إيران التي نريدها!

والسؤال الذي يجب أن يوجهه المعتدلون، الذين لا يُخضِعون حاضر بلدهم ومستقبله لإشكالات ومشاكل وخلافات العصور الغابرة، والذين يُفترَض أنهم يتطلعون إلى الأمام لا إلى الخلف، إلى أصحاب الرؤوس الحامية، الذين تستبد بهم نزعة "الثارات التاريخية" المفتعلة والموهومة، هو: ما حاجة إيران يا ترى إلى القنبلة الذرية حتى يتم استنزاف كل إمكاناتها من أجل الحصول عليها، وحتى يُقحَم هذا البلد في كل هذه المواجهات والصراعات، وكل هذا التوتير مع العديد من الدول العربية التي يُفترَض أنها "شقيقة"، تحت ضغط نزعة تحول الجمهورية الإسلامية إلى دولة نووية؟! كان المتوقع أن يبادر السيد علي خامنئي، بمجرد التوصل إلى الاتفاق النووي مع الولايات المتحدة وشركائها، إلى إعلان "تصفير" الخلافات مع الدول العربية، وتوظيف كل الجهود، جهود العرب وإيران، لمواجهة التحديات الصعبة التي تواجه الطرفين، وأولها الإرهاب الذي بات يخبط خبط عشواء في المنطقة كلها، ثم الأوضاع الاقتصادية المتردية، والأمراض القاتلة التي يعانيها التعليم وتعانيها التنمية، فضلاً عن مواجهة غول التصحر الزاحف على باقي ما تبقى من المناطق الخضراء. لكن مرشد الثورة، للأسف، بدلاً من هذا كله، بادر فور توقيع الاتفاق إلى إطلاق تلك التصريحات النارية التي قال فيها، إن إيران ستبقى تتمسك بمواقفها الحالية، ولن تغير شيئاً، وستبقى تدعم "المستضعفين" في العراق وسورية ولبنان واليمن والبحرين! نحن نعرف أن أصحاب الرؤوس الحامية في إيران، ويُفترَض أن السيد علي خامنئي رغم تصريحاته المشار إليها آنفاً، ليس من بينهم، لا يفهمون هذا الكلام الذي نقوله، وأنهم لمصالح، يتداخل فيها الشخصي بالعام الوهمي والموهوم، مع الاستمرار في التصعيد مع الدول العربية المجاورة والبعيدة، ومع مواصلة تطلعاتهم غير الموضوعية بأن تصبح الجمهورية الإسلامية الرقم الرئيسي في المعادلة الشرق أوسطية، وأن تستعيد ما يعتبرونه أمجاد فارس القديمة. وهذا معناه المزيد من استنزاف القدرات والإمكانات الإيرانية، والمزيد من المواجهات والحروب المدمرة، وكل هذا سيكون على حساب لقمة عيش الإيراني البسيط، وعلى حساب دفاتر الأطفال الإيرانيين وأقلامهم، وعلى حساب مستقبلهم.