الفنانة الإماراتية نجاة مكي: تنوّع التجارب يثري وجدان الفنان

نشر في 22-07-2015 | 00:01
آخر تحديث 22-07-2015 | 00:01
الدكتورة نجاة مكي أحد رموز الحركة التشكيلية في الإمارات. امتلكت تجربة فنية اتسمت بالتنوع والتعدد. يحضر التراث بقوة في أعمالها الفنية من خلال النشأة في بيئة غنية بالموروث الفني.  وتمثِّل الأنثى عالماً قائماً بذاته في لوحات مكي حيث يشكل اللون مجالاً فسيحاً من الأفكار، بل نقطة ضياء. معها اللقاء التالي:

كيف تتجلى رؤيتك إلى المشهد التشكيلي في الإمارات خصوصاً والمشهد العربي عموماً؟

وصل التشكيل في الإمارات إلى قمة الهرم بالنسبة إليها كدولة مقارنة بدول الخليج الأخرى، وهذا يعود فضله إلى دور المسؤولين سواء عن الثقافة أو الإدارة والقياديين وتشجيعهم دور الفنون والثقافة وحث الأجيال المقبلة على التزود بمختلف أنواع الثقافات، فالفنون شيء أساسي بما فيها من تجسيد لعادات وتقاليد وموروث الشعوب. لدينا جهود حثيثة لتشجيع الشباب على الاستمرارية والاستفادة من الرواد وورش العمل التي تقُام بصفة مستمرة.

بالنسبة إلى المشهد في العالم العربي، فقد ازدهر بصورة كبيرة وتبوأت الحركة الفنية مكانها الصحيح، انتشرت المزادات والمعارض والفعاليات الفنية الكبيرة التي تبشر بمستقبل مزدهر للنشاط الفني.

لكن هل تعتقدين بأن ازدهار الحركة الفنية من شأنه أن يقلص من القطيعة الفنية بين الفنان والمتلقي، بحيث يجذب جمهوراً أكبر؟

بالتأكيد، فقد أصبح الوعي الفني والثقافي بين الفنان وبين المتلقي متوافراً.

في البداية، لم يكن يُنظر إلى الفنون كنوع من الثقافة، أما حالياً فأصبح لدينا اهتمام بالفنون على مختلف أنماطها وفئاتها من فنون حداثية وما بعد الحداثية، بالإضافةإلى الخط والزخرفة والكلاسيكيات.

توارى الدور الثقافي بشكل عام، خصوصاً بعد ثورات الربيع العربية. هل طاول ذلك الفن التشكيلي؟

لا بد من التاكيد أولاً أن الفن يشكل أهمية لحياة الفنان اليومية كونه أصبح جزءاً من كيانه ومعايشته المجتمع، لذا يتفاعل  مع كل ما يحيط به من تأثيرات سواء كانت إيجابية أو سلبية. الربيع العربي أدى دوراً مهماً في الحركة الفنية من خلال تعبير الفنان عما يعانيه مجتمعه من قيود وظلم واستبداد، وإذا عدنا إلى العهود السابقة سنقرأ كيف كان الإنسان يرسم على جدران البيوت والمعابد ونلحظ الغرافيتي الذي طبع قضية الشعوب في رساله كتبها الفنان مناهضاً للظلم.

يميل أسلوبك بشكل كبير إلى الاتجاه التعبيري التجريدي، فلماذا التركيز عليه؟

لا أتوقف عند اتجاه فني بعينه، بل أميل دائماً إلى الانتقال بين الخامات والموضوعات، لأنني أؤمن بضرورة التنويع في التجربة الفنية، ما يتطلَّب توظيفاً للخامة.

 كذلك أحرص على أن يكون توظيفاً حذراً وفي مكانه الصحيح، هو بكل تأكيد ليس {ديكورياً}، وإلا تفقد اللوحة أهميتها ودهشتها الفنية.

تمارسين التصوير والرسم والنحت. كيف يمكنك المزج بين هذه الوسائط وبين وجه الاستفادة في الجمع بينهم؟

أصبح من السهل الجمع في العمل الفني بين النحت والتصوير والغرافيتي، خصوصاً مع تعدد الخامات والتقنيات التي أعطت الفنان مساحة كبيرة لإبداع متناهٍ. عموماً، كل وسيط يمكنه الاستفاده من الوسيط التالي بشكل أو بآخر.

الإنسان ابن بيئته، فإلى أي مدى تأثرتِ ببيئك، لا سيما أن الإمارات بمكوناتها الفنية الثرية تجلَّت في إبداعك؟

نشأت في الإمارات وهي بيئة غنية بعناصر ومكونات التراث والموروث الثقافي والفني. شكَّل وجودي في هذه البلاد تجربتي الفنية بصورة كبيرة. أذكر أننا كنا نعيش في بيوت من الطين اللبن خلال طفولتي بفصل الشتاء، كي تمنحنا هذه البيوت الدفء، بينما ننتقل إلى البر في فصل الصيف وهذا الانتقال يشكل بدوره منظومة لدى الفنان.

كذلك أعطتني الحياة في المدينة، بجدرانها الواسعة،  مساحة لـ{الشخبطة} والرسم، فكانت مصدر فرح لي كطفلة. وعند الانتقال إلى الصحراء كنت أراها بمثابة لوحة فنية أخط فيها على الرمال وأرسم وأصنع كتلاً رملية. لقد تعايشنا مع البيئة بوجودها الملموس وبحيويتها.

هل تعتقدين أن المرأة العربية أثبتت نفسها أم أنها ما زالت بحاجة إلى تأكيد وجودها؟ وماذا عن دورها في الحركة التشكيلية؟

نحن مجتمع ذكوري بالدرجة الأولى، وفي ظل ظروف صعبة حاولت المرأة أن تحقق ذاتها ومكانتها، تبوأت مناصب كبرى وهذا يعُد شيئاً كبيراً بحد ذاته، يؤكد نجاح المرأة وتحدياتها وأمالها وتحققها على الواقع الملموس. وهي رغم الصعوبات التي كانت تعانيها، أصبح لها كيان مهم ومكمل للرجل في المجتمع وفي المنظومة الثقافية العامة. شاركت في معارض وملتقيات عدة في معظم الدول العربية والأجنبية، وأستطيع القول بأنه حدثت طفرة كبيرة للمرأة في الفن التشكيلي ومساهماتها الفنية، ولدينا الكثير من الباحثات والمبدعات، والخطوة المقبلة ستكون للمرأة.

هل يمكن لفنون الحداثة وما بعدها أن تؤثر على الفنون التقليدية أو تلغيها؟

لكل زمن منظومة وتوجه معين. كانت الفنون الكلاسيكية يوماً هي الدرجة الكمالية لمتذوقي الفنون، بينما تصدرت المفاهمية في زمن آخر.

 أصبح لدينا تنوع في الرؤى والأفكار من خلال المدارس الفنية المطروحة، كذلك الأمزجة. وبالنسبة إلى مقتني الأعمال الفنية، نجدهم يميلون إلى الكلاسيكية بينما للأعمال الحداثية مكانها في المتاحف والمنشآت العامة.

كيف تنظرين إلى علاقتك اليوم باللوحة، وهل ثمة حوار يدور بينكما خلال العمل الفني؟

العمل الفني جزء أساسي ومكمل للفنان، يصنع حواراً من نوع خاص، لا يمكنني الاستغناء عن اللوحة، فقد أصبحت جزءاً مني وقطعة من إحساسي. اللوحة حياة تولد من عالم مخزون في ذهني تمثل كياني، فهي ولدت ليراها العالم ويقترب من العوالم الآخرى كافة. عندما يفارقني العمل الفني فأنه ينتقل إلى حيوات أخرى يعيش في وسطها لكن يظل المعنى في داخلي يشير إلى اتصال بيني وبين كل عمل حقيقي. تمثل اللوحة خلاصة تعبيرية لأحلام الإنسان وتعبيراته، لذلك تمثل كل لوحة منطلقاً لحلم وضوء جديدين، يهدي الروح سبل تحقيق الذات والمساهمة في إعمار الكون.

هل لديك وقت معين للرسم وماذا عن طقوسك خلال العملية الفنية؟

ليست لديَّ طقوس أو وقت معين لممارسة العمل الفني، ولكني عموماً أحب الهدوء والتركيز. أحياناً أستمع إلى الموسيقى لمساعدتي على تطوير أفكاري في بناء العمل.

في سطور

الفنانة نجاة مكي خريجة كلية الفنون الجميلة بالقاهرة سنة 1982، نالت دبلومة عامة في الفنون الجميلة القاهرة سنة 1996، وماجستير نحت بارزاً وميدالية (فنون جميلة  القاهرة  سنة  1998)، ودكتوراه في مجال المسكوكات المعدنية (كلية الفنون القاهرة  سنة 2001).

عملت كعضو سابق في مجلس دبي الثقافي، عضو في جمعية الإمارات للفنون التشكيلية، عضو في جماعة أصدقاء الفن لدول الخليج، بجماعة الجدار بالشارقة، عضو جمعية التراث العمراني، عضو جمعية الإياب للفن التشكيلي باليونسكو.

حصلت على جائزة  العويس (ندوة الثقافة والعلوم  دبي – 1994)، وشاركت في كثير من المعارض الجماعية والخاصة، كذلك مثلت الإمارات في كبرى الفاعليات الفنية.

back to top