أزمة كردستان: عقاب لآخر مدينة عراقية خارج نفوذ سليماني؟

نشر في 17-10-2015
آخر تحديث 17-10-2015 | 00:07
No Image Caption
مرَّ أسبوع على اندلاع احتجاجات شعبية عنيفة استهدفت مقرات «البارتي»، وهو الاسم المتعارف في كردستان العراق، للحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة رئيس الإقليم مسعود البرزاني، وبدل أن يحاول المراقبون المحليون فهم ما يمكن أن يؤدي إليه ضغط الجمهور الغاضب، فقد انشغل الجميع بتخيل خرائط النفوذ الحالية لمحور روسيا - إيران، وائتلاف أميركا الدولي، وموقعها داخل احتجاجات مدينة السليمانية وخارجها.

وبدأت التظاهرات كاحتجاج من الكوادر التعليمية على تأخر مرتباتهم لأكثر من ثلاثة أشهر، بسبب انهيار أسعار النفط والأزمة المالية بين إقليم كردستان وحكومة بغداد، لكن التصعيد ظهر بنحو مفاجئ كأعمال شغب أدت إلى تدمير وإحراق نحو 10 مكاتب لحزب البرزاني، ومقتل 7 متظاهرين، بينما لم تتعرض مقار بقية الأحزاب لأذى يذكر رغم أنها جزء من تحالف الحكومة.

وفوراً دعا رئيس الإقليم إلى ضبط النفس، ومنع أنصاره من التعرض لمقار بقية الأحزاب المنافسة المتهمة بأنها وراء الاعتداءات، لكنه طرد رئيس البرلمان من أربيل عاصمة الإقليم، وطلب من 4 وزراء تقديم استقالاتهم، وكل هؤلاء يمثلون حركة «التغيير» (كوران) ومقرها مدينة السليمانية، وهي معروفة بعلاقتها الجيدة مع طهران، واحتجاجها على سياسات مسعود البرزاني المقرب من تركيا والولايات المتحدة.

وجاء رد فعل البرزاني مفاجئاً، إذ صار بمنزلة تعطيل لجلسات البرلمان، إذ إن انعقادها يتطلب حضور رئيسه المطرود، ودافع أنصار البرزاني عن هذا التصرف بأن الاستخبارات كشفت «مخطط اغتيال» يستهدف رئيس البرلمان، وكان مقرراً تنفيذه في أربيل «لإشعال الفتنة» بين عاصمة الإقليم ومدينة السليمانية، اللتين تعتبران مركزين للتنافس التاريخي حول حكم أكراد العراق. وكان حزب «التغيير» مجرد انشقاق صغير عن حزب «الاتحاد الوطني الكردستاني» بزعامة الرئيس العراقي السابق الزعيم الكردي جلال الطالباني، لكنه في انتخابات المجالس البلدية والنيابية لعامي 2013 و2014، برز كقوة ثانية في كردستان، وحظي بدعم إيراني واضح، ودخل صفقة الحكومة.

وبعد طرد رئيس البرلمان اتضح أن البرزاني قرر أن يطرد «التغيير» من الحياة السياسية ولو بإجراءات استبدادية، وإثر ذلك حصل اجتماع مهم لحزبي جلال الطالباني ومسعود البرزاني، كان من الواضح أنه يستهدف وضع ترتيبات في إحياء شراكة من طرفين فقط، بعد استبعاد حركة التغيير، لإدارة شؤون الإقليم.

وبعد الاجتماع قامت سلطات مدينة السليمانية، المحكومة من حزب الطالباني، باعتقال 400 شخص من مؤيدي حركة التغيير وحزب العمال الكردستاني التركي بزعامة عبدالله أوجلان، بتهمة إثارة الشغب أثناء تظاهرات سلمية. لكنها أطلقت سراحهم بعد ساعتين، عقب ما قيل إنه ضغط إيراني، إذ يعد حزب أوجلان مقرباً جداً من الحرس الثوري الإيراني في هذه اللحظة، خاصة في التنسيق مع نظام بشار الأسد على الأرض السورية.

ولا يبدو جديداً أن يحاول زعيم سياسي تبرير طريقته العنيفة في التعامل مع معارضيه، بوجود مؤامرة خارجية، لعلها من إيران هذه المرة. لكن أنصار البرزاني يقولون إن أربيل هي المدينة الوحيدة في العراق التي بقيت خارج النفوذ المسلح للجنرال قاسم سليماني، قائد قوة القدس في حرس الثورة الإيراني، وإن البرزاني يرفض طلبات كثيرة للأخير، ويدفع اليوم ثمن رفضه وإصراره على الاحتفاظ بعلاقة فاعلة بواشنطن.

وبينما تنتشر الميليشيات الشيعية الموالية لسليماني في كل المدن، وتمتلئ حتى مدينة السليمانية بمقرات لقوات حزب العمال الكردستاني المقرب حالياً من دمشق وطهران، تبقى أربيل معسكراً ضخماً للقوات الأميركية، والاستثمارات المالية التركية. وإذ يعقد دخول موسكو خطوط التماس بين المعسكرين، وتتقاطع هذه الخطوط في سماء أربيل، فإن هناك شماتة شيعية واسعة بالبرزاني، وتعاطفاً سنياً ملحوظاً معه إثر التظاهرات الأخيرة، وهذا يؤشر في نظر المراقبين إلى أن خارطة جديدة توشك على الاكتمال لتحديد «ممتلكات» جبهة موسكو وطهران، ومناطق نفوذ «حلفاء واشنطن» على الطرف النقيض. والانقسام الكردي في هذه اللحظة قد يعني الكثير لمستويات التصادم بين المعسكرين.

back to top