هل يقود بوتين روسيا إلى المجد أم إلى الكارثة؟

نشر في 25-06-2015
آخر تحديث 25-06-2015 | 00:01
من الواضح أن بوتين يسعى إلى إعادة تأكيد دور روسيا كقوة عظمى، ولكن من غير المؤكد أن الدرب الذي اختاره سيحقق ما يصبو إليه، فما كان مضطراً في النهاية إلى ضم القرم، وحمل روسيا على المشاركة في صراع مطوّل في شرق أوكرانيا.
 موسكو تايمز يفتخر الروس بأن روسيا كلما عانت ضربة قوية تؤثر في قدرتها على تأدية دور قوة عظمى في الماضي تمكنت من التعافي ومعاودة البروز كدولة عظمى، خلال فترة وجيزة عموماً، على سبيل المثال، تلا غزو نابليون روسيا عام 1812 مشاركة روسيا في ائتلاف منتصر ألحق به الهزيمة بين عامَي 1814 و1815. في عام 1918 أرغمت ألمانيا موسكو على توقيع معاهدة بريست-ليتوفيسك، التي سلبت روسيا مساحات واسعة من الأراضي، ولكن تلا ذلك ترسيخ البلاشفة القوة الروسية واستعادة الجزء الأكبر من هذه الأراضي.

وتلا الغزو النازي للاتحاد السوفياتي مشاركة هذا الأخير في ائتلاف منتصر هزم ألمانيا عام 1945 وتحوُّل الاتحاد السوفياتي بعد ذلك إلى إحدى القوتين العظميين في العالم.

وتلا انهيار الاتحاد السوفياتي وحالة الفوضى الاقتصادية الناجمة إعادة الرئيس فلاديمير بوتين إرساء الاستقرار والازدهار وتأكيد دور روسيا كقوة عظمى دولياً، وبدا بعد ذلك أن بوتين يسير على خطى القادة الروس الذين نجحوا في عكس التراجع المفاجئ وإعادة إحياء روسيا كقوة عظمى، تماماً مثل طائر الفينيق.

ولكن نستطيع أيضاً أن ننظر إلى التاريخ الروسي من منظار مختلف: فبدل اعتبار أن روسيا قادرة دوماً على النهوض من كبوتها، من الممكن رؤية هذا النمط على أنه نمط تسعى فيه روسيا دوماً إلى بناء قوتها ومكانتها، بيد أنها تواجه باستمرار النكسات الكارثية، تماماً مثل سيزيف الذي ما انفك يحمل الصخرة إلى أعلى التلة لتتدحرج مجدداً إلى الوادي، فتذهب كل جهوده سدى. على سبيل المثال، رغم كل الجهود التي بذلها القياصرة للنهوض بروسيا إلى مصاف القوى الأوروبية الكبرى، عجزت روسيا عن تفادي كارثة غزو نابليون، ورغم الإصلاحات السياسية الواعدة في مطلع القرن العشرين لم تتجنب روسيا كوارث الحرب العالمية الأولى، والثورة الروسية، والحرب الأهلية، ورغم كل التقدمات الاقتصادية المذهلة التي حققتها روسيا في عهد ستالين (مع أن كلفتها البشرية كانت باهظة)، عانى الاتحاد السوفياتي كارثة الغزو الألماني عام 1941، ورغم بلوغ الاتحاد السوفياتي مصاف القوى العظمى عقب الحرب العالمية الثانية، انهار هذا الاتحاد عام 1991 وواجهت روسيا تراجعاً اقتصادياً حاداً.

تثير كل هذه التطورات السؤال: هل تؤدي جهود بوتين الهادفة إلى إعادة تأكيد دور روسيا كقوة عظمى أيضاً إلى نكسة مؤلمة إضافية؟ وبدل طائرة الفينيق، هل نحصل على سيزيف ثانٍ؟ يعتمد الجواب على تحديد السبب الرئيس وراء نكسات روسيا المتتالية. يشير الكثير من الروس إلى الاعتداءات والصراعات الخارجية كسبب لهذه النكسات، صحيح أننا لم نشهد صراعاً أميركياً-سوفياتياً مباشراً خلال الحرب الباردة، إلا أنهم يعتبرون أن سياسة الاحتواء الأميركية أضعفت الاتحاد السوفياتي.

إذاً، تعود النكسات الروسية إلى أجانب عدائيين، في حين تشكل عمليات تعافيها نتيجة مذهلة للمبادرة الروسية، ولكن في النكسات الروسية الثلاث الأشد وطأة، أدى إخفاق القادة الروس في اتخاذ القرارات الصائبة، قرارات ما كانوا مضطرين لاتخاذها، دوراً كبيراً في سقوطهم.

على سبيل المثال، ما كان القيصر نيقولا الثاني مضطراً إلى اتخاذ قرار الدفاع عن صربيا ودخول الحرب العالمية الأولى، ولو ظلت الحرب محصورة بين النمسا-المجر وصربيا لاستنفدت على الأرجح الحكومة الإمبراطورية الهشة في فيينا قواها في صراع مع صربيا القومية، وكانت الحكومة القيصرية ستنجو حتى لو نجحت النمسا-المجر في إنزال هزيمة سريعة بصربيا، مع أن هذا كان مستبعداً، وهكذا كانت روسيا ستتفادى كارثة أعظم بكثير: الثورة البلشيفية.

على نحو مماثل، ما كان ستالين مضطراً إلى القبول بالاتفاق النازي-السوفياتي عام 1939، الذي وضع ألمانيا في موقف أفضل بكثير سمح لها بمهاجمة الاتحاد السوفياتي عام 1941، لكن اعتقاد ستالين الغريب أن هتلر لن يهاجم الاتحاد السوفياتي شكل خطأ تاريخياً بحق.

صحيح أن غورباتشوف كان مصيباً باستنتاجه أن الاتحاد السوفياتي يحتاج إلى إصلاح اقتصادي شامل كي يتمكن من مجاراة غرب يزداد قوة، ولكن ما كان عليه أن يحاول تطبيق خططه الساذجة بالكامل في مجال الإصلاح الاقتصادي، وخصوصاً أنه كان يستطيع بكل بساطة أن يقلد نموذج الإصلاح الاقتصادي الذي يستند إلى السوق والذي حقق النجاح، محافظاً في الوقت عينه على السيطرة السياسية التي فرضها دينغ شياو بينغ في الصين.

هل يواجه بوتين المصير ذاته؟ من الواضح أنه يسعى إلى إعادة تأكيد دور روسيا كقوة عظمى، ولكن من غير المؤكد أن الدرب الذي اختاره سيحقق ما يصبو إليه، فما كان مضطراً في النهاية إلى ضم القرم، وحمل روسيا على المشاركة في صراع مطوّل في شرق أوكرانيا، أو اتخاذ أي من الخطوات التي أقدم عليها وأثارت استياء الغرب، حليف روسيا الأكثر احتمالاً في وجه الصين التي تزداد قوة والتي استطاعت تأكيد نفسها كقوة عظمى ببطء إنما بنجاح أكبر من روسيا.

إذاً، بدل تقوية روسيا، قد تكون قرارات روسيا شبيهة بتلك القرارات التي كان باستطاعة نيقولا الثاني، وستالين، وغورباتشوف تفاديها، والتي أدت إلى الإساءة إلى روسيا... إذاً على غرار الحكام الروس السابقين يجهز بوتين على الأرجح روسيا لنكسة كارثية أخرى.

مارك إن كاتز

back to top