الغرب فقد الحق في انتقاد بوتين

نشر في 26-10-2015
آخر تحديث 26-10-2015 | 00:01
ينتهي الكاتب في هذا المقال إلى أن توجيه الغرب انتقادات إلى روسيا، ولاسيما في ما يتعلق بالأزمة السورية، استناداً إلى أسس أخلاقية من دون التصرف في الوقت عينه بطريقة أخلاقية سيؤدي إلى تقويض مصداقية الغرب، وتوليد سلسلة كاملة من الافتراضات الخاطئة التي تبنى عليها السياسة.
 موسكو تايمز يُعتبر الرئيس فلاديمير بوتين في وطنه عملاقاً يهيمن على العالم، وقيصراً حكيماً، وأباً محباً للأمة، أما في الخارج فها هو يواجه مرة أخرى الانتقادات المعهودة، مع وصفه محبا للحرب، سيد الكليبتوقراطية، والحاكم المستبد، ولا شك أن الفساد متغلغل بعمق في الأنظمة السياسية والاقتصادية الروسية، وأن الكرملين يعتبر القوة العسكرية أداة تخدم المصلحة الوطنية، ولكن على الغرب أن يتفادى الأفكار النمطية البسيطة والمضلِّلة، إن كان يريد أن يبني سياسات فاعلة في التعاطي مع روسيا، وخصوصاً في المسائل المتعلقة بمناورتها السورية.

شكل تدخل روسيا في سورية في المقام الأول مصدر إحراج لواشنطن خصوصاً، فقد أثبتت الضربات الجوية الروسية حتى اليوم أن ادعاء موسكو أنها قوة عالمية يجب أن يؤخذ على محمل الجد، وقد حققت الضربات الجوية هذا الهدف بطريقة لا تُبرهن قوتها العسكرية فحسب، بل أيضاً إرادتها التي لا ترحم، لكن ادعاءات الغرب بشأن أعمال روسيا عموماً، وبوتين خصوصاً، تعكس خبثاً خطيراً.

"لا تملك روسيا أي تفويض لتتدخل في سورية"، لكن حكومة بشار الأسد لا تزال، مهما كان ذلك بغيضاً، حكومة سورية المعترف بها دولياً، مع سفارة في واشنطن، وهي مَن دعا روسيا إلى المساعدة، وإن أردنا النظر إلى الأمور من هذا المنظار، تكون تركيا والولايات المتحدة والمشاركون الآخرون في هذه الحرب مَن لا يملكون تفويضاً، ونبالغ بالتأكيد إن صورنا أعمالهم على أنها إنسانية بحتة.

إن سقط نظام الأسد فقد يُستبدل بالتأكيد بنظام أقل وحشية وأكثر شرعية، ولكن هنا أيضاً أثبتت تجارب تغيير الأنظمة العسكرية الأخرى في شمال إفريقيا والشرق الأوسط أن النتيجة قد تتحول بكل سهولة نحو الفوضى والإرهاب المتطرف.

"يقصف الروس مجموعات الثوار الخطأ"، بالإضافة إلى واقع أن الكثير من "الثوار المعتدلين" الذين اعتُبروا أمل سوري الأكبر ليسوا معتدلين إلى هذا الحد، لا تخفي موسكو محاولتها إنقاذ نظام الأسد، الذي يشكل أحد حلفائها القلائل. تتركز قوات "داعش" بشكل كبير في شمال شرق البلاد، في حين ما زال النظام يبسط سيطرته على المناطق الغربية والجنوبية، فلا عجب إذاً في أن الضربات الجوية استهدفت الثوار الذين يشكلون خطراً مباشراً وفورياً يهدد دمشق.

"تتصرف موسكو بطريقة خطرة، وخصوصاً مع اقتراب الطائرات الروسية كثيراً من الطائرات الغربية". نعم، ثمة خطر محدود، وخصوصاً أن الروس أكثر عدائية من الطيارين السوريين، على سبيل المثال حتى لو كانت اختراقاتهم للمجال الجوي التركي خطأ غير متعمد، كما يدعون، فلا بد أنهم كانوا قريبين جداً كي يقع خطأ مماثل، ولكن نظراً إلى أن الطائرات الأميركية والحليفة لا تملك الحق القانوني بدخول المجال الجوي السوري، أفلا تقع على عاتقها مسؤولية "فض النزاع"؟

لا شك أن الروس يتدخلون في سورية لأسباب ترتبط بمصالحهم الخاصة لا لحماية المدنيين السوريين ولا كحليف أساسي، بل لإلهاء الشعب الروسي عن حالة الجمود في الدومباس وإرغام الغرب على التعامل معهم، ولا مجال للإنكار أن النظام السوري شرير بكل معنى الكلمة، وواقع أن "داعش" أسوأ منه لا يشكل مبرراً أخلاقياً لتدخل بوتين، ولكن منذ متى أصبحت المصالح الخاصة حدثاً جديداً في العالم الجيو-سياسي؟

كيف يمكن لتأجيج حرب بالوكالة طويلة وعنيفة ضد الأسد و"داعش" كليهما أن يساعد المدنيين السوريين، في حين أن الكثير من حلفاء الغرب المشاركين في هذه الحملة، من تركيا إلى المملكة العربية السعودية، يواجهون مشاكلهم الخاصة مع حقوق الإنسان؟

لا نحاول هنا اللجوء إلى تلك الخدعة المعهودة التي تهدف إلى الحد من فاعلية الانتقادات بإبراز عيوب الجانب الآخر الحقيقية أو المختلقة، بل على العكس نود الإشارة إلى أن واشنطن تريد راهناً الأمر ونقيضه، فقد تقرر تأسيس سياستها الخارجية على المبادئ الأخلاقية أو العملانية الجيوسياسية.

تبدو في الوقت الراهن مسرورة بالعمل بطريقة عملية والتفكير بطريقة أخلاقية، ونتيجة لذلك لا تعتبر حقاً بوتين خصماً فحسب بل خصماً غير أخلاقي أيضاً.

لكن هذا خطر وتهور، فكما أننا لا نستطيع تجاهل روسيا بقيادة بوتين بنعتها بالكليبتوقراطية (لا تزال الطرقات تُبنى، والجامعات تموَّل، والمشاريع تُنفذ، مع أن هذا لا يمنع حدوث بعض أعمال السرقة)، كذلك لا يمكننا اعتبارها "دولة مارقة" عدائية جداً، ومن المؤكد أن انتقاد روسيا بالاستناد إلى أسس أخلاقية من دون التصرف في الوقت عينه بطريقة أخلاقية لا غبار عليها سيؤدي إلى تنفير موسكو، وتقويض مصداقية الغرب، وتوليد سلسلة كاملة من الافتراضات الخاطئة التي تبنى عليها السياسة.

تبقى الحقيقة المزعجة أن بوتين في سورية (كما يقوم بذلك بطرق أخرى عدة) يستغل أشد استغلالاً ويوسع سابقات أرساها الغرب من قبله.

مارك غاليوتي - Mark Galeotti

back to top