الأكراد والسنة خارج الإصلاحات العراقية

نشر في 18-08-2015
آخر تحديث 18-08-2015 | 00:09
No Image Caption
واحدة من الحقائق التي كشفتها حزمة الإصلاحات التي طرحها رئيس الحكومة العراقية حيدر العبادي، وحظيت بدعم المرجعية الدينية والمتظاهرين، هي أن الأكراد والسنة أصبحوا في أدنى مستويات تأثيرهم السياسي في بغداد.

فكل الاحتجاجات تقريباً يقوم بها شيعة، ومعظم المشاورات خلف الكواليس شيعية، وحتى الخلافات بين الأجنحة اليوم هي شيعية، بل حين حاول خصوم سنة إطاحة وزير سني استغلالاً للتظاهرات، لجأوا إلى ناشطين «شيعة» لهذا الغرض.

وحتى العام الماضي، كان الممثلون السياسيون للقوى الكردية والسنية، حاضرين بقوة في مختلف النقاشات السياسية والأمنية، ونجحوا في التحالف مع شيعة أقوياء ضمن اتجاه انتهى بخلع نوري المالكي رئيس الوزراء السابق.

كذلك استطاع السنة والأكراد إيقاف التصويت على الموازنة المالية لسنة 2014، وتمكنوا من الضغط في ملفات كثيرة وإحراج خصومهم، غير أن هذا كله أصبح مجرد «تراث سياسي»، حسبما كشفته مداولات وسجالات الأسبوعين الأخيرين.

فالأكراد بدأوا يبتعدون عن بغداد ويحققون المزيد من الاستقلال، خاصة بعد أن أصبحوا يقاتلون «داعش» بلا تنسيق مع العاصمة، ويتسلمون الأسلحة الثقيلة من حلف الناتو، ويصدرون نفطهم بشكل مستقل، دون معارضة من الحكومة المركزية الغارقة في مشاكلها. كما أن الأزمات الداخلية في كردستان، والخلاف حول تمديد الرئاسة الذي قد يؤدي إلى فراغ قانوني غير مسبوق، يجعلان الأكراد منكفئين للتعامل مع اضطراب قواعد اللعبة السياسية بين السليمانية وأربيل. ولذلك لم يعد هناك جهد كردي للمساهمة في صناعة القرار العراقي.

أما القوى السنية فإنها هي الأخرى خسرت كما لم تخسر من قبل. فنصف جمهورها نازح ومشرد بعد هيمنة «داعش» على معظم المدن السنية. والنازحون غاضبون على الساسة أيما غضب. والقادة السنة يفقدون مناصبهم واحداً تلو الآخر دون اعتراض كبير حتى من السنة أنفسهم، لأن الصراع بين القوى السنية بلغ مستوى خطيراً، حيث جرى استبعاد القيادات السابقة، مثل رافع العيساوي وزير المال السابق، وأسامة النجيفي نائب الرئيس، وتشهد الكواليس حراكاً لخلق قيادات جديدة أضعف من السابقة، مثل سليم الجبوري رئيس البرلمان، وعدد من الساسة الشباب.

وباستثناء ورقة إصلاح هزيلة كتبها سليم الجبوري، وقدمها في جلسة الأسبوع الماضي، التي منحت العبادي تفويضاً بالإصلاحات، لم يكن هناك أي دور للسنة في كل عمليات الشد والجذب، ولم يشاركوا حتى في السجال الصحافي والإعلامي حول الموضوع. وحسب أحد المعلقين، فإن القوى السنية غارقة في التمزق واليأس إلى درجة أنها توقفت حتى عن المطالبة بحوار وحقوق وتمرير قوانين إصلاحية.

والأمر ليس قياساً للأدوار، بقدر ما هو بارومتر يؤشر إلى تغيير جوهري في روح النظام السياسي وقواعد اللعبة، إذ تصرف الشيعة وكأن السنة والأكراد غير موجودين في البلاد، وتصرف الأكراد والسنة وكأنهم موافقون على ذلك أو متعايشون مع نتائجه. ومثل هذا الاستعداد النفسي المتبادل من شأنه أن يمهد للتخلي عن قواعد كثيرة، ما قد يؤدي إلى قلب السياسة والإدارة في البلاد.

ويكفي أن ورقة الإصلاحات، التي قدمها العبادي، كانت خالية من أي بند يخص المناطق الكردية والسنية، وكأنها أول وثيقة رسمية تعترف بنحو غير مباشر بأن هناك عراقاً مختلفاً جداً، أعيد تشكيله بحكم الأمر الواقع.

back to top