كاميرون يخفق في التعامل مع أوروبا

نشر في 22-06-2015
آخر تحديث 22-06-2015 | 00:01
 الغارديان حصل ديفيد كاميرون بإعادة انتخابه على رأسمال سياسي جديد، لكن تعاطيه مع أوروبا ليس سوى عرض أخرق قد يقوض سلطته الجديدة هذه، فمشروع قانون إجراء استفتاء بشأن الاتحاد الأوروبي، الذي وضعه والذي صُنّف من أولويات الحكومة، يبدو غير متقن، ويشكل هذا أحد الأسباب التي تدفع كاميرون إلى تقديم التنازلات للمحافظين المناهضين لأوروبا ومن خلفهم حزب استقلال المملكة المتحدة والصحافة المناهضة للوحدة الأوروبية، لكن هذه خطوة خرقاء وخطيرة، فهي تهدد دعم بريطانيا لأوروبا الذي لطالما كان قائماً.

تجلى هذا الضعف مرة أخرى أيضاً قبل أيام في ويستمنستر، حيث بدأ مشروع القانون هذا مرحلة خضوعه لتدقيق البرلمان البريطاني، وفي لوكسمبورغ حيث اجتمع وزراء داخلية الاتحاد الأوروبي بغية مناقشة الأزمة الإنسانية التي يواجهونها مع عبور اللاجئين والمهاجرين إلى جنوب أوروبا قادمين من إفريقيا، ففي هذين الإطارين المختلفين كليهما، عكس موقف الحكومة ما طلبه المناهضون لأوروبا، في محاولة لتفادي استفزاز الصحافة المناهضة للوحدة الأوروبية، وفي كلتا الحالتين، وضعت الحكومة وحدة حزب المحافظين قبل المصالح الوطنية والأوروبية.

في مجلس العموم، قدمت الحكومة تنازلين يُعتبران بريئين من بعض النواحي، أولاً، يلغي التعهد بعدم إجراء الاستفتاء في 5 مايو 2016 احتمال تزامنه مع انتخابات المؤسسات الاسكتلندية والمؤسسات المفوضة الأخرى التي ستُقعد السنة المقبلة، ويُعتبر هذا اقتراحاً منطقياً يساهم في تفادي هذا التصادم وحظي بدعم عدد من الأحزاب، فضلاً عن تأييد اللجنة الانتخابية، لكنه يشكل أيضاً علامة ضعف لأنه قبل أسبوع أعلن كاميرون نفسه أن الشعب قادر على اتخاذ قرارين في يوم واحد، إلا أن المناهضين للوحدة الأوروبية يعتقدون أن إجراء عملية الاقتراع في يوم آخر سيدعم قضيتهم، وخصوصاً بالحد من الإقبال على صناديق الاقتراع في اسكتلندا.

كذلك من الممكن تقبل استعداد الحكومة للعودة مجدداً إلى تطبيق ما يُدعى فترة الصمت الانتخابي على دوائر الحكومة خلال المرحلة التي تسبق إجراء الاستفتاء. في الظاهر، يبدو هذا أيضاً منطقياً ومنصفاً، لكنه يعني أن على الدوائر الحكومية أن تتوخى أقصى درجات الحذر بشأن ما تعلنه حول المسائل الأوروبية خلال هذه الحملة، في حين أن أقسام الحلبة السياسية الأخرى لا تخضع لأي ضوابط، وخصوصاً في وسائل الإعلام، ولا شك أن هذه ستكون خطوة بالغة الصعوبة، إن كان البرلمان منعقداً خلال الفترة التي تسبق التصويت، وقد تؤدي إلى دعاوى قضائية لإسكات الحكومة.

تبدو العواقب أشد خطورة مما يقر الوزراء أو النواب، ويوضح هذا لمَ ناضلت الحكومة بشراسة أخيراً لإبقاء مسألة الصمت الانتخابي مفتوحة حتى مرحلة إدخال التعديلات في مشروع القانون، ورغم الانتفاضة التي نشبت فإن عجز الوزراء عن الإدلاء بأي تصريح رسمي بشأن أوروبا يحدد الأجندة في وسائل الإعلام المناهضة للوحدة الأوروبية، لا من خلال حملات رسمية. وهكذا يصبح من الصعب دحض ما تدعيه وسائل الإعلام بنشر الوقائع الرسمية، ولا شك في أن فترة الصمت الانتخابية مبدأ منصف، إلا أنه لا يقدّم ساحة صراع مجازية متعادلة، بل يعطي المزيد من الزخم للمناهضين لأوروبا، ولهذا السبب على الأرجح طالبوا به بإلحاح.

في الوقت عينه في لوكسمبورغ ما زالت بريطانيا ترفض التعاون مع جهود المفوضية الأوروبية لوضع نظام حصص بغية تشاطر عبء الهجرة في البحر الأبيض المتوسط، وعلى غرار كاميرون تعرب تيريزا ماي عن موقف متشدد، مصرة على ضرورة إعادة المهاجرين الذين يُنقذون إلى بلدان المنشأ، وتأبى أن تعترف بهم كطالبي لجوء، مهددة بإنهاء مشاركة المملكة المتحدة في جهود الإنقاذ البحرية.

لهذا التصلب تشعبات عدة، منها رفض التعاون مع جهود المفوضية لمعالجة أزمة الهجرة كمسألة تعني الاتحاد الأوروبي ككل، ومن الواضح أن مشكلة المهاجرين تتطلب تعاون الاتحاد الأوروبي، بيد أن ماي تعلق دوماً أهمية كبرى على السياسة في وطنها، ويعود ذلك إلى أن نجاح الاتحاد الأوروبي في إقناع المملكة المتحدة بالقبول بنظام الحصص سيتحول إلى مسألة سيادة تشعل غضب المناهضين لأوروبا في البرلمان والإعلام، وتهدد استراتيجية الحكومة لإعادة التفاوض بشأن الاتحاد الأوروبي.

على الوزراء أن يفهموا هذا الخطر، فالانتقال إلى اليمين في مسألة أوروبا يصعب على اليساريين الوسطيين الحفاظ على موقفهم من الاتحاد الأوروبي، وقد نبّه اتحاد نقابات العمال أخيراً لضرورة عدم التساهل في الحقوق الاجتماعية وحقوق العمل بغية إرضاء المحافظين المناهضين للوحدة الأوروبية، ولا شك أن هذا مصدر خوف حقيقي تعود جذوره إلى إصرار حزب المحافظين المعاصر على اعتبار الاتحاد الأوروبي مجرد سوق موحدة، ويتجلى هذا الموقف بوضوح من خلال التعاطي بلامبالاة مع الأزمة اليونانية، التي تشكل في الواقع أزمة أكثر إلحاحاً من تشكيات المملكة المتحدة المتواصلة، إذ يقول كاميرون إن بريطانيا تعلق أهمية كبيرة على أوروبا، لكن الكثير من أعماله يشير إلى العكس.

back to top