يحكى أن 8-30: خطف ابنة صاحب {جزيرة الأبنوس} ليلة زفافها

نشر في 25-06-2015 | 00:01
آخر تحديث 25-06-2015 | 00:01
في الليلة الثامنة تواصل شهرزاد الحكاية. تكمل قصة الصعاليك الثلاثة، الذين دخلوا بيت البنات الثلاث مع الحمال، واشترطت البنات عليهم ألا يتحدثوا في ما لا يعنيهم كي لا يسمعوا ما لا يرضيهم، وبعد سهر وانبساط، بدأ الخليفة هارون الرشيد الذي دخل البيت متخفياً يسأل ليعرف حكاية البنات الثلاث والصعاليك والحمال.

وغضبت صاحبة البيت وأمرت الصبية أن تكتف الرجال بالحيلة لتقتلهم، لأنهم لم يحفظوا الشرط، إلا أن الصبية قالت إنها لن تقتل منهم أحداً إذا حكى حكايته بصدق، وبعدما حكى الصعلوك الأول حكايته وكيف كان ابن ملك انقلب عليه عساكره فقتلوه، قالت له الصبية: لك أن تنصرف بسلام، فقال: لا أذهب حتى أسمع خبر غيري، فتعجبوا من حديثه، وهنا بدأ الصعلوك الثاني يروي حكايته العجيبة.

ولما جاءت الليلة الثامنة، قالت شهرزاد: بلغني أيها الملك السعيد ذو الرأي الرشيد أن الصعلوك الثاني قبل الأرض أمام صاحبة الدار وقال: يا سيدتي أنا من ولدت أعور وإنما لي حكاية عجيبة، فأنا ملك ابن ملك، وقرأت القرآن على سبع روايات، كما قرأت الكتب على أربابها من مشايخ العلم، وقرأت على النجوم وكلام الشعراء، واجتهدت في سائر العلوم حتى فقت أهل زماني. فعظم حظي وشاع ذكري في سائر الأقاليم والبلدان  وذاع خبري عند سائر الملوك، فجهّزني أبي في ست سفن وسرنا في البحر مدة شهر كامل حتى وصلنا إلى البر، وأخرجنا خيلاً كانت معنا، وسرنا وحملنا عشرة جمال بالهدايا، ومشينا قليلاً، وإذا بغبار قد علا وثار، حتى سد الأقطار، واستمر ساعة من النهار، ثم انكشف فبان من تحته ستون فارساً وهم ليوث عوابس، فتأملناهم وإذا هم عرب قطاع طريق، فلما رأونا ونحن نفر قليل ومعنا عشرة أحمال هدايا لملك الهند، هجموا علينا وأشرعوا الأسنة بين أيديهم نحونا، فأشرنا إليهم بالأصابع وقلنا لهم نحن رسل إلى ملك الهند المعظم فلا تؤذونا، فقالوا: نحن لسنا في أرضه ولا تحت حكمه.

ثم إنهم قتلوا بعض الغلمان وهرب الباقون وهربت أنا بعد أن جرحت جرحاً، بليغاً، وانشغل عنا اللصوص بالمال والهدايا التي كانت معنا، فصرت لا أدري أين أذهب، وكنت عزيزاً فصرت ذليلاً، وسرت إلى أن أتيت رأس الجبل فدخلت مغارة حتى طلع النهار، ثم سرت منها حتى وصلت إلى مدينة عامرة بالخير قد ولى عنها الشتاء ببرده، وأقبل عليها الربيع بورده، ففرحت بوصولي إليها وكنت قد تعبت من المشي، وعلاني الهم والاصفرار، فتغيرت حالتي ولا أدري أين أسلك، فملت إلى خياط في دكان وسلمت عليه، فرد علي السلام ورحب بي وباسطني، وسألني عن سبب غربتي، فأخبرته بما جرى لي من أوله إلى آخره، فاغتم وقال: يا فتى لا تظهر ما عندك فإني أخاف عليك من ملك هذه المدينة لأنه أكبر أعداء أبيك وله عنده ثأر، ثم أحضر لي مأكولاً ومشروباً فأكلت وأكل معي، وتحادثت معه في الليل، وأخلى لي محلاً في جانب حانوته، وأتاني بما أحتاج إليه من فراش وغطاء، فأقمت عنده ثلاثة أيام ثم قال لي: أما تعرف صنعه تكتسب بها؟ فقلت له: إني فقيه كاتب حاسب، فقال: إن صنعتك في بلادنا كاسدة وليس في مدينتنا من يعرف علماً ولا كتابة، فقلت: والله لا أدري شيئاً غير الذي ذكرته لك، فقال: شد وسطك وخذ فأساً وحبلاً واحتطب في البرية خشباً تتقوت به إلى أن يفرج الله عنك، ولا تعرف أحداً بنفسك فيقتلوك، ثم اشترى لي فأساً وحبلاً وأرسلني مع بعض الحطابين وأوصاهم بي فخرجت معهم واحتطبت، فأتيت بحمل على رأسي فبعته بنصف دينار، فأكلت ببعضه وأبقيت بعضه.

ودمت على هذه الحال سنة، ثم ذهبت يوماً على عادتي إلى البرية لأحتطب منها ودخلتها فوجدت فيها خميلة أشجار فيها حطب كثير، فدخلت الخميلة وأتيت شجرة وحفرت حولها وأزلت التراب عن جدارها فاصطكت الفأس في حلقة نحاس، فأزحت عنها التراب وإذا هي في طابق من خشب، تحته سلم، وفي أسفله باب فدخلته فرأيت قصراً محكم البنيان، وفيه صبية كالدرة السنية، تنفي عن القلب كل هم وبلية، فلما نظرت إليها سجدت لخالقها لما أبدع فيها من الحسن والجمال، فنظرت إلىّ وقالت لي: أنت أنسي أم جني؟ فقلت لها: أنسي، فقالت: ومن أوصلك إلى هذا المكان الذي لى فيه خمس وعشرون سنة ما رأيت فيه إنسياً أبداً؟ فلما سمعت كلامها وجدت له عذوبة وقلت لها: يا سيدتي أوصلني الله إلى منزلك، ولعله يزيل همي وغمي.

جزيرة الأبنوس

وحكيت لها ما جرى لي من الأول إلى الآخر، فصعب عليها حالي وبكت وقالت: أنا الأخرى أعلمك بقصتي، فاعلم أني بنت ملك أقصى الهند صاحب جزيرة الأبنوس وكان قد زوجني بابن عمي فاختطفني ليلة زفافي عفريت اسمه جرجريس بن رجموس بن إبليس، فطار بي ونزل في هذا المكان ونقل فيه كل ما أحتاج إليه من الحلي والحلل والقماش والمتاع والطعام والشراب، وفي كل عشرة أيام يجيئني مرة فيبيت هنا ليلة، وعاهدني إذا عرضت له حاجة ليلاً أو نهاراً أن ألمس بيدي هذين السطرين المكتوبين على القبة فما أرفع يدي حتى أراه عندي، ومنذ كان عندي له أربعة أيام، وبقي له ستة أيام حتى يأتي، فهل لك أن تقيم عندي خمسة أيام ثم تنصرف قبل مجيئه بيوم؟ فقلت: نعم..  ففرحت ثم نهضت على قدميها وأخذت بيدي وأدخلتني من باب مقنطر، وانتهت بي إلى حمام لطيف فجلست على مرتبة وأجلستني معها وأتت بسكر مذاب وسقتني، ثم قدمت لي مأكولاً فأكلنا وتحادثنا، ثم قالت لي: نم واسترح فإنك تعبان. فنمت يا سيدتي وقد نسيت ما جرى لي وشكرتها، فلما استيقظت وجدتها تكبس رجلي فدعوت لها وجلسنا نتحادث ساعة، ثم قالت لي: والله إني كنت ضيقة الصدر وأنا تحت الأرض وحدي ولم أجد من يحدثني خمساً وعشرين سنة فالحمد لله الذي أرسلك إليّ ثم أنشدت:

لو علمنا مجيئكم لفرشنا

مهجة القلب مع سواد العيون

وفرشنا خدودنا للقاكـــــــم

ليكون المسير فوق الجفون

لما سمعت شعرها شكرتها وقد تمكنت محبتها من قلبي وذهب عني همي وغمي، ثم جلسنا في منادمة إلى الليل وأصبحنا مسرورين، فقلت لها هل أخرجك من تحت الأرض وأريحك من هذا الجني؟ فضحكت وقالت: اقنع واسكت ففي كل عشرة أيام يوم العفريت وتسعة لك، فقلت وقد غلب عليّ الغرام: في هذه الساعة أكسر القبة التي عليها النقش المكتوب، ليجيء العفريت فأقتله، إني موعود بقتل العفاريت!

ثم إن الصعلوك الثاني قال للصبية: ورفست القبة رفساً قوياً، وسرعان ما وصل العفريت فقالت لي صاحبتي: أما حذرتك من هذا؟ والله لقد آذيتني، ولكن انج بنفسك واطلع من المكان الذي جئت منه.

فمن شدة خوفي نسيت نعلي وفأسي فلما طلعت درجتين التفت فرأيت الأرض قد انشقت وطلع منها عفريت ذو منظر بشع وقال لها: ما هذه الصيحة التي أزعجتني؟ فقالت له إن صدري ضاق فأردت أن أشرب شراباً يشرح صدري، فنهضت لأقضي أشغالي فوقعت على القبة، فقال لها العفريت: تكذبين! ونظر في القصر يميناً وشمالاً فرأى النعل والفأس فقال لها: ما هذه إلا متاع الإنس! من جاء إليك؟ فقالت: ما نظرتهما إلا في هذه الساعة ولعلهما تعلقا معك. قال العفريت: هذا كلام لا ينطلي عليّ. ثم  صلبها بين أربعة أوتاد وجعل يعقبها ويقررها بما كان فلم يهن عليّ أن أسمع بكاءها فطلعت من السلم مذعوراً من الخوف، فلما وصلت إلى أعلى الموضع رددت الطابق كما كان وسترته بالتراب، وندمت على ما فعلت غاية الندم، وتذكرت الصبية وحسنها وكيف يعاقبها هذا المعلون وهي في صحبته منذ خمس وعشرين سنة، وما عاقبها إلا بسببي وتذكرت أبي ومملكته وكيف صرت حطاباً.

القرد ابن ملك

مشيت إلى أن أتيت رفيقي الخياط فلقيته في الانتظار على مثل مقالي النار، وقال لي: إني بت البارحة وقلبي عندك وخفت عليك من وحش أو غيره، فالحمد لله على سلامتك فشكرته على شفقته ودخلت خلوتي، وجعلت أتفكر فيما جرى لي وألوم نفسي على رفسي تلك القبة، وإذا بصديقي الخياط دخل عليّ وقال لي: في الدكان شخص أعجمي يطلبك ومعه فأسك ونعلك قد جاء بهما إلى الخياطين وقال لهم إني خرجت وقت آذان المؤذن لأجل صلاة الفجر فعثرت بهما ولم أعلم لمن هما فدلوني على صاحبهما فدلهما الخياطون عليك، وهو قاعد في دكاني فأخرج إليه وأشكره وخذ فأسك ونعلك.

لما سمعت هذا الكلام اصفر لوني وتغيرت حالي. بينما أنا كذلك وإذا بأرض محلي قد انشقت وطلع منها الأعجمي وإذا هو العفريت، وكان قد عاقب الصبية غاية العقاب فلم تقر له بشيء فأخذ الفأس والنعل وقال لها: إن كنت جرجريس من ذرية إبليس فأنا أجيء بصاحب هذا الفأس والنعل، ثم جاء بهذه الحيلة إلى الخياطين الذين دلوه عليّ ثم نزل وغاص بي في الأرض وأنا لا أعلم بنفسي فرأيت الصبية والدم يسيل من جوانبها ففطرت عيناي بالدموع، فأخذها العفريت وقال لها: هذا عشيقك. نظرت إليّ وقالت له: لا أعرفه ولا رأيته إلا في هذه الساعة. قال لها العفريت: كل هذه العقوبة ولا تقرين؟ فقالت: ما رأيته عمري، وما يحل لي أن أكذب. فطلب منها العفريت: إن كنت لا تعرفينه فخذي هذا السيف واضربي عنقه. أخذت السيف وجاءتني ووقفت على رأسي فأشرت لها بحاجبي ودمعي يجري على وجنتي، فنضت وغمزتني وقالت: أنت الذي فعلت بنا هذا كله. أشرت لها: هذا وقت العفو.

لما فهمت الصبية إشارتي، رمت السيف من يدها يا سيدتي، فناولني العفريت السيف وقال لي: اضرب عنقها وأنا أطلقك ولا أنكد عليك. فأخذت السيف وتقدمت بنشاط ورفعت يدي فأشارت لي بحاجبها: أنا ما قصرت في حقك. اغرورقت عيناي بالدموع ورميت السيف من يدي وقلت: أيها العفريت الشديد والبطل الصنديد، إذا كانت امرأة لم تستحل ضرب عنقي فكيف يحل لي أن أضرب عنقها ولم أرها عمري؟ ثم أخذ السيف وضرب يد الصبية فقطعها، ثم ضرب الثانية فقطعها، ثم قطع رجلها اليمنى، ثم رجلها اليسرى، وأنا أنظر بعيني فأيقنت بالموت. ثم أشارت إليّ بعينها فرآها العفريت فضربها فقطع رأسها والتفت إليّ وقال: يا أنسي، نحن في شرعنا إذا زنت الزوجة يحل لنا قتلها، وهذه الصبية اختطفتها ليلة عرسها وهي بنت اثنتي عشرة سنة ولم تعرف أحداً غيري، وكنت أجيئها في كل عشرة أيام ليلة واحدة في زي رجل أعجمي، فلما تحققت أنها خانتني قتلتها. أما أنت فلم أتحقق أنك خنتني فيها، ولكني لا يمكن أن أخليك في عافية، فتمن عليّ أي ضرر. فرحت يا سيدتي غاية الفرح وطمعت في العفو وقلت له: وما أتمناه عليك؟ قال تمن عليّ أي صورة أسحرك فيها، إما صورة كلب وإما صورة حمار وإما صورة قرد، فقلت له وقد طمعت أن يعفو عني: والله إن عفوت عني يعف الله عنك بعفوك عن رجل مسلم لم يؤذك. وتضرعت إليه غاية التضرع وبقيت بين يديه وقلت له: أنا مظلوم، فقال لي، لا تطل الكلام، أما القتل فلا تخف منه، وأما العفو فلا تطمع فيه، وأما سحرك فلا بد منه.

ثم شق الأرض وطار بي إلى الجو حتى نظرت إلى الدنيا تأتي كأنها قصعة ماء، ثم حطني على جبل وأخذ قليلاً من التراب وهمهم عليه وتكلم ورشني وقال: اخرج من هذه الصورة إلى صورة قرد. فصرت قرداً ابن مئة سنة، فلما رأيت نفسي في هذه الصورة القبيحة بكيت على روحي، وصبرت على جور الزمان، وانحدرت من أعلى الجبل إلى أسفله وسافرت مدة شهر.

سحر ابنة الملك

ثم ذهبت إلى شاطئ البحر المالح، فوقفت ساعة وإذا بمركب في وسط البحر قد طاب ريحها وهي قاصدة البر فاختفيت خلف صخرة على جانب البحر وسرت إلى أن أتيت وسط المركب، فقال واحد منهم: اخرجوا هذا القرد من المركب. قال واحد: بل أقتله بهذا السيف. أمسكت طرف السيف وبكيت وسالت دموعي، فحن عليّ الرئيس وقال لهم: يا تجار إن هذا القرد استجار بي وقد أجرته وهو في جواري فلا أحد يتعرض له. ثم إن الرئيس صار يحسن إليّ ومهما تكلم به أفهمه وأقضي حوائجه كلها وأخدمه في المركب، وقد طاب لها الريح مدة خمسين يوماً حتى رست على مدينة عظيمة فيها عالم كثير لا يحصى عددهم إلا الله، فساعة وصولنا أوقفنا مركبنا فجاءتنا مماليك من طرف ملك المدينة فنزلوا المركب وهنأوا التجار بالسلامة وقالوا: إن ملكنا يهنيكم بالسلامة وقد أرسل إليكم هذا الورق ليكتب كل واحد منكم فيه سطراً، فقمت وأنا في صورة القرد وخطفت الورق من أيديهم فخافوا أن أقطعه وأرميه في الماء فنهروني وأرادوا قتلي. أشرت لهم أني أكتب، فقال لهم الرئيس: دعوه يكتب فإن لم يعرف الكتابة طردناه  وإن أحسنها اتخذته ولداً، فإني ما رأيت قرداً أفهم منهم. ثم أخذت القلم وكتبت بقلم الرقاع هذا الشعر:

لقد كتب الدهر فضل الكرام

وفضلك للآن لا يحسـَــبُ

فلا أيتم الله منك الـــــــــورى

لأنك للـــــــــفضل نعم الأب

  ناولتهم ذلك الورق فطلعوا به إلى الملك، فلما تأمل الملك ما في الورق لم يعجبه خط أحد إلا خطي، فقال لأصحابه: توجهوا إلى صاحب هذا الخط وألبسوه هذه الحلة وأركبوه بغلة وهاتوه بالنوبة وأحضروه بين يدي، فلما سمعوا كلام الملك تبسموا، فغضب منهم ثم قال: كيف آمركم بأمر فتضحكون عليّ؟ فقالوا: أيها الملك، لم نضحك على كلامك ولكن الذي كتب هذا الخط قرد وليس آدمياً، وهو مع رئيس المركب! فتعجب الملك من كلامهم واهتز من الطرف وقال: أريد أن أشتري هذا القرد!

ثم بعث رسلاً إلى المركب ومعهم البغلة والحلة وقال: لا بد من  أن تلبسوه هذه الحلة وتركبوه البغلة وتأتوا به، فساروا إلى المركب وأخذوني من الرئيس وألبسوني الحلة ودخلت على الملك، فأمرني بالجلوس فجلست على ركبتي، فتعجب الحاضرون من أدبي، وكان الملك أكثر تعجباً، ثم إن الملك أمر الخلق بالانصراف فانصرفوا ولم يبق إلا الملك والطواشي ومملوك صغير وأنا، ثم أمر بطعام فقدموا مائدة فيها ما تشتهي الأنفس وتلذ الأعين، فأشار إليّ الملك أن أكل فقمت وقبلت الأرض بين يديه سبع مرات، وجلست آكل معه.. فلما رفعت المائدة، ذهبت فغلست يدي، وأخذت الدواة والقلم والقرطاس وكتبت هذين البيتين:

أنا جر الضأن ترياق من العلل

وأصحن الحلو فيها منتهى أملي

يا لهف قلبي على مد السماط إذا

ماجت كنافته بالسمن والعســــل

ثم قمت وجلست بعيداً فنظر الملك إلى ما كتبته وقرأه، فتعجب وقال: هل يكون عند قرد هذه الفصاحة وهذا الخط؟ والله إن هذا من أعجب العجب، ثم قدم للملك شطرنج فقال لي الملك: أتلعب؟ فأشرت برأسي: نعم ثم تقدم ووضعت الشطرنج ولعبت معه مرتين فغلبته، فحار عقل الملك وقال: لو كان هذا آدمياً لفاق أهل زمانه، ثم قال لخادمه: اذهب إلى سيدتك وقل لها كلمي الملك حتى تجيء فتتفرج على هذا القرد العجيب، فذهب الطواشي وعاد ومعه سيدته بنت الملك، فلما نظرت إليّ غطت وجهها وقالت: يا أبي كيف طاب لك أن ترسل إليّ فيراني الرجال الأجانب؟ فقال: يا ابنتي ما عندي سوى المملوك والطواشي الذي رباك وهذا القرد فممن تغطين وجهك؟ فقالت إن هذا القرد ابن ملك واسم أبيه إيمار صاحب جزائر الأبنوس، وهو مسحور سحره العفريت جرجريس الذي هو من ذرية إبليس، وقد قتل زوجته بنت ملك أفناموس، وهذا الذي تزعم أنه قرد إنما هو رجل عالم عاقل، فتعجب الملك من ابنته ونظر إليّ وقال: أحق ما تقول عنك؟

 فقلت برأسي: نعم، وبكيت، فقال الملك لابنته: من أين عرفت أنه مسحور؟ فقالت: كان عندي وأنا صغيرة عجوز ماكرة ساحرة علمتني السحر، وقد حفظته وأتقنته وعرفت مائة وسبعين باباً من أبوابه أقل باب منها أنقل به حجارة مدينتك خلف جبل قاف، وأجعلها لجة بحر وأجعل أهلها سمكاً في وسطه، فقال أبوها: بحق اسم الله عليك أن تخلصي لنا هذا الشاب حتى أجعله وزيري، وهل فيك هذه الفضيلة ولا أعلم؟ فخلصيه لأنه ظريف لبيب، فقالت: حباً وكرامة، ثم أخذت بيدها سكيناً وعملت دائرة.

هنا أدرك شهرزاد الصباح، فسكتت عن الكلام المباح.

وإلى حلقة الغد

         

back to top