حقيقة العالم الافتراضي

نشر في 14-08-2015
آخر تحديث 14-08-2015 | 00:01
No Image Caption
سيخبرك الفنانون والمهندسون الذين يستعملون هذا الابتكار بأن الوقائع الافتراضية عبارة عن محاكاة بيئية يمكن بلوغها عبر واجهات قابلة للارتداء ويمكن جعلها واقعية (أو واقعية بما يكفي) لخطفنا من العالم الحقيقي.

يمكنني تأكيد ذلك! بعد أيام من أخذ عينات من أحدث البيئات الافتراضية المتوافرة في بريطانيا، استنتجتُ أن الواقع يعبّر عن نفسه بوتيرة بطيئة. لكن خلال عملي، صادفتُ سؤالاً جوهرياً كان قد طرحه بيتر سافيل، المحرك الرئيس لشركة Factory Records الشهيرة في مانشستر وعالِم الفيزياء براين كوكس. فشرحا أمام حشد من الناس خلال {مهرجان مانشستر الدولي} كيف خططا لتقديم قصة الكون في مواقع اشتهرت بتصوير مسلسل  Coronation Street الأسطوري.

هما يخططان لطرح فيلم  The Age of Starlight الذي يشمل تجربة مختلفة لتخيّل الكون، فهل سيقدم المشروع للمشاهدين مفهوماً غنياً عن الواقع، أم أنّ الناس سيعودون إلى منازلهم وهم يشعرون بأنهم كائنات فضائية وصلت للتو من كوكب آخر؟

شعر عالِم الفيزياء براين كوكس بالحماسة تجاه قدرات المشروع التعليمية. بدل القراءة عن حيوانات الماموث الغامضة، سنتمكن من «اختبارها» بحسب قوله. بدل أن نقرأ عن حيوان الماموث ونحاول تخيّله ونختبر ذلك الكائن الذي نتخيله ونقارنه بما نعرفه أصلاً عن العالم، يجب أن نتقبّل التجربة الحسية التي يقدمها لنا المسؤولون عن هذا الابتكار. قال كوكس مندهشاً: «سنتمكن من ضخ أفكار معقدة في عقول الناس كي يسهل عليهم أن يفهموا!».

سيتمكن الجميع من فهم ما يحصل!

من الأفضل أن تدمج المؤسسات التعليمية تجاربها في عالم الواقع الافتراضي مع أكثر شخصية موثوقة يمكن إيجادها: ديفيد أتينبورو. كانت برامجه الوثائقية مثل {الحياة الأولى} (First Life) والرحلة الممتعة في «متحف التاريخ الطبيعي في لندن» (London Natural History Museum) خلال العصر الكمبري المحفوف بالمخاطر ترتكز على أحدث الأبحاث.

طلب الشاب الذي كان يوزع السماعات خلال العرض الخاص بالصحافيين أن يحاول المشاهدون عدم تحريك أيديهم حين يبدأ الفيلم. بدا وكأننا عدنا بالزمن إلى عام 1895 وكنا نوشك جميعاً على الاحتفال بمشهد وصول القطار في فيلم Arrival of a Train الذي أطلقه لويس لوميير. حصل مُحرِّك المَشاهد على كامل الحرية كي يجعل الفصوص الثلاثية الضئيلة بمقياس بشري. إنه قرار صائب لأننا نريد حتماً أن نشاهد هذا النوع من اللقطات. لكن يعني التلاعب بالحجم بهذا الشكل أنّ ظهور كيان عملاق لن يجعلنا نندهش بقدر ما يجب أن نفعل.

تحديات

يطرح الواقع الافتراضي تحديات مماثلة. من وجهة نظر سردية، إنها خطوة كبيرة ومثيرة للاهتمام وهي مختلفة عن مسار الأفلام العادية. تقلّد تقنيات الكاميرات المستعملة، مثل تقريب الصورة وتعقّب المشاهد، طريقة عمل العين. عند استعمال الواقع الافتراضي، يتوقف على المشاهدين أن يختاروا ما يريدون التركيز عليه. تعطي هذه المناورات أثراً شبيهاً بالتخيّل. نحن لا نقرّب الصورة بل نقلصها، ولا نجمّد الصورة بل نحلّق بها عالياً!

في الوقت نفسه، يجد الواقع الافتراضي حتى الآن صعوبة في إتمام المهام التي يفترض الجميع أنه قادر على فعلها. تُعتبر قراءة حركات المستخدم بدقة مهمة صعبة. هذا ما يفسر على الأرجح الحماسة بشأن لعبة {تافوبوس} (Taphobos) لشخصين، كونها تحلّ هذه المشكلة عبر الحد من حركات اللاعبين. تحمل كلمة {تافوبوس} المقتبسة من اللغة اليونانية معنى {القبر} و{الخوف}، ويجد اللاعب نفسه خلال اللعبة محجوزاً في تابوت حقيقي. مع نفاد الأوكسجين، يجب أن يوجّه اللاعب المدفون الذي يضع خوذة {أوكولوس ريفت} شريكه في اللعبة نحو موقع المقبرة عبر رابط إذاعي، استناداً إلى أدلة موزعة على شكل نقاط حول التابوت.

يقول صانعو اللعبة، وهم طلاب حائزون شهادات ماجستير من جامعة لينكولن في بريطانيا، إن {هذا الخليط يسمح للاعب باختبار حقيقة ما يحصل حين يُدفَن حياً ولا يكون معه إلا هاتف خلوي يصله بالعالم الخارجي}. لكن ما النفع منه في وضع مماثل؟ حين ننجح في تجاوز الضوابط المتعددة التي يفرضها الواقع الافتراضي، قد ينتهي بنا الأمر في وضعٍ قريب جداً من الواقع.

يدرك صانعو العروض المسرحية في لندن هذا الأمر. في البداية، بدا بعض العروض الترفيهية الثلاثية الأبعاد التي أطلقتها شركة الإنتاج المسرحي Punchdrunk، مثل Faust -2006 وThe Masque of the Red Death-2007 مستحدثاً ومبتكراً. وقد بدأ يجذب الجماهير الآن أكثر من أي وقت مضى.

قد يتعب محبو المسرح التقليديون من تعقب مصانع ومستودعات عملاقة ومربِكة كي يجدوا مكان الأحداث المشوّقة. لكن بالنسبة إلى اللاعبين، يشكّل هذا الارتباك نمط حياة بحد ذاته، ولا شك في أن تنفيذ السيناريوهات في العالم الحقيقي ابتكار جديد من نوعه.

حتى 27 سبتمبر، سيقدم مشروع {السينما السرية} في لندن نوعاً مماثلاً من التجارب الثلاثية الأبعاد: يدعوك إلى محاربة {الإمبراطورية} الشريرة في مواقع عدة صُمّمت بدقة شديدة تمهيداً لعرض فيلم The Empire Strikes Back. تدور الأحداث بوتيرة سلسة ومشوقة وتتراوح ما بين التجربة المسرحية وأجواء النادي الليلي.

تفوّق على الترفيه

سواء كان مسار الواقع الافتراضي صحيحاً أو خاطئاً، يَعِد بالتفوق على هذه التجارب الترفيهية كلها. يُفترض أن تصبح التجربة الجديدة أفضل وأكثر تشويقاً من مختلف الوقائع المصمَّمة بحذر. إنه ادعاء ضخم جداً!

قد يتمكن الواقع الافتراضي على الأرجح من تقديم العالم بطريقةٍ لم تعهدها حواسنا غير المتبدّلة.

برزت أولى المحاولات في هذا الاتجاه خلال مؤتمر {تطوير الألعاب} هذه السنة في برايتون حيث أعلنت مؤسستا Wellcome Trust وEpic Games عن الفائز بـ{تحدي البيانات الكبير}. انطلقت المنافسة في شهر مارس وتساءل الحاضرون عن قدرة مصمّمي الألعاب على مساعدة العلماء لتحسين طريقة تخيّل مجموعات واسعة من البيانات غير المفهومة.

من بين المرشحين الأوفر حظاً، برز فريق {المطرقة} (Hammerhead) الذي تولى مهمة ضخمة تقضي بتصميم متصفح فاعل للجينوم. بالكاد تغيرت المتصفحات منذ عشر سنوات. بعدما استعمل أعضاء الفريق 12 مجالاً من البيانات، باتوا يحتاجون الآن إلى مئات المجالات لأن دراسة سلوك مختلف الجينات في ظل ظروف مختلفة هو كابوس متعدد الأبعاد. قال مارتن هامبرغ من {معهد سانغر}، وهو من طرح التحدي: {يحتاج علم الجينوم إلى بيانات مكثفة. لا شك في أن محاولة دمج هذه المعطيات كلها وجعلها منطقية تطرح تحدياً هائلاً. نحتاج إلى أدوات أفضل لعملية التخيل}.

فضاء إلكتروني أصلي

يَعِد اقتراح فريق {المطرقة} بابتكار ما يشبه مفهوم الفضاء الإلكتروني الأصلي الذي طرحه كاتب الخيال العلمي ويليام غيبسون: إنها بيئة يمكن التجول فيها والتلاعب بها وهي مصنوعة من المعلومات فقط. لا عجب أنّ تحقيق هذه الرؤية سيحتاج إلى ما يفوق المبلغ المتواضع المخصص لها (20 ألف دولار).

سُلّمت الجائزة إلى شركتَي إنتاج في لندن، وهماLumacode  وMasters of Pie، وقد تعاونتا لابتكار أداة بدأت تثبت فاعليتها: تحتاج إلى 14500 سجل عن صحة العائلات ضمن {دراسة آفون الطولية عن الأهالي والأطفال}، وتطرح تلك السجلات في الوقت الحقيقي كي يتمكن الباحثون من اتباع حدسهم. حتى إنها توفر أدوات تضمن الخصوصية لتسهيل عمل مئات الباحثين عالمياً.

وفق الأدلة الراهنة، سيغير الواقع الافتراضي كل شيء بوتيرة تدريجية. سيربكنا هذا الوضع بعض الشيء. لن يعطينا كل ما نريده. لكن حتى الواقع لا يعطينا ما نريده. لذا يمكن أن نتحلى بالقليل من الصبر!

back to top