هل تنعكس عودة بلومبيرغ سلباً على Blooberg ؟
منذ أن استعاد مايكل بلومبيرغ السيطرة على إمبراطوريته، سرّح أهم الصحافيين وأطلق برنامجاً شاملاً لإعادة هيكلة العمل. لكن أصبحت قيادة هذا الملياردير متغطرسة وغير متوقعة خوفاً على مستقبل مشروع حياته.في النهاية، لم يصل الاتصال الذي كان ينتظره مايكل بلومبيرغ في الأيام الأخيرة من ولايته كرئيس لبلدية نيويورك ولم يسمع أن العالم كله يحتاج إليه كما كان يتوقع!
طوال 12 سنة، حكم بلومبيرغ أهم مدينة في العالم. ثم بدت جميع المناصب في متناول يده: رئيس البنك الدولي، الأمين العام للأمم المتحدة، وزير الخارجية الأميركي. حتى إن البعض تحدّث عن ترشّحه للرئاسة. ذُكر اسم هذا الملياردير وقطب الإعلام والنجم اللامع بين السياسيين في مصاف شخصيات نافذة من أمثال بيل غيتس وبيل كلينتون. في ديسمبر 2013، بدا وكأنه يستطيع اختيار المنصب الذي يريده بكل بساطة.توقع بلومبيرغ أن {يتصل به أحد ويعرض عليه منصباً} بحسب قول مدير تنفيذي سابق يعرفه شخصياً. لكن لم يحصل شيء. اختبر بلومبيرغ(73 عاماً) الخيبة التي يواجهها أي مدير نافذ أو سياسي يبقى تحت الأضواء على مدار الأسبوع، بمعدل 18 ساعة يومياً. حين تنتهي هذه المرحلة، يتلاشى السحر كله وينشأ فراغ كبير.بقي مشغولاً بضعة أشهر في الأعمال الخيرية بدوام كامل، ودعم تطوير أنظمة الإضاءة التي تعمل بالطاقة الشمسية للأفارقة عبر مؤسسته، وتبرّع بمئات ملايين الدولارات. لكن هل هذا يكفي لإرضاء رجل معتادٍ أداء دور القيادة؟ {شبيغل} بحثت عن إجابة.أنهى مايكل بلومبيرغ واجباته ثم رفض متابعة حياته بهذا الشكل. بعد سنة من الكسل والجمود، عاد إلى إمبراطوريته المالية والإعلامية. يقول المدير التنفيذي السابق في شركته: {حين بدا له أنّ شيئاً لا ينفع، طلب استرجاع المفاتيح كي يتولى القيادة مجدداً}.لطالما كان هذا الملياردير يتوق إلى فرض سيطرته ويقلق على حياته المهنية (أو ربما يعكس سلوكه بكل بساطة خليطاً من الملل والطموح)، لذا بدأ يشرف على إعادة هيكلة غير مسبوقة بقيمة 9 مليارات دولار. استبدل بلومبيرغ كبار المديرين كلهم تقريباً في قسم الصحافة وسرّح أكثر من 80 محرراً. وجرى التدقيق بكامل الأقسام عن قرب، مع أن هذه الشركة تحقق أرباحاً تصل إلى3 مليارات دولار ولم تشمل مفرداتها حتى هذه المرحلة كلمة {إنقاذ}.مستقبل الصحافة؟طرح هذا التغيير الجذري أسئلة حول صوابية هذا النموذج المهني الذي كان يجسد في نظر الكثيرين مستقبل الصحافة في الولايات المتحدة على الأقل. كان ذلك النموذج يسمح بتمويل عمل صحفي عالي الجودة يروّج للديمقراطية عبر نشاطات مهنية أخرى. يشمل مؤيدون آخرون لهذا النموذج جيف بيزوس، مؤسس موقع {أمازون} الذي اشترى صحيفة {واشنطن بوست} المرموقة. لكن في حالة بلومبيرغ، تبين أن هذا البناء لا ينجح إلا إذا رغب رب العمل في ذلك.{بلومبيرغ} ليست مجرد شركة إعلامية تقليدية مثل {نيويورك تايمز} أو {فايننشال تايمز}. لطالما أدى الصحافيون في الشركة دوراً ثانوياً. الابتكار الذي حقّق الأرباح للشركة جهاز ساحر بقدر حاسوب Commodore 64 البلاستيكي الرمادي، يقتصر اليوم على لوحة مفاتيح سوداء فيها أزرار ملونة كثيرة. إنه نظام Bloomberg Terminal المحوسب والخاص بالمصرفيين في {وول ستريت} أو في بورصة لندن.يحدد نظام Terminal أسعار السندات الحكومية والمواد الخام. يعرف المواقع وحجم الحمولات وسرعة السفن في البحر ويعدد ثروات المديرين التنفيذيين التي تشمل اليخوت والطائرات الخاصة. يعالج نظام Terminal أكثر من 60 مليون معلومة من السوق كل يوم ويحتسب تكاليف الخدمات التي تفوق العشرين ألف دولار في السنة لكل مستخدم. في الوقت الراهن، ثمة 325 ألف مشترك تقريباً.يُعتبر نظام Terminal ابتكار مايكل بلومبيرغ المميز ومشروع حياته. بعد أن طردته شركة {سالمون براذرز} في عام 1981، استعمل بلومبيرغ الذي كان عمره حينها 39 عاماً تعويضه الذي بلغ 10 ملايين دولار لتأسيس شركته الخاصة. كانت أنظمة Terminal تقوم بمختلف المهام باستثناء طباعة الأموال، وقد جعلت بلومبيرغ في المرتبة 14 على لائحة أغنى رجال العالم ووصلت ثروته إلى 35.5 مليار دولار.قد تبدو ثروة بلومبيرغ الخاصة ضئيلة مقارنةً بإمبراطوريته الإعلامية، فقد أصبحت شركة {بلومبيرغ} التي تشمل أكثر من 2400 صحافي في 73 بلداً وكالة إخبارية عملاقة لها نفوذ هائل. أدرك مايكل بلومبيرغ منذ مرحلة مبكرة أن ابتكاره لا يجب أن يبقى مجرد منتج خاص بالمهووسين بالبيانات، لذا سعى إلى جعله أهم مصدر للمعلومات في العالم المالي. لكن لتحقيق هذا الهدف، كان يحتاج إلى قصص وأخبار تضمن ولاء العملاء. في عام 1991، انطلقت قناة {بلومبيرغ نيوز} على شكل شركة خدمات للعملاء. كان العمل الصحفي الذي تقدمه يهدف إلى مساعدة المصرفيين على اتخاذ قرارهم بالشراء أو البيع أو الانتظار.نهاية حقبة لامعةعزَّز المراسلون في الشركة نفوذ مؤسسها وحافظوا على رضى العملاء الذين يستعملون نظام Terminal. في المقابل، بدأ هذا النظام يجمع المال ويدفع تكاليف العمل الصحفي. إنه نموذج مبتكر استفادت منه الأطراف كافة.لكن أنهت قرارات بلومبيرغ الأخيرة هذه الحقبة اللامعة. بعد 12 سنة، يخشى عدد كبير من الصحافيين العاملين في الشركة أن يكون عصر الحريات اللامحدودة والطموحات الكبرى انتهى. يشعرون بأن مهمتهم باتت تقتصر على نشر المعلومات في عالم المصرفيين والمديرين التنفيذيين وبأن أهميتهم تُقاس بحسب الخدمات التي يقدمونها إلى العملاء الأثرياء الذين يقفون وراء نجاح نظام Terminal. إذا تبيَّن أنهم محقون، سيكون الوضع مريراً فعلاً. يعني ذلك أن أيام العمل الصحفي المستقل والمحترف قد انتهت بعد أن تحوَّلت الصحافة من أهم مساهِمة في الخطاب الاجتماعي إلى أداة للرأسمالية المطلقة.يمكن الوصول إلى عالم مايكل بلومبيرغ عبر التوجه إلى مكتبه في الطابق السادس من مبنى يقع في جادة ليكسينغتون في نيويورك. برج بلومبيرغ مبنى شاهق من الزجاج والفولاذ يقع بين حديقة {سنترال بارك} ومقر الأمم المتحدة، حيث يعمل 6 آلاف شخص من أصل 16 ألف موظف في الشركة.لا يمكن أن نلوم زوار المبنى إذا ظنوا أن عصر الصحافة لا يزال في ذروته. يوصل المصعد الموظفين إلى قاعة مضاءة تشبه ردهة الفنادق. يسهل أن تنجذب الأنظار إلى الكنبات البرتقالية والمنضدات المطليّة وعليها أطباق مليئة بالتفاح والبرتقال ومكعبات الشمام. تُقدَّم أيضاً أصابع الجزر والبروكلي وأنواع من القهوة الطازجة تفوق ما يمكن أن تقدمه سلسلة {ستاربكس}! يمكن أن يتناول الموظفون ما يريدونه مجاناً. يريد بلومبيرغ أن يشعروا بالراحة.لكن قد تبدو طريقته أحياناً فوقيّة. يمكن تناول رقائق البطاطس مجاناً، لكنها متوافرة بأصغر حجم ممكن. يريد بلومبيرغ أن يأكل موظفوه طعاماً صحياً. ولا تتوقّف المصاعد في جميع طوابق المبنى، بل في الطوابق التي رُسمت عليها دائرة بيضاء حصراً، ما يجبر الموظفين على استعمال السلالم.في كل مكتب من مكاتب شركة {بلومبيرغ} حول العالم، ثمة حوض سمك واحد على الأقل وفيه ماء مالحة وأسماك بنفسجية وصفراء وشعاب مرجانية لتعزيز جو الاسترخاء، كما يقول بلومبيرغ. كل من يعمل لديه يجب أن يفتخر بذلك. يحب تكرار عبارة {نقدم الأفضل لنا جميعاً}!وجه بلومبيرغ الثانيكل من يقرر مغادرة الشركة يشاهد وجه بلومبيرغ الثاني. اعترف بلومبيرغ في إحدى المرات بأنه لا يحضر حفلات توديع الموظفين لأنه لا يستطيع أن يتمنى لهم التوفيق: «كل من يدير ظهره للشركة لا يعود شخصاً منّا بل منهم»! يجب أن يوقّع الموظفون في شركة «بلومبيرغ» على عقد ملزِم يمنعهم من الإفصاح عن أسرار الشركة، ويسمح أحد البنود للشركة بالتحقق من الرسائل الإلكترونية الخاصة بالموظفين، حتى بعد مغادرتهم. يبدو عالم مايك بلومبيرغ مكاناً خيالياً من الخير والشر، وفيه نظرة فريدة من نوعها إلى الأمور.حين تولى بلومبيرغ منصب رئيس بلدية مدينة نيويورك في عام 2001، سلّم شؤون شركته إلى شريكين يثق بهما: المصرفي الاستثماري السابق بيتر غروير، ثم دان دوكتوروف الذي عمل كنائب له في البلدية حتى عام 2008. سرعان ما أصبح الرجلان شريكين مثاليَّين، وأثبتا ولاءهما ولم يواجها عوائق أمام طموحاتهما. لكن أثبت دوكتوروف وغروير أنهما مستقلان وطموحان على نحو مفاجئ، فوسعا الخدمات المجانية على مواقع الشركة الإلكترونية والقناة التلفزيونية، وابتكرا خدمات جديدة مثل {قانون بلومبيرغ} واشتريا مجلة {بيزنس ويك} التي كانت تتخبط رغم شهرتها.كانت خطتهما تقضي بنشر اسم {بلومبيرغ} خارج عالم الأموال. يجب أن يتمكّن الجميع من دخول موقعها الإلكتروني بدل أن يقتصر على نخبة المشتركين في أنظمة Terminal. اعتُبر تعيين كتّاب من الصف الأول بعد استمالتهم برواتب وصلت إلى مليون دولار سنوياً تحدياً مباشراً لأهم الجهات النافذة في هذا القطاع مثل صحف {نيويورك تايمز} و{واشنطن بوست} وموقع Politico.com. فيما كانت شركات إعلامية أخرى تخفّض ميزانياتها، ارتفع عدد المحررين في {بلومبيرغ} بوتيرة تصاعدية. بين عامي 2008 و2013، وظف غروير ودوكتوروف أكثر من 600 صحافي.حين كان مايكل بلومبيرغ منشغلاً بمهامه في دار البلدية ويركز على منع التدخين في الحدائق وإجبار المطاعم على تحديد نسبة السعرات الحرارية في أطباقها، كان الصحافيون العاملون لديه يسعون إلى جعل شركتهم {الوكالة الإخبارية الأكثر نفوذاً في العالم} كما يقول دوكتوروف. كلما وصل المزيد من الكتّاب الفائزين بجوائز من صحف مثل {وول ستريت جورنال} و{نيويورك تايمز} إلى {بلومبيرغ}، وكلما زادت استثمارات الشركة في عالم التلفزيون والمواقع الإلكترونية والمجلات، كان المراسلون يقتنعون بأنهم ليسوا مجرد أدوات فرعية لنظام Terminal. تحرر العاملون في {بلومبيرغ} من المصرفيين في أنظمة Terminal، وبالتالي من مايك بلومبيرغ العظيم!خطأ فادحلكن حصل هذا النمو كله مقابل ثمن معين. أصبح الجهاز المتضخم عالقاً في صراع نفوذ بين الصحافيين التقليديين الذين يرتدون البذلات الرسمية في قسم الأخبار وبين الموظفين العاديين في الأقسام الخاصة بالموقع الإلكتروني والمجلة. وقع خطأ فادح حين أدى خلاف بين أقسام إمبراطورية «بلومبيرغ» إلى تأخيرٍ مدته 11 دقيقة في نقل نبأ عاجل عن إعلان هيلاري كلينتون ترشّحها للرئاسة، وهي مدة طويلة جداً في عالم الأخبار المتسارعة. تذمّر أحد المحررين مما حدث وأكّد حصول تضارب بين عمل الكتّاب في الموقع الإلكتروني وبين الصحافيين العاملين بنظام Terminal، وهذا ما انعكس على سرعة نشر الخبر.تبدو نتائج امتناع {بلومبيرغ} عن البث مختلطة. من جهة، سيطر القلق على شركة {تومسون رويترز} التي حصدت أرباحاً طائلة. لكن من جهة أخرى، حصل هذا النمو القياسي في عملها الإعلامي مقابل ثمن مرتفع. تكبّدت قناة {بلومبيرغ} وصحيفة {بيزنس ويك} وحدهما خسائر فادحة فاقت المئة مليون دولار في السنة.حين استلم مايكل بلومبيرغ منصبه مجدداً في جادة ليكسينغتون، قام بمقابلة قصيرة مع صحيفة {نيويورك تايمز} في مقهى مجاور مع صديقه دان دوكتوروف. قال الأخير إن مايك، {بابتسامته وضحكته الساخرة، أشبه بملك في الشركة. فقد أنشأ عالمه الخاص هناك وأصدر التوصيات ثم اختفى لفترة وعاد فجأةً. ويجب أن يفهم الجميع أن الوضع يتغيّر مع عودته}.غادر دوكتوروف الشركة وتمّ تهميش آخرين من أمثال مات وينكلر الذي عمل كرئيس تحرير طوال 25 سنة. سرعان ما تلاشت أي شكوك متبقية بشأن هوية المسؤول الوحيد عن مستقبل الشركة خلال اجتماع عقده المدير التنفيذي النافذ في بلومبيرغ، غروير، داخل غرفة المؤتمرات في مقر الشركة الرئيس. حين حاول غروير إغلاق الباب لمنع الناس في الخارج من الإصغاء إلى الحديث، أمره بلومبيرغ بفتحه، فاعترض غروير وأقفله. في اليوم التالي، حضر عمّال وأزالوا الباب نهائياً!الرجل الذي كلّفه بلومبيرغ الآن بتصحيح العمل الإعلامي هو جون ميكلثويت الذي عمل طوال تسع سنوات كرئيس تحرير في مجلة {ذي إيكونوميست}، وهي المجلة المفضلة لدى بلومبيرغ وقد كان يوصي كل من يهتم بالاقتصاد بقراءتها. استبدل ميكلثويت مساحة مفتوحة في شركة {بلومبيرغ} بمكتبه المريح والمليء بالكتب في لندن. لا يستطيع زملاؤه التأكيد على ما دفعه إلى التخلي عن الحرية التي كان يتمتع بها في {ذي إيكونوميست} مقابل مهمّة تنظيم عمل الصحافيين في {بلومبيرغ}. يقولون إن بلومبيرغ يدفع رواتب مرتفعة لأصحاب الجوائز. احتاج ميكلثويت إلى بضعة أسابيع في {بلومبيرغ} كي يخسر سحره البريطاني الهادئ. في بداية شهر سبتمبر، كتب رسالة إلكترونية طويلة إلى قسم التحرير وكانت نبرتها حادة.تغيير سياسة الشركةكتب ميكلثويت أن {بلومبيرغ} تحتاج إلى إعادة التركيز على عملائها لأنهم لا يحبون إهدار وقتهم الثمين على مقالات طويلة {تخدم مصلحة الشركة بدل أن تفيد الناس الذين يدفعون لقراءتها}. وأضاف أن الشركة لم تعد تحتاج إلى تغطية النشاطات التعليمية أو الحوادث الرياضية لأن كل من يريد كتابة مقالات عن كرة القدم أو المدارس السعودية يجب أن يفهم أنّ {الاهتمام بهذه القصص يفوق سقف ما تقدمه الشركة}.كتب ميكلثويت أيضاً أن مبدأ {بلومبيرغ} التوجيهي يجب أن يرتكز على {وقائع الرأسمالية}: {إذا لم تكن تهتم بطريقة جني المال وتميل إلى السخرية من الأشخاص الذين يبرعون في ذلك، أو تركّز على تقديم سبق صحفي عبر إحراج المصرفيين الاستثماريين لمجرد أنهم اختاروا أن يكونوا مصرفيين، فلن تكون شركة {بلومبيرغ} المكان المناسب لك}. اعتبر كثيرون أن الرسالة تعني أن العمل الصحفي داخل الشركة سيصبح متماشياً مع حاجات العملاء الذين يستعملون نظام Terminal، ويحصل ذلك على حساب شريحة أوسع من القراء وعلى حساب الخطاب الديمقراطي أيضاً.في الأشهر الأخيرة، غادر الشركة عدد من كبار الموظفين كانوا يعملون سابقاً بكل حرية. كان رئيس القسم الرقمي جوشوا توبولسكي من بينهم، فقد اعتبر المسؤولون التقليديون في قسم الأخبار أن موقعه الإلكتروني الحيوي يشكّل خيانة لـ{سياسة بلومبيرغ}، أي دليل الشركة الذي يمتد على 300 صفحة ويمنع استعمال عبارات مثل {لكن} و{رغم ذلك} خوفاً من إرباك المصرفيين القلقين. يدعي بعض المصادر أن مايك بلومبيرغ سأل خلال اجتماع مع أقرب المستشارين إليه: {لماذا نحتاج إلى موقع إلكتروني؟}. غادر توبولسكي الشركة في النهاية ويقال إن بلومبيرغ يتدخّل شخصياً الآن في تفاصيل الموقع الإلكتروني.جوش تيرانجيل رئيس تحرير مجلة {بيزنس ويك}، وكان منذ فترة قصيرة يُعتبر النجم المبدع داخل الشركة، لكنه لاحظ بدوره التغيرات الحاصلة، ربما لأنهم لم يعيّنوه كرئيس لقسم التحرير في {بلومبيرغ}. يزعم زملاؤه أن تيرانجيل لم يُخْفِ رأيه ببعض الصحافيين التقليديين في قسم الأخبار، فقد اعتبرهم صراحةً رجعيين في تفكيرهم. في سبتمبر، سرّح بلومبيرغ 80 صحافياً، منهم مراسلون أجانب ومسؤولون عن السياسة الأمنية في مكتب الشركة في واشنطن.غياب عن المناسباتتجسّد حكاية مرتبطة بجوائز بوليتزر هذه السنة مدى استخفاف مايكل بلومبيرغ بما يعتبره عدد كبير من الصحافيين العاملين لديه مقدساً. في شهر أبريل، تلقّى قسم الأخبار في شركة {بلومبيرغ} أهم جائزة أميركية في مجال الصحافة لأول مرة في تاريخ الشركة. فاز الصحافي زاكاري ميدر بجائزة على تحقيق أجراه حول ثغرات تسمح للشركات الأميركية بالتهرب من الضرائب بشكل منهجي.في فترة بعد الظهر، انتشر خبر الفوز بالجائزة ووقف ميدر مع زملائه في غرفة الأخبار في الطابق الخامس من مكاتب الشركة بجادة ليكسينغتون. اجتمع الزملاء عفوياً وشربوا نخب المراسل الفائز. لكنّ الشخص الوحيد الذي بدا بمزاج سيئ هو بلومبيرغ. سأله أحد الحاضرين عن شعوره بعد الفوز بجائزة بوليتزر لأول مرة، فأجاب أنه يشعر بأن «هذه المسائل تبدو مهمة ظاهرياً».لم يحضر بلومبيرغ ولا غروير ولا ميكلثويت حفل العشاء في جامعة كولومبيا التي شهدت تقديم الجوائز. وحين احتفلت مجموعة من الموظفين بالجائزة في أحد مطاعم نيويورك، لم يحضر بلومبيرغ أيضاً. لا يريد الأخير التعليق على الموضوع بشكل رسمي، لكن يقول المقربون منه إنه لا يحضر حفلات كتلك التي نظمتها جامعة كولومبيا، وكانت حفلة الموظفين في المطعم حدثاً داخلياً لفريق المراسلين. لكن يقول ممثل شركة {بلومبيرغ} إن مايكل وشركته يشعران {بفخر شديد بجائزة بوليتزر ويسعيان إلى الفوز بجوائز إضافية}.يقول محرر النشرة الثقافية السابق جيريمي جيرارد: {يحزنني أن أشاهد ما حصل لشركة بلومبيرغ في السنة الماضية}. يعتبر أن إدارة {بلومبيرغ} الجديدة كان لها {أثر سلبي على الصحافة}. ويقول محرر سابق آخر إن الشركة باتت تبتعد عن مفهوم الصحافة باعتبارها خدمة عامة: {بدأ تركيز بلومبيرغ يعود إلى ما كان عليه سابقاً: مجرّد نشرة للمصرفيين}.يقول زميل سابق إن مايكل بلومبيرغ لم يكن راضياً عما حصل لشركته في غيابه: {شعر مايك بأنه خسر تأثيره على مشروع حياته}.ظهور خيارات بديلةتواجه {بلومبيرغ} الآن منافسة غير متوقعة أيضاً. يعتبر عملاء كثيرون أن الشركة تتصرّف بفوقية وتبالغ في تقدير نفسها ونادراً ما تقدم الخصومات. حين تعطلت شبكة {بلومبيرغ} في شهر أبريل واضطر العالم المالي إلى تدبّر أمره من دون بيانات اعتاد عليها لساعات عدة، كتب أحد المصرفيين تغريدة مفادها أنه فهم أخيراً ما تشعر به ابنته حين يتعطّل موقع فيسبوك! لكن أجبر ذلك الخلل مصارف كثيرة على الاعتراف بحجم اتكالها على {بلومبيرغ}، ما دفعها إلى بدء البحث عن خيارات بديلة.في السنة الماضية، أنشأ 14 مصرفاً، بما في ذلك {غولدمان ساكس} و{مورغان ستانلي}، نظام {سيمفوني} البديل عن نظام الدردشة، وهو أساس منتج Bloomberg Terminal. ومنذ بضعة أسابيع، استثمرت {غوغل} في نظام {سيمفوني} وتسري إشاعات مفادها أن الشركة تبدي اهتمامها بابتكار عملية تحرير خاصة بها. بالنسبة إلى {بلومبيرغ}، تعني هذه التطورات أن الأرباح الهائلة التي حصدتها أنظمة Terminal طوال سنوات قد تصبح في خطر. يظن زميل سابق أن مايكل بلومبيرغ يشعر بالقلق على {إرثه التاريخي}، وكلما زادت المواد التي تقدمها الشركة مجاناً على موقعها الإلكتروني أو على قناة {بلومبيرغ}، يرتفع احتمال أن يلغي العملاء اشتراكهم في نظام Bloomberg Terminal. قال أحد كبار المديرين التنفيذيين السابقين: {يبدو مايك بلومبيرغ مستعداً للتضحية بكل شيء مقابل نجاح نظام Terminal، حتى لو اضطر إلى التنازل عن طموحاته الصحفية}. في هذه الأيام، يتجوّل بلومبيرغ في مقر الشركة في ليكسينغتون. فيما يخشى الصحافيون تسريح المزيد من الموظفين، يستمتع هو بإدارة الشؤون اليومية في الشركة. يقال إنه تولى شخصياً إعداد التصميم الأولي لشكل قناة {بلومبيرغ} الجديد.تبرز أيضاً مسألة المناشف الورقية في الحمّامات. يتحدث الجميع راهناً عما حصل حين دخل بلومبيرغ إلى الحمّام ولم يجد مساند المناشف الورقية فوراً لأنها كانت مخفية وراء المرايا. شعر بانزعاج شديد وأمر بوضع لافتات صغيرة في الحمّامات في أنحاء المبنى.