يحكى أن 9-30: أمير المؤمنين يستضيف الصعاليك الثلاثة

نشر في 26-06-2015 | 00:01
آخر تحديث 26-06-2015 | 00:01
في الليلة التاسعة تواصل شهرزاد الحكاية. وتكمل قصة الصعاليك الثلاثة، الذين دخلوا بيت البنات الثلاث مع الحمَّال، واشترطت البنات عليهم ألا يتحدثوا في ما لا يعنيهم، كي لا يسمعوا ما لا يرضيهم. وبعد سهر وانبساط، بدأ الخليفة هارون الرشيد الذي دخل البيت متخفياً يسأل ليعرف حكاية البنات الثلاث والصعاليك والحمال.

غضبت صاحبة البيت وأمرت الصبية أن تكتف الرجال بالحيلة لتقتلهم، لأنهم لم يحفظوا الشرط. إلا أن الصبية قالت إنها لن تقتل منهم أحداً إذا حكى حكايته بصدق. وبعدما حكى الصعلوك الأول حكايته وكيف كان ابن ملك انقلب عليه عساكره فقتلوه، قالت له الصبية: لك أن تنصرف بسلام. قال: لا أذهب حتى أسمع خبر غيري. فتعجبوا من حديثه. هنا بدأ الصعلوك الثاني يروي حكايته العجيبة، وقال إنه لم يولد أعور، وأنه كان ابن ملك، لكن ساحرة سحرته قرداً ذات مرة، وظل على هذه الحال إلى أن أعجب ملكاً آخر، وهو على هيئة قرد، وطلب الملك من ابنته أن تفك سحر القرد ليعود إنساناً.

قال الصعلوك: أخذت ابنة الملك بيدها سكيناً مكتوباً عليها أسماء عبرانية، وخطت بها دائرة في وسط القصر، وكتبت فيها أسماء وطلاسم، وعزمت بكلام لا يفهم وبعد ساعة أظلمت علينا جهات القصر حتى ظننا أن الدنيا قد انطبقت علينا، وإذا بالعفريت قد تدلى علينا في أقبح صفة، بأيد كالمداري، ورجلين كالصواري، وعينين كمشعلين يوقدان ناراً، ففزعنا منه، فقالت له بنت الملك: لا أهلاً بك ولا سهلاً، فقال العفريت: يا خائنة كيف خنت اليمين؟ أما تحالفنا على أنه لا يتعرَّض أحد للآخر؟ أجابت: يا لعين... ومن أين لك يمين؟ قال العفريت: خذي ما جاءك. ثم انقلب أسداً وفتح فاه وهجم على الصبية، فأسرعت وأخذت شعرة من شعرها بيدها، وهمهمت بشفتيها فصارت الشعرة سيفاً ماضياً وضربت ذلك الأسد فقطعته نصفين، فصار رأسه عقرباً وانقلبت الصبية أفعى عظيمة، وهجمت على العفريت اللعين وهو في صورة عقرب، فتقاتلا قتالاً شديداً. ثم انقلب عقاباً فانقلبت نسراً، وسارت وراءه واستمر القتال ساعة زمانية، ثم انقلب قطاً أسود فانقلبت ذئباً، فتشاحنا في القصر ساعة أخرى، وتقاتلا قتالاً شديداً، فرأى القط نفسه مغلوباً فانقلب وصار رمانة حمراء كبيرة، ووقعت تلك الرمانة في بركة فقصدها الذئب فارتفعت في الهواء ووقعت على بلاط القصر فانكسرت وانتشر الحب كل حبة وحدها، وامتلأت أرض القصر حباً.

انقلب ذلك الذئب ديكاً وصار يلتقط ذلك الحب حتى لم يترك منه سوى حبة تدارت في جانب الفسقية، فانقض عليها ليلتقطها وإذا بالحبة سقطت في وسط الماء الذي في البركة فصارت سمكة وقد غاصت في الماء، فانقلب الديك حوتاً كبيراً ونزل خلفها وغاب ساعة زمنية، وإذا بنا قد سمعنا صراخاً عالياً فارتجفنا. بعد ذلك، طلع العفريت وهو شعلة نار فألقى من فمه ومن عينيه ومنخريه ناراً ودخاناً وانقلبت الصبية لجة نار، فأردنا أن نغطس في ذلك الماء خوفاً على أنفسنا من الحريق والهلاك فما نشعر إلا والعفريت قد صرخ من تحت النيران وصار عندنا في الليوان ونفخ في وجوهنا بالنار فلحقته الصبية ونفخت في وجهه بالنار أيضاً. أصابنا الشرر منها ومنه، فأما شررها فلم يؤذنا وأما شرره فلحقتني منه شرارة في عيني فأتلفتها وأنا في صورة القرد، ولحقت الملك شرارة منه في وجهه فأحرقت نصفه الأسفل بذقنه وحنكه ووقعت أسنانه السفلى، ووقعت شرارة في صدر الطواشي فاحترق ومات من ساعته فأيقنا بالهلاك وقطعنا رجاءنا من الحياة. بينما نحن كذلك إذا بقائل يقول: الله أكبر الله أكبر، قد فتح ونصر، وخذل من كفر بدين محمد سيد البشر. وإذا بالقائل بنت الملك قد أحرقت العفريت. نظرنا إليه فرأيناه قد صار كوم رماد، ثم جاءت الصبية إلينا وقالت: أعطوني طاسة ماء. فجاؤوا بها إليها فتكلمت عليها بكلام لا نفهمه، ثم رشتني بالماء وقالت: أخلص بحق الحق، وبحث اسم الله الأعظم، إلى صورتك الأولى. فصرت بشراً كما كنت أولاً. ولكن تلفت عيني فقالت الصبية: النار النار يا والدي أنا ما بقيت أعيش لأني موعودة بالقتل، ولو كان من الإنس لقتلته من أول الأمر وما تعبت إلا وقت فرط الرمانة حين لقطت حبها ونسيت الحبة التي فيها روح الجني فلو لقطها لمات من ساعته، ولكن ما رأيتها بالقضاء والقدر، ولم أشعر إلا وقد أتى وجرت لي معه حرب شديدة تحت الأرض وفي الهواء والماء، وكلما فتح عليّ باباً فتحت عليه باباً أعظم منه. ساعدني عليه القدر حتى أحرقته، وكنت أعهد منه التدين بدين الإسلام وها أنا ميتة والله خليفتي عليكم. ولم تزل تستغيث من النار وإذا بشرر أسود قد طلع إلى صدرها وطلع إلى وجهها فبكت وقالت: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله. نظرنا إليها فرأيناها كوم رماد بجانب كوم العفريت. حزنا عليها، وتمنيت لو كنت مكانها، ولا أدرى ذلك الوجه المليح الذي عمل في هذا المعروف يصير رماداً، ولكن حكم الله لا يرد.

لما رأى الملك ابنته صارت كوم رماد، نتف بقية لحيته، ولطم على وجهه، وشق ثيابه، وفعلت أنا كما فعل، وبكينا عليها. ثم جاء الحجاب وأرباب الدولة فوجدوا السلطان في حالة العدم وعنده كومتا رماد، فتعجبوا وداروا حول الملك ساعة، فلما أفاق أخبرهم بما جرى لابنته مع العفريت، فعظمت مصيبتهم وصرخت النساء والجواري، وأقاموا العزاء سبعة أيام.

أمر الملك أن يبني على رماد ابنته قبة عظيمة، وأوقد فيها الشموع والقناديل. أما رماد العفريت فإنهم ذرأوه في الهواء إلى لعنة الله. ثم مرض السلطان مرضاً أشرف منه على الموت، واستمر مرضه شهراً وعادت إليه العافية، فطلبني وقال لي: يا فتى قد قضينا زماننا في أهنأ عيش آمنين من نوائب الزمان، حتى جئتنا فأقبلت علينا الأكدار، فليتنا ما رأيناك ولا رأينا طلعتك القبيحة التي بسببها صرنا في حالة العدم، فأولاً عدمت ابنتي التي كانت تساوي مئة رجل، وثانياً جرى من الحريق ما جرى، وعدمت أضراسي ومات خادمي، والحمد لله حيث خلصتك ابنتي وأهلكت نفسها، فأخرج يا ولدي من بلدي، وكفى ما جرى بسببك، وكل ذلك مقدر علينا وعليك فأخرج بسلام.

خرجت يا سيدتي من عنده وما صدقت بالنجاة ولا أدري أين أتوجه، وتذكرت ما جرى لي وكيف خلوني في الطريق سالماً منهم، ومشيت شهراً وأنا أفكر في دخولي تلك المدينة غريباً واجتماعي بالخياط واجتماعي بالصبية تحت الأرض وخلاصي من العفريت بعدما كان عازماً على قتلي، وتذكرت ما حصل لي من المبتدأ إلى المنتهى. فحمدا لله وقلت: بعيني ولا بروحي، ودخلت الحمام وحلقت لحيتي وجئت يا سيدتي وفي كل يوم أبكي وأتفكر بالمصائب التي كانت عاقبتها تلف عيني. ثم سافرت متنقلاً بين الأمصار، وقصدت دار السلام بغداد، لعليّ أتوصل إلى أمير المؤمنين وأخبره بما جرى لي، فوصلت إلى بغداد هذه الليلة فوجدت أخي هذا الأول واقفاً متحيراً، وتحدثت معه وإذا بأخينا الثالث قد أقبل علينا فمشينا نحن الثلاثة، وما فينا أحد يعرف حكاية أحد. ساقتنا المقادير إلى هذا الباب ودخلنا عليكم وهذا سبب حلق لحيتي وتلف عيني. قالت له الصبية: {حكايتك غريبة فأخرج  وامض في سبيلك}. فرد: لا أخرج حتى أسمع حديث رفيقي.

الصعلوك الثالث

تقدَّم الصعلوك الثالث وقال: أيتها السيدة الجميلة ما قصتي مثل قصتهما، بل قصتي أعجب، ذلك أن هذين جاءهما القضاء والقدر أما أنا فسبب حلق لحيتي وتلف عيني أنني جلبت القضاء لنفسي والهم لقلبي. كنت ملكاً ابن ملك ومات والدي وأخذت الملك من بعده، وحكمت وعدلت وأحسنت للرعية. كانت لي محبة في السفر، ومدينتي على البحر، وحولنا جزائر معدة للقتال. أردت أن أتفرج على الجزائر، فنزلت في عشر سفن وأخذت معي مؤنة شهر، وسافرت عشرين يوماً. في ليلة من الليالي هبت علينا رياح مختلفة، إلى أن لاح الفجر فهدأت الريح وسكن البحر، حتى أشرقت الشمس. ثم أشرفنا على جزيرة وطلعنا إلى البر وطبخنا شيئاً أكلناه ثم أقمنا يومين وسافرنا عشرين يوماً فاختلفت علينا المياه، واستغرب الرئيس هذا الأمر، فقلنا للناظور: انظر ما هناك. طلع على الصاري، ثم نزل وقال للريس: رأيت عن يميني سمكاً على وجه الماء، ونظرت إلى وسط البحر فرأيت سواداً من بعيد يلوح تارة أسود وتارة أبيض. لما سمع الريس كلام الناظور ضرب الأرض بعمامته ونتف لحيته وقال لنا: قد حان هلاكنا جميعاً ولن يسلم منا أحد. وشرع يبكي، ونحن نبكي على أنفسنا. سألته: أخبرنا بما رأى الناظور. أجاب: اعلم يا سيدي أننا تهنا يوم هبت علينا الريح المختلفة في البحر. ولم نزل تائهين أحد عشر يوماً، وليست لنا ريح ترجعنا إلى ما نحن قاصدون آخر النهار، وفي غد نصل إلى جبل من حجر أسود يسمى حجر المغناطيس، وتجرنا المياه غصباً إلى جهته فيتمزق المركب ويروح كل مسمار في المركب إلى الجبل ويلتصق به، لأن الله وضع في حجر المغناطيس سراً هو أن جميع الحديد يذهب إليه، وفي ذلك الجبل حديد كثير لا يعلمه إلا الله تعالى، إذ تكسرت من قديم الزمان سفن كثيرة بسبب ذلك الجبل، وتلي ذلك البحر قبة من النحاس الأصفر معقودة على عشرة أعمدة، وفوق القبة فارس على فرس من نحاس، وفي يد ذلك الفارس رمح من نحاس، وعلى صدره لوح من رصاص منقوشة عليه أسماء وطلاسم، وما دام هذا الفارس راكباً على هذه الفرس فإن المراكب التي تسير من تحته تنكسر ويهلك ركابها جميعاً، ويلتصق جميع الحديد الذي فيها بالجبل، ولا خلاص إلا إذا وقع هذا الفارس من فوق تلك الفرس.

ثم بكى الرئيس، يا سيدتي، بكاء شديداً، فتحققنا أننا هالكون لا محالة، وكل منا ودَّع صاحبه، فلما جاء الصباح قربنا من ذلك الجبل وشاقتنا المياه إليه غصباً. لما صارت المراكب تحته، خرجت منها المسامير وكل حديد فيها نحو حجر المغنطيس، وبقينا ندور حوله حتى آخر النهار، فمنا من غرق ومنا من سلم، وقد نجاني الله تعالى لما أراده من مشقتي وعذابي. طلعت على لوح من الألواح ألقته الرياح والأمواج إلى جبل، فأصبت طريقاً مؤدياً إلى أعلاه على هيئة السلالم منقورة في الجبل.

سميت الله ودعوته وابتهلت إليه، وحاولت الطلوع على الجبل، وصرت أتمسك بالنقر التي فيه، حتى أسكن الله الريح وأعانني على أن طلعت سالماً على الجبل. فرحت بسلامتي غاية الفرح، ولم يكن لي دآب إلى القبة فدخلتها وصليت ركعتين شكراً لله على سلامتي. ثم نمت تحت القبة فسمعت قائلاً يقول: يا ابن خصيب إذا انتبهت من منامك فاحفر تحت رجليك تجد قوساً من نحاس، وثلاث نشابات من رصاص منقوشة عليها طلاسم، فخذ القوس والنشابات وارم الفارس الأسود الذي على القبة وأرح الناس من هذا البلاء العظيم. إذا رميت الفارس فيقع في البحر وتقع القوس من يدك فخذ القوس وأدفنها. إذا فعلت ذلك فيطفو البحر ويعلو حتى يساوي الجبل ويطلع عليه زورق فيه شخص غير الذي رميته فيجيء إليك وفي يده مجداف فاركب معه ولا تسم الله تعالى، فإنه يحملك ويسافر بك مدة عشرة أيام إلى أن يوصلك إلى بحر السلامة. إذا وصلت هناك فتجد من يوصلك إلى بلدك، وهذا يتم إذا لم تسم الله.

استيقظت من نومي. قمت بنشاط وقصدت الماء، كما قال الهاتف، وضربت الفارس فرميته فوقع في البحر ووقعت القوس من يدي. أخذت القوس ودفنتها فهاج البحر وعلا حتى ساوى الجبل الذي أنا عليه، فلم ألبث غير ساعة حتى رأيت زورقاً في وسط البحر يقصدني، فحمدت الله تعالى. عندما وصل إلى الزورق وجدت فيه شخصاً من النحاس في صدره لوح من الرصاص، منقوشاً بأسماء وطلاسم، فنزلت في الزورق وأنا ساكت لا أتكلم فحملني الشخص أول يوم والثاني والثالث إلى تمام عشرة أيام، حتى رأيت جزائر السلامة ففرحت فرحاً عظيماً ومن شدة فرحي ذكرت الله وسميت وهللت وكبرت. لما فعلت ذلك قذفني من الزورق في البحر ثم ابتعد عني، وكنت أعرف العوم، فعمت ذلك اليوم إلى الليل حتى كلَّ ساعداي، وأشرفت على الهلاك، ثم تشهدت وأيقنت بالموت، وهاج البحر من كثرة الرياح فجاءت موجة كالقلعة العظيمة فحملتني وقذفتني قذفة صرت بها فوق البر، فطلعت وعصرتُ ثيابي ونشفتها على الأرض وبت.

لما أصبحت لبست ثيابي وقمت أنظر أين أمشي، فوجدت غوطة درت حولها فوجدت الموضع الذي أنا فيه جزيرة صغيرة والبحر محيط بها، فقلت في نفسي: كلما أخلص من بلية أقع في أعظم منها، وبينما أنا متفكِّر في أمري وأتمنى الموت إذ نظرت سفينة فيها ناس، فقمت وطلعت على شجرة وإذا بالسفينة رست وطلع منها عشرة عبيد معهم فؤوس، فمشوا حتى وصلوا إلى وسط الجزيرة وحفروا في الأرض وكشفوا عن طابق فتحوا بابه. ثم عادوا إلى المركب ونقلوا منه خبزاً ودقيقاً وسمناً وعسلاً وأغناماً وجميع ما يحتاج الساكن، وصار العبيد مترددين بين السفينة وبين الطابق إلى أن نقلوا جميع ما فيها.

هارون الرشيد

بعد ذلك، طلع العبيد ومعهم ثياب أحسن ما يكون، وفي وسطهم شيخ كبير هرم قد عمر زمناً طويلاً، وأضعفه الدهر، حتى صار فانياً، ويد ذلك الشيخ في يد صبي قد أفرغ في قالب الجمال وألبس من الحسن حلة الكمال. حتى إنه يضرب بحسنه الأمثال، وهو كالقضيب الرطب يسحر كل قلب بجماله، ويسلب كل لب بكماله. لم يزالوا يا سيدتي سائرين حتى أتوا إلى الطابق، ونزلوا وغابوا عن عيني، وهنا نزلت من فوق الشجرة ومشيت إلى موضع الردم ونبشت إلى موضع الردم ونبشت التراب ونقلته، وصبرت نفسي حتى زال جميع التراب فانكشف الطابق فإذا هو خشب مقدار حجم الطاحون فرفعته فبان من تحته سلم معقود من حجر، فتعجبت من ذلك ونزلت حتى انتهيت إلى آخره.

فوجدت بستاناً نظيفاً ووجدت بستاناً ثانياً وثالثاً إلى تمام تسعة وثلاثين بستاناً، فيها ما يكل عنه الوصف من أشجار وأنهار وثمار وذخائر، ورأيت باباً فقلت في نفسي ما الذي في هذا المكان، لا بد من أن أفتحه وأنظر ما فيه. فتحته فوجدت فيه فرساً مسرجاً ملجماً مربوطاً ففككته وركبته فطار بي إلى من فوق السطح وأنزلني وضربني بذيله فأتلف عيني وفرمني. نزلت من فوق السطح فوجدت عشرة شبان عور. لما رأوني قالوا: لا مرحباً بك! قلت لهم: أتقبلوني أجلس عندكم؟ قالوا: والله لا تجلس عندنا. خرجت من عندهم حزين القلب باكي العين، وكتب الله لي السلامة حتى وصلت إلى بغداد فحلقت لحيتي وصرت صعلوكاً، فوجدت هذين الأعورين فسلمت عليهما وقلت لهما أنا غريب، فقالا: ونحن غريبان.

قالت له الصبية: لك أن تنصرف، فقال: والله لا أروح حتى أسمع قصة هؤلاء. ثم التفتت الصبية إلى الخليفة وجعفر ومسرور وقالت لهم: أخبروني بخبركم. تقدم جعفر وحكى لها الحكاية التي قالها للبوابة عند دخولهم، فلما سمعت كلامه قالت: وهبت بعضكم لبعض، فخرجوا إلى أن صاروا في الزقاق. قال الخليفة للصعاليك: يا جماعة إلى أين تذهبون؟ أجابوا: ما ندري أين نذهب. قال لهم الخليفة: سيروا وبيتوا عندنا. وأضاف: يا جعفر، خذهم وأحضرهم لي غداً حتى ننظر ما يكون. امتثل جعفر لما أمره به الخليفة ثم إن الخليفة طلع إلى قصره، ولم يأته نوم في تلك الليلة. لما أصبح جلس على كرسي المملكة ودخلت عليه أرباب الدولة، فالتفت إلى جعفر وقال: آتني بالثلاث الصبايا والكلبتين والصعاليك. نهض جعفر وأحضرهم بين يديه. أدخل الصبايا تحت الستار والتفت إليهن جعفر وقال لهن: قد عفونا عنكن لما أسلفتن من الإحسان علينا ولم تعرفونا، فها أنا أعرفكن وأنتن بيدي الخليفة الخامس من بني العباس هارون الرشيد فلا تخبرنه إلا حقاً. عندما سمع الصبايا كلام جعفر على لسان أمير المؤمنين تقدمت الكبيرة وقالت: يا أمير المؤمنين إن لي حديثاً لو كتب بالإبر على آماق البصر لكان عبرة لمن اعتبر.

هنا أدرك شهرزاد الصباح، فسكتت عن الكلام المباح.

وإلى حلقة الغد

back to top