حفيدة بابلو بيكاسو: كان وحشاً!

نشر في 29-12-2015 | 00:00
آخر تحديث 29-12-2015 | 00:00
تتحدّث حفيدة بابلو بيكاسو، مارينا، عن جدها الذي كان {يجهل معنى العائلة}!

دائماً ما تشعر مارينا بوخز في حلقها وطنين في رأسها حين تجد نفسها أمام لوحة لجدها، حتى إنها قد تفقد وعيها من فرط تأثرها أحياناً. في ذلك اليوم الخريفي، قررت حفيدة الرسام الشهير أن تتجاهل هذه الأعراض ودخلت للمرة الأولى إلى متحف بيكاسو. إنها الحفيدة الشرعية الوحيدة لذلك الرسام العبقري الذي رسم أكثر من 400 لوحة وابتكر آلاف الرسوم والمنحوتات، ولكنها تحمّله مسؤولية الحوادث الدرامية التي واجهها كل من أحبّه. توقفت فجأةً أمام رسم لجدتها أولغا خوخلوفا، أول امرأة رسمها بيكاسو وتزوجها في عام 1918 ولم يطلّقها يوماً. ثم توقفت أمام رسم والده الذي كان يحمل نظرة حزينة علماً أنه كان يحتقر ابنه الذي مات مخموراً.

في غرفة صغيرة من الطابق الثاني، تنتشر صور لبعض أفراد عائلة بابلو بيكاسو: كلود وبالوما اللذان أنجبهما بيكاسو من فرانسواز جيلو، ومايا، ابنته من ماري تيريز والتر. لكن ما من صورة واحدة لمارينا مع شقيقها الكبير بابليتو.

تشعر مارينا بيكاسو بأنها تعيش حياة متناقضة لأنها مدينة لشخصٍ لم يقدم لها شيئاً. تحمل اسم رجلٍ تخجل به وتعيش في منزله وتستعمل ثروته ولكنها تقول إنها أعادته إلى {مكانته الصحيحة}. تبدو هذه المرأة الستينية ناعمة ولطيفة جداً، وتكرر أن بيكاسو يُعتبر في نظرها ونظر شقيقها ووالده {وحشاً} و{مصاص دماء} كونه كان {يستغل أولاده ونساءه لمصلحته ثم يرميهم بعد التهامهم}. مع ذلك، تعجّ مكتبتها بمئات كتب تتحدث عنه وهي تعلّق رسومه في صالون صغير إلى جانب صور كبيرة له على الجدران ومنحوتتين من صنعه. تعترف مارينا بأنها لا تستطيع التهرب من إرث بيكاسو علماً أنها أمضت 15 سنة وهي تتعالج نفسياً.

في 8 أبريل 1973، كانت مارينا تبلغ 23 عاماً حين أخبرها شقيقها بابليتو بالنبأ الذي سمعه على الراديو: توفي جدهما بيكاسو! بعد أربعة أيام، انتحر بابليتو عبر شرب ماء الجافيل بعد أن منعه الحراس من توديع جده. ثم توفي الأب باولو. مرت الشابة مارينا بحداد عائلي مأساوي واكتشفت أنها جزء من الورثة الستة للرسام الراحل وقد تطلبت معاملات حصر الإرث ست سنوات لأن بيكاسو لم يترك أي وصية واضحة، فتولى فريق من الخبراء توزيع 50 ألف عمل فني بين لوحات ورسوم ومنحوتات وصور وبطاقات... تساوي هذه الثروة نحو 1.3 مليار فرنك. تلقت مارينا أعمالاً فنية بقيمة 200 مليون فرنك، وحصل أخوها غير الشقيق برنارد وأرملة الرسام جاكلين روك على أعمال بقيمة 300 مليون فرنك. أما الأبناء الذين ولدوا خارج إطار الزواج، فطالبوا بحقوقهم وورث كل واحد منهم ممتلكات بقيمة 85 مليون.

ذكريات مؤلمة

تؤكد مارينا أنها لا تحمل عن جدها إلا ذكريات مؤلمة حين كان يزورهم في أيام الخميس فتسمعه وهو يطلب المال من والدها. لذا كان يصعب عليها أن يرتبط اسمها فجأةً بأسطورة ترفضها وتاريخٍ تكرهه وإرثٍ يصيبها بالغثيان. بالكاد تجيد التكيف مع هذا المصير الشائك وهي تكشف عن تناقضات كثيرة في حياتها وعن صدقٍ لافت في مواقفها. تقول صراحةً إن شهرة بيكاسو كانت عبئاً أثقل حياتها. لكنها لم تكن تستطيع اختيار شهرة والدتها إيميليان لوتي لأن علاقتها معها كانت معقدة. لا تهتم بالثروة لأن المال ليس غاية بحد ذاتها بل يجب إعطاؤه معنىً معيناً. ماذا عن المسؤولية التي تشعر بها كونها حفيدة عبقري مماثل؟ تعتبر أن علاقتها بعائلة بيكاسو ليست مهنة تعرّف عنها.

تكمن المفارقة في واقع أنّ المنزل حيث تعيش في معظم الأوقات والذي كان والدها ينعزل فيه أصبح ملكاً لها. تمتد تلك الفيلا الضخمة على أكثر من 1300 متر مربع وقد تركها مالكها بعد تشييد مبنىً يخفي المنظر المطلّ على البحر. حين عادت إليها مارينا بعد أن أصبحت تملكها، كان يسكن فيها بواب مسنّ ولم يكن يعرف بوجود مئات الأعمال الفنية في الأقبية المهجورة. حاولت مارينا بيعها ثلاث مرات ثم استقرت فيها وغيّرتها إلى أن أصبحت مختلفة بالكامل. غالباً، تسكن في هذه الفيلا المطلة على خليج كان وفي جنيف وتربي هناك أولادها: أنجبت اثنين وتبنت ثلاثة أولاد متروكين من فيتنام، وفوجئت حين علمت أنهم يفتخرون بحمل شهرة {بيكاسو} بينما يكره أقاربه {البيولوجيون} هذا الإرث ويرفضون استعماله.

طي الصفحة

تبلغ مارينا بيكاسو اليوم 65 عاماً وهي تفكر ببيع تلك الفيلا علماً أنها لا تقيم فيها من دون نشر حرس على الباب بعد أن شاهدت من نافذتها يوماً ثمانية رجال مسلحين يتسللون إلى الحديقة. تفكر بهذا الخيار كي تطوي الصفحة مع جدها. قد يُفاجأ من يسمعها لأنها انتظرت 40 عاماً لطيّ تلك الصفحة، لكنها تبتسم وتصمت ثم تقول إنها قد تطرح قريباً أعمالاً فنية كثيرة في السوق من دون اللجوء إلى الشركات الكبرى لأنها تعتبرها جشعة. لا يؤيد أفراد آخرون من عائلة بيكاسو هذه الخطة خوفاً من إهدار الإرث الفني.

 لكن لا تهتم مارينا باعتراضهم بل تنتقد طريقتهم في إدارة الأعمال واستعمال شهرة {بيكاسو}.

تتلقى مارينا يومياً عشرات الرسائل من عائلاتٍ تطلب منها المساعدة. تختار الرسائل التي تؤثر بها وتدعم المشاريع عبر تقديم مبالغ طائلة من دون الإفصاح عن اسمها دوماً. قدمت مارينا مليون يورو لقسم الطوارئ النفسي الخاص بالمراهقين في أحد مستشفيات مرسيليا و500 ألف يورو لمركز مختص بالمسنين، فضلاً عن هبات أخرى كثيرة.

تسعى حفيدة بابلو بيكاسو بشكل أساسي إلى مساعدة المراهقين وكبار السن تكريماً لشقيقها وجدتها الفقيرة التي توفيت في مركزٍ لم يقصده ابنها يوماً لزيارتها. تع

لم مارينا أن أول لوحة ستنفصل عنها هي لوحة {العائلة} التي ورثتها وكان بيكاسو قد رسمها في عام 1935.

back to top