ترانيم أعرابي: أدباء من ورق

نشر في 27-10-2015
آخر تحديث 27-10-2015 | 00:04
 عبدالرحمن محمد الإبراهيم بات أمراً واضحاً للعيان كثرة المؤلفين الشباب في الفترة الأخيرة خصوصاً في منطقة الخليج العربي، هذا لعمري أمر حميدٌ جميل رائع، فمن النادر أن نرى مؤلفاً غير قارئ، وكثرة القراء في المجتمع توصلنا للرقي إذا فهمنا ما نقرأ وعملنا بما قرأنا.

القراءة ليست كتباً نطالعها أو سطوراً نقتبسها، القراءة رحلة عمر تبدأ عند أول كتاب نتدبره، وتنتهي حين إسلام الروح لبارئها، القراءة فنٌ جميل لا يتقنه أي أحد، فليس كل من لديه مكتبة يعد قارئاً ولا من أنهى كتاباً كل أسبوعٍ يعد مطلِعاً، سطور الكتاب إن لم تتحول إلى سلوك نعيشه وأفكار نؤمن بها ونموت من أجلها فلا بارك الله في هذه القراءة.

الهدف من هذا المقال تسليط الضوء قبل معرض الكتاب على ظاهرة إيصال أدباء وكتّاب هذا الجيل إلى مراتب لا يستحقونها في وقتهم هذا، ربما يصل بعضهم إليها في قادم السنوات، أما الآن فهم في رحلة الألف ميل التي بدأوها بنصف خطوة، ثم أتاهم المدح من حيث لم يحتسبوا فظنوا أنهم يقطعون الميل الأخير في رحلتهم!!

قد يقول قائلٌ: وما دليلك؟ نريد البينة؟ وأقول يكفي متابعة "تويتر" والنظر في كمية المديح غير الصادق التي ينالها بعضهم، وأنا والله لا أحسد أحداً، إنما أرثي لحال بعضهم، فالمدح والثناء والتشجيع أكثر ما يحتاجه أي كاتب في بداياته إن كان يستحقه.

ولكن الكاتب الناشئ يحتاج مع المدح للنقد الإيجابي البنّاء، ويحتاج إلى التوجيه، كما يحتاج أيضاً إلى قليل من التواضع، فبعض أدباء الورق إن تجولت في ملفاتهم وردودهم على بعض منتقديهم رأيت عنجهيةً وتكبراً لو وزع على صفحات كتابه لوسعها. أعترف أن بعض القراء يتجاوزون حدود الأدب والنقد لكن أي صاحب قلم يعرض عقله على الآخرين وهذا يعني أن عليه تحمل ما يأتيه.

بعض أدباء عصر السرعة يريد أن يكون كالعقاد والطنطاوي وطه حسين والمنفلوطي وسيد العربية الرافعي، وهو لم يصبر صبرهم ولم يكافح كما كافحوا، وهل يؤكل العنب قبل حرث الأرض وري الشجر؟! لا يصل الإنسان إلى مبتغاه ما لم يلعق الصبر، ويبلع الجهد، ويصبر على آلام المخاض.

أدباء الورق هم الذين يكافحون من أجل أن تتصدر صورهم الصحف والمجلات؛ فالشهرة في حد ذاتها ليست عيباً، إنما هي استحقاق للمجتهد، لكن المخجل أن نرى صوراً للأديب الورقي بسبب معرفته بالمحرر فلان، ولديه صلة قرابة بالصحافي علان!

أدباء الورق يكتبون ما لا يؤمنون به، فتجدهم يتحدثون عن الحياء والحياء منهم براء، ويتغنون بالثورات والدماء الطاهرة وهم في قمة عنصريتهم.

أدباء الورق ينفرون من النقد، أما السلبي فمُبرر نفورهم منه، فلماذا الهروب من الإيجابي، وبعضهم بين الفينة والأخرى يقول: رحم الله أخاً أهدى إليّ عيوبي وهو في الحقيقة يقصد: رحم الله قارئاً مدحني وأثنى عليّ!

أدباء الورق ليس في قاموسهم كلمة لا أعلم، أو لست متأكداً، أو أنا أعتذر لأنني جادلتك وحجتك كانت أقوى، فهم ينتصرون لذواتهم أكثر من اهتمامهم بالارتقاء بأنفسهم وأقلامهم.

الأديب الورقي لا يتورع عن سرقة مجهود الآخرين، وتجميلها وإعادة صياغتها بأسلوبه، فالخواء الأدبي بداخله يعوقه عن الإبداع.

شوارد:

الأدب روح تسري في أجساد القراء فتسكن فيها، الأدب أفكارٌ يغرسها صاحب العقل في عقول من يقرأ له، الأدب الخالد هو ذاك الذي يُخلص صاحبه النية لله عز وجل فيُخلد الله ذكره أبداً، الأدب حياةٌ جديدة يسطرها القلم على الأوراق، فتعيش ما دامت الحروف حية.

back to top