عالم الـ 20% على جانبي الأطلسي

نشر في 09-01-2016 | 00:01
آخر تحديث 09-01-2016 | 00:01
No Image Caption
هناك أدلة عديدة تظهر أن الناخبين الغربيين يشعرون بغضب من الأحزاب والخيارات الراسخة، وهم أكثر رغبة في حلول تنطوي على تطرف، لاسيما عندما يضع المرشحون الحلول على شكل فرض لا مفر منه.
إذا أردت اختيار رقم لسنة 2016 فما رأيك برقم 20 في المئة؟ انظر الى السياسات في العالم الغربي وسوف ترى الكثير من الأفكار التي لم تكن تفكر فيها، ومن مرشحين هامشيين أصبحت لديهم فجأة فرصة حقيقية في النجاح والفوز، وتكون الاحتمالات في العادة حوالي واحد من خمسة للتحقيق المحتمل.

وسوف يرسم هذا العالم من 20 في المئة صورة الديمقراطيات على جانبي الأطلسي، ويرجع ذلك الى أن كل من يراهن على سباق الخيل سوف يخبرك أن أحد الخيول سوف يسرع في نهاية المطاف.

ولنبدأ بالرئيس دونالد ترامب، فالمقامرون الذين كانوا في وضع أفضل للتنبؤ بالنتائج السياسية وبقدر يفوق حصيلة استطلاعات الرأي يضعون احتمالات وصوله الى البيت الأبيض عند 17 في المئة، ومن المثير للاهتمام أن تلك الاحتمالات هي ذاتها التي يتمتع بها على وجه التقريب جيرمي كوربين، وهو زعيم جناح اليسار في حزب العمال للفوز بمنصب رئيس وزراء بريطانيا، وفي فرنسا يضع المقامرون احتمال فوز مارين لوبان برئاسة فرنسا في سنة 2017 عند حوالي 25 في المئة، وذلك بسبب حصول هذه الشخصية الشعبية اليمينية على فرصة كبيرة لخوض معركة الدورة الثانية، ويتمتع غيرت ويلدرز من جناح اليمين، الذي كان يوصف بالرجل الهامشي بالفرصة ذاتها، لأن يصبح رئيس الوزراء المقبل في هولندا.

وتتمثل واحدة من القضايا الأخرى التي كانت خارج نطاق التفكير، والتي كان من الممكن أن تتحول بسرعة الى حقيقة في النسخة الأميركية من السياسي البريطاني كوربين وهو بيرني ساندرز الذي وصفه دونالد ترامب في الآونة الأخيرة بأنه مجرد "أحمق مثير للضحك" وقد حقق في الوقت الراهن نسبة خمسة في المئة من الأصوات، ولم يكن أسوأ من المرشح الآخر جيب بوش.

وإضافة الى ذلك فإن ساندرز تمكن من حشد شريحة من الطلاب والمتقاعدين وعمال القطاع العام الذين يتمتعون بأداء جيد في الانتخابات التمهيدية. وإذا تعثرت هيلاري كلينتون في فضيحة أخرى فإن الحزب الديمقراطي قد يجد نفسه أمام مرشح اشتراكي يخوض السباق الرئاسي بقائمة وطنية.

المرشحون الحمقى

ولا يقتصر الأمر على المرشحين "الحمقى"، لأن بعض الأحداث الأخرى هي أيضاً من الامكانيات التي تخرج عن نطاق التفكير بها وبصورة لافتة، وعلى سبيل المثال فإن بريطانيا قد تصوت في هذه السنة، وربما في يونيو المقبل - على الخروج من الاتحاد الأوروبي.

ويتوقع خبراء أن تستمر بريطانيا في وضعها الراهن، وذلك على الرغم من أن معظم العارفين ببواطن الأمور كانوا أقل ثقة في هذا التوجه مما كانوا عليه في حالة الاستفتاء الشعبي المتعلق باسكتلندا في عام 2014، والذي تبين أنه كان سباقاً غير مريح بالنسبة الى المؤسسة البريطانية على اي حال.

اعتاد المستثمرون على حدوث مفاجآت في عالم السياسة، وبشكل عام فإن هذه المفاجآت تشمل عادة تحقيق أحد الأحزاب نتيجة أفضل أو أسوأ من المتوقع، وتستمر الأمور في مسارها العادي، ولكن ليس في هذه المرة. ومع تسلم دونالد ترامب للمسؤولية سوف تجد الولايات المتحدة نفسها مع جدار على امتداد ريو غراند، وقد تعلق بحرب تجارية مع الصين، كما أن لوبان تريد اخراج فرنسا من منطقة اليورو وإعادة المفاوضات حول عضويتها في الاتحاد الأوروبي. ويصعب القول كم سيلحق ذلك من ضرر بالوسط المالي في لندن، لأن ذلك قد يفضي الى بلوغ الحد الأقصى من الأجور وإعادة تأميم البنوك والخطوط الحديدية وشركات الطاقة في بريطانيا.

والأكثر من ذلك أنه في عالم العشرين في المئة تسهم بعض الاحتمالات السيئة في جعل الاحتمالات الاخرى أكثر ترجيحاً، وإذا خرجت بريطانيا من الاتحاد الأوروبي فإن اسكتلندا قد تحاول هي الاخرى ان تنفصل عن بريطانيا، وإذا تمكنت لوبان من تدبير أمر اخراج فرنسا من منطقة اليورو فإن فرص انحلال الاتحاد سوف تزداد. وفي وسع المرء أن يخمن فقط ماذا سوف يفعل ترامب اذا أصبح رئيساً للولايات المتحدة بالنسبة الى علاقات بلاده مع أميركا اللاتينية والعالم الاسلامي.

الحكمة التقليدية

تقول الحكمة التقليدية من أوساط النخبة السياسية إن الناخبين سوف يدرسون هذه الاحتمالات ويحكمون عقولهم ويبتعدون عما لا يمكن التفكير فيه، كما أن أسواق المقامرة تظهر أن هيلاري كلينتون وماركو روبيو يتمتعان بفرصة أفضل من دونالد ترامب للفوز في انتخابات الرئاسة الأميركية، كما تظهر تلك الأسواق أيضاً أن بقاء بريطانيا في الاتحاد الأوروبي هو أكثر احتمالاًَ وليس العكس.

ولكن يوجد قدر كبير من الأدلة التي تظهر أن الناخبين في العالم الغربي يشعرون بغضب من الأحزاب والخيارات الراسخة، وهم أكثر رغبة في التفكير في حلول تنطوي على تطرف، لاسيما عندما يتم وضع الحلول من قبل سياسيين يضعون الأمور على شكل فرض لا مفر منه.

وفي حقيقة الأمر فإن مرشحين ثانويين شرعوا أصلاً في تسلم السلطة في بعض الدول الأصغر حجماً، وقبل خمس سنوات كان الديماغوجي الماركسي أليكسيس تسيبراس يعامل بالكثير من الازدراء من قبل السياسيين في اليونان، مثلما كان ساندرز يعامل من قبل عائلة بوش، ولكن حزب تسيبراس اليساري المتشدد سيريزا فاز في الانتخابات اليونانية في يناير 2015 ودفع اليونان الى صدام مع ألمانيا كاد يفضي الى خروج أثينا من الاتحاد الأوروبي.

وعلى أي حال يصعب اعتبار الخروج من الاتحاد الأوروبي ورئاسة ترامب مفاجأة تامة، وقد تصدر ترامب قائمة الحزب الجمهوري في الاستطلاعات طوال عدة أشهر، وقد بدأ معظم البنوك الكبرى التحضير للخطة "ب" الاحتياطية، تحسباً لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.

القلق الذي أوصلنا الى هذه النقطة لن يختفي أو يضعف، وعلى جانبي المحيط الأطلسي يشعر الناخبون في الأوساط السياسية على اختلافها باستياء من حدوث الأشياء نفسها من دون تغيير بما في ذلك اللامساواة والعولمة (وخاصة ما يتعلق بالهجرة والتجارة) وإذا كنت تشعر بقلق على وظيفتك وعلى مستقبل أطفالك يمكنك التوجه نحو اليسار الى جيرمي كوربين وبيرني ساندرز أو نحو اليمين الى دونالد ترامب ومارين لوبان.

ويفسر الفساد وعدم الكفاءة، سواء في صورة أموال السياسة الأميركية أو افتقار الاتحاد الأوروبي الى المساءلة، يفسر بشكل جزئي سبب عدم التوصل الى حلول لمشاكل العالم الغربي، ولكن ثمة سبباً آخر هو أن المشاكل من نوع عدم المساواة لا يمكن أن تحل بسرعة أو بسهولة، ثم إن الجيل لا يمكن أن يتعلم بين عشية وضحاها، وبكلمات اخرى فإن عالم العشرين في المئة سوف يستمر وعلينا الاعتياد عليه.

back to top