«موقعة الصريف»... «واترلو» الكويت المنسية! (1)

نشر في 17-12-2015
آخر تحديث 17-12-2015 | 00:08
 خليل علي حيدر يوحي تطابق عام وفاة الشيخ مبارك الصباح مع احتفال أوروبا هذا العام بالذكرى المئوية الثانية لمعركة «واترلو» التاريخية، أن نتذكر من جديد معركة كبرى وقعت في المنطقة الخليجية عام 1901، وهي «معركة الصريف»، وكانت مأساة دامية ، لا تزال أصداؤها تتردد في كتب التاريخ وفي الذاكرة الوطنية الكويتية.

احتفلت الكويت من 29 نوفمبر إلى 3 ديسمبر 2015 بالذكرى المئوية لرحيل الشيخ مبارك الصباح الكبير، حيث ألقيت الكلمات والمحاضرات وعرضت الصور والوثائق والكتب المتعلقة بعصره، وذلك في مكتبة الكويت الوطنية، وبحضور الوزراء والمسؤولين وبعض أحفاد الشيخ، ومشاركة كل من يدرك الدور التاريخي لهذا الحاكم في إبراز اسم الكويت والدفاع عن كيانها، والذي لعب دوراً محورياً في تأسيسه الحديث.

ويوحي تطابق عام وفاة الشيخ مبارك الصباح مع احتفال أوروبا هذا العام بالذكرى المئوية الثانية لمعركة "واترلو" التاريخية، أن نتذكر من جديد معركة كبرى وقعت في المنطقة الخليجية عام 1901، وهي "معركة الصريف"، وكانت مأساة دامية، لا تزال أصداؤها تتردد في كتب التاريخ وفي الذاكرة الوطنية الكويتية، والحقيقة أن في تاريخ العديد من دول العالم معارك حاسمة دامية مثل "واترلو" التي خسرها نابليون بونابرت قبل قرنين، واحتفت أوروبا بذكراها هذا العام... دون فرنسا بالطبع!

كان لحجم معركة الصريف والحشد العسكري والقبلي فيها، بالنسبة إلى ظروف عصرها ومفاجآت المعركة وفواجعها، وتصادم طموحات وأهداف الشيخ مبارك وعبدالعزيز المتعب الرشيد وآل سعود والقبائل المشاركة، وكل الجيش الكويتي المحارب في المعركة، ما يجعلها حقاً إحدى أكبر معارك الخليج والجزيرة العربية في القرن العشرين، ولا نرى بالطبع تماثلا بين ظروف وحوادث أوروبا في القرن التاسع عشر، وبين ظروفنا في مطلع القرن الماضي، ولا بين الحروب النابليونية وبين معارك هذه المنطقة في الخليج والجزيرة، إلا أن "معركة الصريف" كانت تماثل من نواح عدة للكويت ونجد ما يشبه معركة واترلو الحاسمة، التي عقد عليها نابليون الآمال، وجمع لها كل ذلك الجيش الجرار، ثم هزمت فيها فرنسا هزيمة ساحقة، أمام الجيوش الأوروبية في قرية "واترلو" ببلجيكا الحالية، وهي جيوش كل من إنكلترا والنمسا وروسيا وبروسيا، كما كانت تسمى ألمانيا آنذاك، حيث انتهت بواترلو أسطورة نابليون، ورسمت معركة واترلو وجه أوروبا باعتبارها أول معركة بين جيوش أكبر قوتين أوروبيتين هما بريطانيا العظمى وفرنسا.

وبعكس نابليون الذي انتهى مصيره بفقدان تلك الموقعة، فشل آل رشيد في الإمساك بمبارك بعد الصريف رغم تحطم قواه وتشتت مقاتليه، وعاد إلى الكويت وقد خسر الموقعة لا الحرب!

ولا شك أن مباركاً، كما يقول د. العجمي، كان يرى في نفسه سيد نجد وما جاورها "ولم يكن من عثرة في طريقه إلا آل رشيد، فقرر إزالتهم"، وفي الظرف الذي اعتبره مبارك مناسباً رأى أنه من الأفضل مباغتة غريمه في موقعة الصريف، حيث كان عبدالعزيز آل رشيد "لا يزال يلعق جراحه من جراء تلك المناوشات التي حدثت بين آل رشيد وبين سعدون في– مواقع- الخماسية وتل جبارة وتل اللحم، بالإضافة الى الرخيمة مع جيش مبارك".

و"كان مبارك يرى نجداً في يد صديقه ابن سعود كأطراف آمنة للكويت التي أرهقتها غارات قبائل ابن رشيد حتى انقطعت التجارة وتوقف دورها كمحطة لحجاج إيران والعراق لعدم وجود من يحفظ السبيل لهم عبر نجد إلى مكة". (جيش الكويت، ص243).

 وقد راجت بعد معركة الصريف "أنباء في الخليج عن مقتل رجل الكويت القوي الشيخ مبارك الصباح متأثراً بجراحه بعد أن وصل إلى الكويت"، إلا أن الإشاعة كانت بالطبع كاذبة، حيث واصل مبارك الحكم وكان حياً يرزق، وبقي حاكماً قويا في المنطقة والبلاد، وعالج مع مرور الوقت الآثار المدمرة لموقعة الصريف، بل أجرى بعض الاتصالات بروسيا القيصرية فور وصوله!

ماذا عن موقف العثمانيين بعد هزيمة مبارك؟

يقول د. العجمي: "خسر مبارك معركة الصريف وتكررت محاولات الدولة لإرهابه، ففي ديسمبر 1901م أرسلت وفدا على ظهر السفينة العسكرية (زحاف) مكونا من السيد رجب النقيب وبصحبته الأميرلاي نجيب بيك شقيق مصطفى نوري والي البصرة، ومعهم إنذار تركي لمبارك إما قبول الحماية العثمانية وإقامة حامية عسكرية، أو السفر إلى الاستانة والعمل عضوا في مجلس الشورى، أو التقاعد في أي بلد يختاره من بلدان الدولة مع حقه في راتب شهري قدره 150 ليرة عثمانية، أو سوف يتم إخراجه بالقوة". ( ص105).

وقد تخلص الشيخ مبارك من هذا الموقف بذكاء، مستفيداً من بعض السفن الإنكليزية قبالة الشاطئ، وقال للأتراك: "إن السلطات البريطانية تمنعني بالقوة من إعطاء رأيي".

تعد شخصية الشيخ مبارك الصباح الذي حكم الكويت نحو عشرين عاماً ما بين 1896 و1915 من أبرز حكام الكويت وأهمهم في القرن العشرين، وما من مؤرخ كويتي إلا وتوقف طويلاً وناقش عصره وحياته، وما أثارته فترة حكمه من قضايا. ولحسن الحظ لا تزال أعمال المؤرخين حول شخصية الشيخ مبارك، وبخاصة "معركة الصرف" من بين حروبه تتوالى، أشير في هذا المقال إلى ثلاثة منها:

أول هذه الأعمال كتاب "د. ظافر محمد العجمي" الذي ذكرناه منذ قليل "جيش الكويت في عصر مبارك الصباح"،  الصادر عام 2000 في 304 صفحات، وهو كتاب مركز، ثري بالمعلومات، يستفيد فيه المؤلف من خبرته العسكرية، ويسلط الأضواء على حياة مبارك وحروبه واستعداداته وتربيته وعصره وجيشه من زوايا جديدة، تقدم لنا مبارك الكبير في إطار أوسع بكثير من عصره، وما قرأنا عنه في كتب أخرى، وكانت الدراسة في الأصل رسالة ماجستير عام 1997.

 أما الكتاب الثاني فهو "معركة الصريف بين المصادر التاريخية والروايات الشفهية" للأستاذ فيصل بن عبدالعزيز السمحان، وقد صدرت طبعته الأولى عام 2007 والثانية 2010 في 300 صفحة، ولعل أبرز ما في كتاب السمحان التفاصيل المحزنة التي يوردها في الفصلين الرابع والخامس لـ"مأساة الكويتيين في صحراء نجد"، والمجازر البشرية، وكذلك "الـروايات التي تنفطر لها القلوب"، ويقول في الصفحة 210 "إن عدد الذين خرجوا مع الشيخ مبارك الصباح من أهل الكويت خاصة بلغ 1200 مقاتل، لم يرجع منهم إلى الكويت سوى 150 فقط". ويورد السمحان قائمة بشهداء الصريف لا تتجاوز 67 اسماً مما تحتم الحاجة إلى رصد وتوثيق مئات الأسماء الأخرى، رغم ما بذله المؤلف من جهد.

back to top