على أولادنا الإكثار من المطالعة

نشر في 07-01-2016 | 00:01
آخر تحديث 07-01-2016 | 00:01
تشكل الكتب دوماً هدايا ممتازة للأولاد. وسواء كانوا يفضلون الكتب الإلكترونية أو الورقية، يحتاجون إلى تنمية معارفهم، خصوصاً المفيد منها. يطالع ولداي الكتب الورقية والإلكترونية على حد سواء. وعندما أسألهما عما يفضلانه، ينظران إليَ كما لو أنني مجنون. فبما أنهما تربيا في عهد طالما كان فيه النوعان متوافرين، لا يمكنهما أن يفهما سبب تفضيلنا أحدهما على الآخر. تُعتبر الكتب الإلكترونية ممتازة حين تود مطالعة عمل سريع أو حين تسافر وتريد أن تحمل معك أكثر من كتاب من دون أن تثقل أمتعتك. في المقابل، تصبح الكتب الورقية، بغلافها القاسي أو اللين، ضرورة عند مطالعة عناوين غامضة.
يكثر ابناي (8 و10 سنوات) من المطالعة. كذلك ما زلت أقرأ لهما قصة قبل النوم. وعندما لا أقوم بذلك، ينتهي يومنا بتمددنا نحن الثلاثة في غرف النوم للمطالعة، كل منا على حدة. أما في الصيف وخلال العطل المدرسية، فأخصص لهم وقتاً للمطالعة، وأشاركهم فيه. فنجلس إلى الكنبات أو على الشرفة في الخارج ونقرأ لساعة. أفكر أحياناً بالقيام بالمثل خلال أيام الأسبوع العادية، إلا أنني أعرف أنهم يمضون وقتاً كافياً في القراءة في المدرسة.

في عائلتي، المطالعة ضرورة. لكن بعض الأهل يقولون لي إن أولادهم لا يحبون المطالعة «بطبيعتهم»، وإن الأولاد لا يميلون إلى الكلمة المكتوبة. إلا أنني أعتقد أن هذا الكلام سخيف. ولهذا السبب، لا يقرأ الولد العادي (12 إلى 17 سنة) أكثر من 5 كتب في السنة. فلا يشدد الأهل على أهمية المطالعة. لم يشأ أولادي القراءة في البداية، عندما بدأت أصر على ذلك. لكنني أصنف المطالعة في الخانة ذاتها كما تنظيف الأسنان. فالحياة من دون كتب ستؤدي، لا محالة، إلى عقول فاسدة. فيعاني الدماغ من سوء تغذية فكري، حين نحد من الأفكار المتنوعة التي يتلقاها. نتيجة لذلك، أعتقد أن تربية قراء جيدين تشكل جزءاً من مسؤوليات الأم والأب.  {أشار فريد زكريا في كتابه الأخير}In Defense of a Liberal Education (في الدفاع عن التعليم الحر) إلى أن المطالعة “تبقى أحد أهم الدروب إلى المعرفة الحقيقية. فلا تتوافر بدائل لمطالعة كتاب جيد عن مسألة ما، إن أردنا تكوين فهم عميق عنها. كانت هذه الطريقة الفضلى طوال قرون، ولا تزال كذلك اليوم. بالإضافة إلى ذلك، يجب أن يستمتع الأولاد بالمطالعة، لا أن يعتبروها مجرد أمر يرغمهم عليه الأهل قبل أن ينكبوا على ألعاب الفيديو أو مشاهدة التلفزيون”. قدمت لابنيّ خلال موسم الأعياد هذا بطاقتي هدايا يمكنهما استعمالهما لتنزيل الكتب الإلكترونية التي يختارونها (يملكان كلاهما جهاز Kobo للمطالعة الإلكترونية، وسبق أن حددت لمَ أعتبر هذه أفضل من جهاز Kindle التابع لموقع Amazon). لكني طلبت كتباً تحظى بغلاف صلب. وقد انتقيتها بدقة لأعزز مخيلة ولديّ وأوسع أفاق نظرتهما إلى العالم. يهويان عادة كتب الخيال ومغامرات الخيال العلمي، وهذا أمر ممتاز بالتأكيد. لكني أود أيضاً أن أحفزهما بأفكار جديدة. لذلك، إليك الخيارات الثلاثة الأولى التي أعتبرها بالغة الأهمية للأولاد.

1- The Turtle of Oman لنعومي شهاب ناي (للصغار أو مَن يطورون عادة المطالعة: 6 إلى 9 سنوات):

صدر هذا الكتاب عام 2014، إلا أنه يبدو الخيار الأفضل وسط الجو السياسي العالمي السائد. يروي قصة عارف، صبي يُغادر موطنه في عمان ليعيش في ميشيغان. فيشعر بالحنين إلى الوطن حتى قبل الرحيل. ويخشى الانطلاق في رحلة إلى مكان لا يألفه البتة. يسرد الكتاب تفاصيل الأيام التي يمضيها في استكشاف مسقط مع جده. فيستمتعان بثقافة سلطنة عمان اليومية والفرص الفريدة التي تقدمها معالم الصحراء وبحر العرب الفريدة.  قرأت هذا الكتاب لابني البالغ من العمر 8 سنوات قبل زيارة سلطنة عمان لتكوين فكرة أفضل عن المكان الذي يتوجه إليه. لكني أنصح اليوم بهذه الرواية لأنها ستُظهر للقراء الصغار أن غالبية المسلمين في الشرق الأوسط أناس، أهل، وأولاد عاديون، مثلهم تماماً. يشكل المسلمون 85.9 % من شعب هذا البلد الذي يحكمه سلطان. لذلك يختلف كل الاختلاف عن الولايات المتحدة الأميركية. لكن هذه الرواية البسيطة والمثيرة للاهتمام للكاتبة الفلسطينية نعومي شهاب ناي ستُظهر للأولاد، الذين شاهدوا بالتأكيد الفظائع التي تُرتكب عبر التلفزيون أو الراديو، أن الأولاد في الأماكن البعيدة يقلقون، أيضاً، بشأن المسائل عينها مثلهم.

2- It’s Your World: Get Informed, Get Inspired and Get Going! لتشيلسي كلينتون (للأولاد في بداية المراهقة: 10 إلى 13 سنة):

صدر كتاب تشيلسي كلينتون هذا في سبتمبر الماضي، وفوجئت حين لم يحظَ بتغطية أكبر في المنشورات المخصصة للأهل. من اللافت أننا لا نملك منشورات أو مصادر إعلامية كافية يستطيع الأولاد الحصول منها على وصف دقيق وبسيط للمسائل الكبرى التي تواجه العالم اليوم. ولكن في نحو 400 صفحة، يغطي هذا الكتاب قضايا الفقر، التفرقة الجنسية، التعليم، الصحة، والتغيرات المناخية. كذلك يشكل مقدمة ملائمة لهذه السنة تعرّف الأولاد إلى علوم الاقتصاد، السياسة، والمسائل الإنسانية. ويعكس هذا الكتاب آراء تشيلسي كلينتون نفسها (لي ملء الثقة بأنها كتبته هي بنفسها، وليس عمل كاتب خفي ما). يكبر الأولاد اليوم في اقتصاد عالمي، إلا أن غالبية المعلومات ووسائل الإعلام التي يستهلكونها لا تزال محلية، إقليمية، ووطنية. فكيف يمكننا أن نتوقع أن يكونوا جاهزين لتحقيق النجاح، إن كانوا لا يملكون صورة دقيقة عن المشهد العالمي؟ يسرد هذا الكتاب المواقف بحذافيرها، فيتحدث عن الفقر المدقع، عدم المساواة بين الجنسين، وعمالة الأطفال أو استعبادهم حول العالم. لكن الرسالة العامة تبقى متفائلة ومليئة بالأمل. فيشمل كل فصل قصصاً مؤثرة عن شبان أحدثوا فارقاً يشجع القراء على التحرك والمشاركة.

علاوة على ذلك، لفت نظري سعي كلينتون لتناول مسائل مثيرة للجدل بأسلوب بسيط: “لا أحب المصطلح ‘العالم النامي’. فيشير على ما يبدو (مع أنني أعرف أن هذا المصطلح لا يحمل معنى مماثلاً) إلى أن مَن يعيشون في الدول الفقرة لا يتمتعون بالقدرات عينها كمفكرين، حالمين، وفاعلين”.

3- Between the World and Me لتا نيهيسي كوتس (للمراهقين والبالغين: 14 سنة وأكثر):

 يشكل هذا الكتاب تأملاً مكتوباً بإتقان حول معنى أن يولد الإنسان أسود في الولايات المتحدة. يعكس الكثير من الغضب والحزن والقليل من الأمل. فما إن طالعت Between the World and Me، حتى أضفته إلى مقرر الصفوف التي أدرّسها لطلاب في سنتهم الجامعية الأولى. هذا الكتاب موجه للبالغين أكثر منهم للمراهقين، لكن كوتس يصوغه بشكل رسالة يوجهها إلى ابنه المراهق. لا شك في أن معظم المراهقين لن يلاحظوا مدى عمق وجمال السرد في الكتاب. لكن لا يعني ذلك أن اللغة المعتمدة لا تفي بالغرض. فيستطيع المراهق قراءة الكتاب بسرعة على أمل أن يجده مؤثراً وملهماً. وأتوقع (ربما أبالغ في ذلك) أن يتحول إلى كتاب مطالعة صفوف اللغة الإنكليزية والدراسات الاجتماعية في المدارس الثانوية في الولايات المتحدة.

اشتكى نقاد كثر من أن كوتس سلبي جداً، وتساءلوا لمَ الأمل محدود في عمله هذا. لكني أعتقد أن هؤلاء النقاد لا يدركون الهدف منه. صحيح أن كوتس لا يأمل أن تتبدل السياسة المحلية لتولد أمة أكثر إنصافاً، إلا أنه يبدو متفائلاً في تقييمه قدرة الأفراد الراسخة على بناء حياة ذات معنى في ظروف مذرية. ومن الرسائل الضمنية المخبأة تحت كل هذا الغضب الذي ينضح من كل جملة أهمية التعليم (“لطالما كان المكان الذي أحلم به جامعة هوارد”) وأهمية الكتابة (“أردت أن أتعلم الكتابة، التي شكلت، كما علمتني أمي، مواجهة مع براءتي ومع طريقة تفكيري وتحليلي”).

بكلمات أخرى، يشكل هذا الكتاب نموذج التفكير الناقد البناء والمستدام. فقد يعلم الشبان مدى قوة التفكير، التحليل، والتعبير. إلا أنه ينجح في ذلك من دون تبييض أو تجميل وقائع عدم المساواة في الولايات المتحدة.

back to top