5 أوجه نجهلها عن الماء من البخار إلى الجليد... ما زال يحيرنا
أي مسائل ما زلنا نجهلها عن الماء؟ فهو سائل وصافٍ. يأتي من المطر، يغلي، وقد يتحول إلى ثلج أو جليد. ويعتقد نصف سكان العالم أن الماء ممل. لكن النصف الآخر يتأثر على ما يبدو بالعلوم المحرفة وفلاسفة العصر الجديد، فيصدق خصائص الماء السحرية، مثل المعالجة المثلية، والمياه المنظمة، والمياه المتعددة، وذاكرة المياه. تقع الحقيقة في نقطة وسط بين هذين الطرفين. نعم، الماء واسع الانتشار، فهو يحتل المرتبة الثالثة بين الجزيئات الأكثر شيوعاً في الكون. ولكن بخلاف وجهة نظر أمي، الماء معقد أكثر مما نتصور. إليكم مشاكل علمية مرتبطة بالماء ما زالت من دون حل حتى اليوم:
كم نوعاً من الجليد هنالك؟
أشار الإحصاء الأخير إلى 17 شكلاً بلورياً مختلفاً من الماء الصلب. لكن شكلاً واحداً (الجليد Ih) يكثر انتشاره في الأرض خارج المختبر. ثمة شكل بلوري آخر يدعى الجليد Ic نجده بكميات ضئيلة في الطبقة العليا من الجو. أما الأشكال الخمسة عشر الأخرى، فلا تظهر إلا إذا تعرض الماء لضغط كبير (ثمة كثير من الماء أيضاً في الفضاء بين الكواكب، إلا أنه يكون عادةً جليداً زجاجياً لابلورياً يتجمد حول حبات الغبار).يعود هذا التنوع المذهل في الجليد البلوري إلى الشبكة الرباعية السطوح لروابط الهيدروجين القوية التي تتشكل بين جزيئات الماء المجاورة. ففي مراحل تكثيف الماء، يعزز كل جزيء قدرته على إنشاء روابط بين الهيدروجين بتشكيله أربعة روابط هيدروجين بزوايا رباعية السطوح تقريباً. وهكذا تكون روابط الهيدروجين داخل جليد Ih بنية مفتوحة ثلاثية الأبعادة بكثافة منخفضة.قد تؤدي ممارسة الضغط على مواد رباعية الأسطح، بما فيها الجليد البلوري، الكربون، السليكون، والفسفور، إلى انهيار الأشكال الصلبة القليلة الكثافة إلى مجموعة من البنى التي تتمتع بكثافة أعلى، إلى أن تبلغ هذه المواد، حسبما يُفترض، حدود كثافتها القصوى. وهكذا نحصل على أشكال الجليد البلوري السبعة عشر التي اكتشفناها حتى اليوم. فهل ما زال الماء يخبئ المزيد لاستكشافه؟هل ثمة نوعان من الماء السائل؟قبل بضعة عقود، أعلن علماء يابانيون أنهم شاهدوا انتقالاً بين مرحلتين من الجليد اللابلوري تحت الضغط الكبير. وبما أننا نعتقد أن الجليد اللابلوري يشكل، في المقام الأول، عينة مجلدة من السائل، يشير هذا الاكتشاف إلى ضرورة وجود نوعين من الماء السائل: الماء الطبيعي المنخفض الكثافة وشكل مضغوط عالي الكثافة يماثل الجليد اللابلوري العالي الضغط.دعمت عمليات المحاكاة اللاحقة هذا الادعاء. فقد درسوا ماء حرارته أدنى من درجة حرارة التجمد، إلا أنها أعلى من “درجة حرارة التنوي المتجانس” (درجة الحرارة الدنيا التي لا وجود للماء السائل بعدها). في هذه المنطقة “البالغة البرودة العميقة”، لاحظ العلماء بضعة أدلة على مرحلة انتقالية بين شكلين سائلين من الماء.لكن علماء آخرين يؤكدون أن هذه النتائج اصطناعية، وأن العمليات الانتقالية هذه مستبعدة بالاستناد إلى مبادئ علم الميكانيكا الإحصائية. وبما أنها تحدث بعيداً جداً عن نقطة التوازن، فمن الصعب مراقبتها وإعداد نماذج عنها، علماً أن السلوك بعيداً عن نقطة التوازن يشكل راهناً الحد الحالي لنظرية المادة المكثفة.كيف يتبخر الماء؟يُعتبر معدل تبخر الماء السائل أحد النقاط المبهمة الرئيسة في نماذج المناخ. فهو يحدد حجم توزيع قطرات الماء في السحب، الذي يحدد بدوره كيف تعكس السحب الضوء، تمتصه، وتبدده. لكن الآلية المحددة وراء تبخر الماء ما زالت مبهمة. يُحدَد معدل التبخر عادةً كمعدل اصطدام بين الجزيئات مضروباً بعامل تصحيح يُدعى معامل التبخر، الذي يتراوح بين صفر وواحد. لكن محاولات تحديد هذا المعامل خلال تجارب امتدت على مدى عقود عدة تراوحت بين ثلاث قيم أساسية. لكن الحسابات النظرية اصطدمت بواقع أن التبخر الذي حدث نادر جداً ويتطلب عمليات محاكاة أكبر وأطول من الممكن.بالتعاون مع بعض الزملاء، استخدم ديفيد شاندلر من جامعة كاليفورنيا ببيركلي نظرية قادرة على توضيح هذه الحوادث النادرة تُدعى “أخذ العينات من مسار الانتقال”. تهدف هذه النظرية إلى احتساب معامل تبخر الماء. يصل هذا المعامل إلى قيمة تقارب واحد. ويتلاءم هذا إلى حد كبير مع تجارب الطائرات الصغيرة السائلة التي حددت هذه القيمة بـ0.6 للماء العادي والثقيل على حد سواء.ولكن ثمة نقاط ضعف واضحة. أولاً، ما زلنا نجهل لمَ أدت التجارب التي أجريت في ظل ظروف مناخية أكثر ملاءمة إلى قيم أدنى بكثير. بالإضافة إلى ذلك، تشير محاولات محاكاة أخذ العينات من مسار الانتقال إلى أن التبخر يعتمد على نحو مبالغ فيه على موجة شعرية ضخمة تمتد على طول سطح السائل، ما يجهد ويُضعف روابط الهيدروجين التي تحافظ على تماسك جزيء متبخر من الماء. علاوة على ذلك، تزيد إضافة الملح التوتر على السطح وتكبح ارتفاع الموجة الشعرية، ما يؤدي إلى تراجع معدل التبخر. لكن الدراسات الاختبارية تُظهر أن للملح تأثيراً بسيطاً أو حتى معدوماً.هل سطح الماء السائل حمضي أم قلوي؟يتمتع الضباب المحيط بشلالات نياغارا بخاصية مذهلة: تتحرك القطرات الفردية كما لو أنها مشحونة سلبياً. وينطبق الأمر عينه على معظم الشلالات. لطالما اعتبر العلماء ذلك دليلاً على تراكم إيونات الهيدروكسيد السلبية على سطح القطرات، ما يعني أن سطحها قلوي مع أس هيدروجيني (pH) أكبر من 7 (الماء المحايد). حتى هذا التفكير تحول إلى نظرية معتمدة في مجتمع الخبراء المتخصصين في العلوم الغروية.يحتوي سطح الماء السائل عدداً كبيراً من روابط الهيدروجين المنقطعة، ما يولد بيئة كيماوية مختلفة عن تلك التي نلاحظها داخل السائل. لكن التجارب والحسابات الأخيرة تشير إلى أن البروتونات المميهة (H+) تهيمن على سطح الماء السائل، ما يؤدي إلى سطح حمضي (أقل من 7) ومشحون إيجابياً، وليس سطحاً قلوياً مشحوناً سلبياً.يشمل عدد كبير من العمليات المهمة في الكيمياء وعلم الأحياء، مثل الهباء الجوي وتبادل الغازات، تحفيز الإنزيمات، نقل البروتونات عبر الأغشية، تبادل البروتونات عند سطح الماء. إذاً، تعتمد هذه العمليات بكل وضوح على معدل الأس الهيدروجيني عند سطح الماء، علماً أن هذه القيمة لا تزال مجهولة حتى اليوم.هل الماء المحتجز في المساحة النانوية مختلف؟لا يتدفق الماء دوماً بقوة أو يملأ المحيطات الضخمة. ففي الطبيعة وفي الأجهزة البشرية الصنع، يكون الماء غالباً محتجزاً في مساحات بالغة الصغر، مثل المذيلات المعكوسة، أنابيب الكربون النانوية، أغشية تبادل البروتونات، وأنواع الجيل الجاف (مواد زجاجية صلبة كثيرة المسام).يبدو أن التجارب والحسابات على حد سواء تشير إلى أن الماء المحتجز داخل الجدران الصلبة لمساحات ضيقة، يمكن مقارنة حجمه بحجم بضع مئات من الجزيئات، يعكس تأثيرات كمية ميكانيكية، بما فيها عدم التموضع والتماسك الكمي. لكن هذه الخصائص تختلف عما نراه في الماء عموماً، وقد تؤثر في شتى المسائل، من الخلايا الحيوية إلى البنى الجيولوجية. كذلك قد تكون أهمية العملية كبيرة، في تصميم مثلاً أنظمة أكثر فاعلية لتحلية الماء.لكن النتائج الراهنة لا تزال عامضة إلى حد ما. ومن هنا تنشأ الحاجة إلى مزيد من العمل في هذا المجال بغية تحديد طبيعة الماء المحتجز.