، وخصوصاً تلك التي تتيح لك التأمل الواعي.

إذاً، تقبل غضبك ولا تكبت مشاعرك. ولكن تذكر أنها تصبح مقبولة اجتماعياً إن عبرت عنها القشرة الدماغية لا الجهاز الحوفي في الدماغ.

مواجهات عنيفة

• هل يشكل الإعراب بإفراط عن الغضب جزءاً من الشخصية؟

لا شك في أن الغضب يشكل جزءاً من شخصية الإنسان. ولكن بدل أن يكون عابراً، يتحول إلى معضلة لدى البعض. وهكذا تصبح نوبات الغضب أكثر وتيرة وحدة، وتتحول المشاكل الصغيرة إلى مواجهات عنيفة.

back to top