هرموناتك... كيف تستغلّها

نشر في 31-10-2015 | 00:01
آخر تحديث 31-10-2015 | 00:01
No Image Caption
اضبط بعض هرموناتك الأساسية لتتمتع بصحة أفضل. ما من جزء من جسمنا له تأثير أكبر على طريقة تفكيرنا، شعورنا، شكلنا، وسلوكنا من الهرمونات. تبقينا هذه المساعدات الكيماوية في الحياة، التي تفزرها غدد موزعة في سائر أنحاء الجسم، منها الغدة النخامية، الغدة الكظرية، البنكرياس والخصيتان، في حالة من التوازن الفزيولوجي. فالطاقة التي نحتاج إليها للنهوض من السرير صباحاً، القدرة على إصلاح عضلات جديدة وإنتاجها بعد التعرض لتمزق عضلي خلال التمرن، والسبيل إلى تقديم أداء فاعل خلال العلاقات الحميمة، تخضع كلها لتنظيم الهرمونات التي تمثل طريقة طبيعية للضغط على الأزرار كي يأتي ردنا على أفضل ما يكون.
فيما نتقدم في السن، يتعرض معظم الهرمونات لحالة من الفوضى وتبدأ بالتراجع، شأنها في ذلك شأننا نحن. إلا أن الأبحاث الحديثة زودتنا بفهم أعمق يمكننا أن نحد، بطرق طبيعية، من تراجع الهرمونات، خصوصاً أنظمة هذه اللعبة. إليك بعض النصائح التوجيهية:

    

هرمون الإجهاد:

نحو الساعة الخامسة من كل صباح، تطلق الغدد الكظرية الجرعة اليومية الأولى من الكورتيزول. فيعزز هذا إمداد الطاقة الأيضية بالإشارة إلى الكبد لإنتاج الغلوكوز الذي يغذي العضلات بهدف الاستعداد لنهار كامل من النشاط. وترسل الغدد الكظرية جرعة ثانية عندما تنهض من السرير. بعد ذلك، تظل معدلات الكورتيزول عالية في حالة معظم الناس طوال الصباح، ومن ثم تبدأ بالتراجع مع بداية بعد الظهر، إلى أن نعود إلى السرير. يتكرر هذا النمط كل يوم.

عندما ينشأ تحدٍّ، مثل الالتزام بمهلة ما أو رفع أثقال كبيرة، يشير الحصين في الدماغ إلى الغدد الكظرية بإنتاج المزيد من الكورتيزول. وهذا جيد بالتأكيد لأننا نحتاج إلى كل الطاقة التي يمكننا الحصول عليها.

ولكن بما أننا نربط الكورتيزول بالإجهاد، ونفترض دوماً أن الإجهاد سيئ، نظن أن الكورتيزول ليس جيداً أيضاً. لكن هذا غير صحيح، وفق الدكتور ريك هيشت، بروفسور في جامعة كاليفورنيا-سان فرانسيسكو. فتشير أعداد متنامية من الأبحاث الجديدة إلى تأثيرات صحية مختلفة {لإجهاد التحدي}: حشد مواردنا الجسدية والعقلية للتعاطي مع الطلب القصير الأمد، مقابل {الإجهاد المزمن{، عندما يتحول شعورك بأنك ترزح تحت أعباء حياتك إلى الحالة اليومية البائسة المعتادة. يبقيك إجهاد التحدي يقظاً. أما الإجهاد المزمن مع بقاء معدلات الكورتيزول وهرموني الأدرينالين الإبينفرين والنوريبينيفرين عالية باستمرار، فيحطمك.

استغل معدلات الهرمونات: حاول القيام بالمهام التي تتطلب الطاقة، مثل مشاريع العمل أو التمرن، في الصباح، لأنك بذلك تضمن كمية وفيرة من الغلوكوز لتدعم دماغك وعضلاتك (إلا أن هذه النصيحة لا تلائم الجميع. فإن كنت ممن يشعرون بالنشاط مساء، ينصح هشت بعكس هذه التوصية).

وكي تضمن عدم تحول مصادر الإجهاد اليومية إلى كرة عملاقة من الإجهاد المزمن، ينصح هشت وعالمة النفس من جامعة ستانفورد كيلي ماكغونيغال بأن تبدل نظرتك إلى الأوضاع المجهدة. تشير ماكغونيغال إلى دراسة أجريت  عام 2011 تتبعت حالة 30 ألف شخص تقريباً طوال ثماني سنوات. فتبين أن مَن اعتبروا أن الإجهاد ليس سيئاً، رغم أنهم يعيشون حياة مليئة بالإجهاد، أقل عرضة  للموت جراء شتى الأسباب، مقارنة بمن عاشوا حياة أقل إجهاداً. ويمكننا تخمين السبب:

يعزز مواجهة القليل من الإجهاد من حين إلى آخر صلابتنا الجسدية والنفسية.

خلال النوم، يفرز الجسم هرمونات بنائية: التستوستيرون عبر الحصيتين وهرمون النمو البشري عبر الغدة الكظرية. يعزز التستوستيرون الرغبة الجنسية بالتأكيد، إلا أنه يبقي أيضاً المزاج عالياً ويحمي جهاز المناعة، القلب، والدماغ. ويحافظ التستوستيرون وهرمون النمو البشري كلاهما على العضلات ويبنيانها. صحيح أن التستوستيرون يجعل العضلات تكبر، إلا أن هرمون النمو يزيد عدد الألياف ويعزز تفكك الدهون. إذاً، كلما تراجعت معدلات الكورتيزول والإنسولين، تحسن عمل التستوستيرون وهرمون النمو، من المؤسف أنهما يبدآن في أواخر الثلاثينيات بالتراجع بنحو 1% سنوياً، في حين أن الكورتيزول والإنسولين يزدادان ارتفاعاً ويستمران وقتاً أطول.

ولا شك في أن الشعور بالإجهاد المزمن يزيد الوضع سوءاً. ببسيط العبارة، {يؤدي فائض الكورتيزول إلى عجز جنسي{، وفق جيو إسبينوزا، طبيب متخصص في المداواة الطبيعية من مركز لانغون الطبي في جامعة نيويورك. ويشكل نقص النوم مركباً خطراً جداً في نمط الحياة الكثير الإجهاد هذا.

ففي إحدى الدراسات عانى الرجال الأصحاء تراجعاً بمعدل 15% في هرمون التستوستيرون بعد نومهم طوال أسبوع واحد 5 ساعات في الليلة. {ويعادل هذا التقدم في السن 15 سنة{، وفق معدة الدراسة إيفا فان كوتر، طبيب غدد صماء في جامعة شيكاغو.

توضح كوتر أن 80% من الأندروجينات في الجسم تُنتج أثناء النوم، وخصوصاً خلال المرحلة الموجة البطيئة الأولى والأعمق من النوم. في عشرينياتنا، تدوم هذه المرحلة بين 80 و100 دقيقة. ولكن مع بلوغنا الأربعين، يتراجع العدد بنسبة 50%.

استغل معدل الهرمونات: تؤكد فان كوتر أن العلاج الأفضل هو التمرن {بانتظام وقوة{، ما يحد من تراجع النوم العميق بنحو النصف. كذلك تساهم التمارين العالية الحدية مع فواصل وتمارين القوة خصوصاً في تحفيز هرمون النمو البشري مباشرة (يتفكك الجسم، فيُضطر إلى إنتاج هرمون النمو لإعادة بناء ذاته).

اجمع بين التمارين الرياضية والنظام الغذائي الصحي، وهكذا تحصل على السلاح الأفضل ضد عدو التستوستيرون الآخر: دهون البطن. تفرز الخلايا الدهنية إنزيماً يُدعى أروماتاز ويزيد معدل الإستروجين. وهذا في المقابل يحد من التستوستيرون. إذاً، إن قللت من الدهون تزيد التيستوستيرون. ومن الأدلة على ذلك دراسة حديثة خسر فيها الرجال 15% من وزن جسمهم، فحظوا يزيادة بنسبة 15% في معدل التستوستيرون.

على نحو مماثل، حد من الإدمان وبعض الأدوية التي تحتاج إلى وصفة طبية. فاستهلاك الماريجوانا بانتظام يكبح إنتاج التستوستيرون، وفق جوزف رافايل، طبيب في مدينة نيويورك. ويضيف أن أدوية خسارة الشعر، مثل فيناستيريد ودوتاستيريد، تقلل أيضاً الرغبة الجنسية وتعزز الكآبة بعرقلة إنتاج أحد أشكال التستوستيرون الأكثر فاعلية، DHT. كذلك أظهرت الأبحاث الأخيرة أن الستاتينات تخفض التستوستيرون بنحو 4%.

من الواضح أن التأثيرات الإيجابية لمعدلات الهرمونات تبدأ مع القرارات اليومية بشأن الإجهاد، النظام الغذائي، والتمارين الرياضية. فإن تحكمت في هذه، فستعود عليك هرموناتك بفوائد جمة.

كابوس

كيف يمكن ليوم من النوم السيئ والطعام غير الصحي، فضلاً عن الإجهاد، أن ينعكس علينا سلباً؟

يبدأ هذا اليوم الافتراضي إنما المألوف جداً من الجحيم الهرموني مع ليلة نوم مضطربة. تستيقظ بعد أن تكون قد نمت خمس ساعات غير منتظمة. تكون معدلات الكورتيزول في جسمك عالية، ومزاجك عكراً. بسبب النوم السيئ، يتراجع التستوستيرون وهرمون النمو البشري. وللحصول على العزاء، تلجأ إلى فطور مليء بالنشويات والأطعمة المريحة، ما يرفع معدل السكر في دمك ومعه معدل الإنسولين،  فيمهد أمام تراجع حاد في نسبة السكر، ما يجعلك تشعر بالنعاس، الجوع، أو كليهما.

 وبما أنك تشعر بالإحباط، تتجاهل جلسة التمرن في النادي الرياضي، ما يعني أن السكر الذي نقله الإنسولين إلى عضلاتك لن يُحرق للحصول على الطاقة. بدلاً من ذلك يُخزن كدهون في أمعائك. وبمرور الوقت، قد يرفع هذا معدلات الإستروجين ويخفض نسبة التستوستيرون. ومن دون تمارينك الرياضية المعتادة، يبدو الإجهاد في المكتب مضنياً (ما يعني أن معدلات الكورتيزول ترتفع وتساهم في إدخال مزيد من السكر إلى مجرى دمك وتخزين كمية أكبر من الدهون). وقبل النوم، تلتهم وجبة خفيفة غنية بالسكر تبقي معدلات الإنسولين عالية، في وقت يجب فيه أن ترتفع معدلات الهرمونات البنائية (التستوستيرون وهرمون النمو البشري). فيؤدي هذا مرة أخرى إلى ليلة نوم مضطربة.

إليك خبراً جيداً! عدّل أياً من أنماط السلوك هذه  لتوجيه  دورة الهرمونات في الاتجاه الإيجابي. ولعل الخطوة الأسهل التي يمكنك البدء منها الحصول على ليلة نوم هانئة.

هرمونات لعضلاتك:

يساهم الإنسولين في تغذية الخلايا، فيعمل مع الكورتيزول كفريق واحد يسلم فيه أحدهما المهمة للآخر.

بعدما يساعد الكورتيزول الغلوكوز في دخول مجرى الدم، يطلق البنكرياس الإنسولين لمرافقة الغلوكوز إلى الخلايا بغية إنتاج الطاقة. ويشكل هذا نظاماً ممتازاً، إن كان نمط حياتك وهرموناتك مضبوطاً.

ولكن إن أكثرت من تناول النشويات المعالجة سينقلب النظام ضدك.

تتفكك الدونات، السندويتشات، والمعكرونات بسرعة في الأمعاء. فيدفع دفق السكر الناتج في مجرى الدم البنكرياس إلى صد كميات كبيرة من الإنسولين للتخلص منه. وبمرور الوقت، يصبح الجسم أقل حساسية تجاه هذا الدفق من الإنسولين، ما يؤدي إلى مقاومة الإنسولين وإلى الداء السكري من النمط الثاني، إن لم تُضبط هذه الحالة. حتى مقاومة الإنسولين الأقل حدة ترتبط بمرض القلب والتراجع المعرفي.

على نحو مماثل، يؤدي فائض الكورتيزول (على غرار ما ينجم عن الإجهاد المزمن المضني) إلى مزيد من اضطرابات الإنسولين. يخدع الكورتيزول الجسم ويجعله يعتقد بأن عليه الاستعداد للقيام بنشاط جسدي. نتيجة لذلك، يلقي المزيد من الغلوكوز في مجرى الدم. ولكن بما أن ما من نشاط جسدي يمارسه الإنسان (يعاني الإجهاد لا على وشك المشاركة في الماراتون)، لا تحرق العضلات السكر. فيخزن الإنسولين هذا السكر كدهون.

استغل معدلات الهرمونات: عالج مسألة العرض والطلب. يذكر هشت أن الحد، على نحو كبير، من النشويات المعالجة (ما قد يشمل الحبوب الكاملة، إن كان معدل السكر في الدم عالياً) والإكثار من الخضراوات والبقول الغنية بالألياف يقللان من إمداد السكر.

ولا ننسى التمرن. يوضح الدكتور تيم تشيرش، مدير أبحاث الطب الوقائي في مركز أبحاث بينينغتون الطبية الحيوية: {تُعتبر العضلات أكبر مستهلك للسكر في الجسم. لذلك عندما تكون سليمة، تخفض خطر إصابتك بالداء السكري وغيره من الاضطرابات الأيضية}.

تعلم استغلال الإجهاد

تبقى الحماية الأكبر من تأثيرات الكورتيزول السلبية في دماغنا.

ندرك جيداً أننا عندما نشعر بإجهاد مفرط، ترتفع معدلات الكورتيزول. فما الطريقة الفضلى لتفادي ذلك؟ تقبل الإجهاد، أو بالأحرى رحب به. تقول عالمة النفس كيلي ماكغونيغال من جامعة ستانفورد: {تتفاعل الهرمونات دوماً مع موقفنا العقلي. فإن بدلنا هذا الموقف، نغير سلسلة من التبدلات الفزيولوجية}. ويقول ريك هشت، مدير أبحاث في مركز أوشر للطب التفاعلي في جامعة كاليفورنيا- سان فرانسيسكو، إن ما من صيغة سحرية، إلا أن بعض التقنيات الأساسية قد يساعدنا. أولاً، ينصح: {قسّم المسائل التي عليك القيام بها إلى مهام صغيرة، وأشعر بالسعادة كلما بلغت كل هدف صغير ممكن}. وعندما تواجه وضعاً كثير الضغوط في العمل، توقف لعشر ثوانٍ لتذكر نفسك أن هذا تحدٍّ، وأنه يبرز أفضل خصالك. يضيف هشت: {لا نغالي في تفاؤلنا. ولكن في بعض الأوضاع، قل لنفسك: هذا صعب، إلا أنني سأجني منه فوائد}. سينشر هشت قريباً دراسة تشير إلى أن التأمل واليوغا قد يؤديان دوراً في التحكم في الإجهاد بمهارة. لا تشكل هذه النشاطات وسيلة للهرب، وفق هشت، بل طريقة لتدريب العقل على تقبل مصادر الإجهاد بدل التوجس منها. يذكر: {تزداد قدرة على ملاحظة ما يدور من حولك. ولا شك في أن هذا يساعدك على تفادي ردود الفعل العاطفية الآلية}.

back to top