إسرائيل تعيد النظر في مناهج تاريخها (1-2)

نشر في 21-07-2015
آخر تحديث 21-07-2015 | 00:01
 خليل علي حيدر  وضح قانون التعليم أن هدف المدرسة هو غرس «قيم الثقافة الإسرائيلية» و«حب الوطن» و«الولاء لدولة إسرائيل ولشعب إسرائيل»، وتمت ترجمة هذه الأهداف عمليا في المناهج الإجبارية التي شملت موضوعات التوراة والتاريخ اليهودي والصهيوني.

ماذا تعرف عن مناهج التعليم في إسرائيل؟ وكيف يتم إعداد الطلبة في مختلف المراحل؟ وكيف يتم تدريس التاريخ واللغات والعلوم؟

الباحث في التعليم الإسرائيلي د. خالد أبو عصبة، يسلط بعض الأضواء على هذه المناهج في بحث مطول عن "التربية والتعليم والبحث العلمي"، ضمن فصول كتاب "دليل إسرائيل العام 2011" الذي ما زلنا نعرض بعض محتوياته للقارئ العام، والكتاب المنشور في بيروت، من إصدارات مؤسسة الدراسات الفلسطينية، في العام نفسه.

كان هدف المناهج في العقدين الأولين من تأسيس الدولة "نقل التراث وغرس القيم الأساسية في جميع الطلاب"، ولذلك كان المنهاج موحداً، وطغت عليه الصيغة الأيديولوجية، وفي سنة 1966 أقيمت في وزارة المعارف شعبة المناهج لتطويرها على أسس مهنية، وفي سنة 1980 حدث تحول أساسي تمثل بمنح المعلم دوراً في وضع المناهج وتطوير أساليب التعليم، إلا أن هذه المحاولة لم تنجح النجاج المأمول، ومن هنا تقرر تحديد ثلاثة أنواع من المناهج: منهج إجباري يختار منه المدرس ما يشاء، منهج اختياري يضعه مختصون خارجيون وللمعلم الحق في نقاشهم، ومنهج حر يضعه المعلم ويقرر المواد وأساليب تدريسها، وقد أدى تشجيع استقلالية المدارس في وقوع تباين كبير في المناهج وما يتعلمه الطلاب؛ مما اضطر الوزارة إلى التدخل.

 ما الذي يدرسه طلاب المرحلتين الابتدائية والإعدادية في المدارس الإسرائيلية؟ يقول د. أبو عصبة شارحاً مناهج المرحلتين بشكل عام: "يدرس التلاميذ في المرحلة الابتدائية مواد تتلاءم والأهداف العامة التي وضعتها وزارة المعارف، وهي تشمل 14 موضوعا إلزاميا على النحو التالي: الدين اليهودي، اللغة العبرية، الحساب والهندسة الطبيعية، البيئة والزراعة، الوطن والمجتمع، الجغرافيا، التاريخ، المدنيات، اللغة الأجنبية (إنكليزية أو فرنسية)، الأشغال اليدوية والتدبير المنزلي، الفنون، الموسيقى، الرياضة، كما يحق للمدرسة إضافة موضوعات أخرى تختارها بنفسها.

أما بالنسبة إلى المدارس العربية فالمنهاج الإلزامي يشمل اللغة العربية أيضا، ويستبدل موضوع الدين اليهودي بموضوع الدين الإسلامي، أو بموضوع الدين المسيحي، وفيما يتعلق بمناهج التعليم الديني على اختلاف أنواعها فإنها تطبق منهاجا خاصا بها، وتضاف الى المناهج الرسمية برامج وفعاليات خاصة يتم تنفيذها في إطار المدرسة.

يضم المنهاج في المرحلة الإعدادية عشرة موضوعات تعليمية هي: الدين اليهودي، اللغة العبرية، اللغة الأجنبية (إنكليزية أو عربية) الرياضيات، التاريخ والمدنيات، الجغرافيا العامة وجغرافيا إسرائيل، العلوم الطبيعية، موضوعات مهنية متنوعة، فنون، رياضة، وقد بدأ فرض اللغة العربية كموضوع إلزامي منذ سنة 1989، على أن تتحول إلى موضوع إلزامي في المرحلة الثانوية بالتدريج.

 ويذكر أن الفارق الوحيد بين المدارس العربية والمدارس العبرية هو أن الأولى تدرس الدين الإسلامي، أو الدين المسيحي بدلا من الدين اليهودي، وتعتبر اللغة العربية فيها موضوعا أساسياً وتتيح وزارة التربية والتعليم للمدارس اليهودية حرية الاختيار بين تعليم اللغة العربية، أو اللغة الفرنسية كلغة ثالثة، ويتنوع اختيار المدارس بين كل من اللغتين". (دليل إسرائيل، ص421).

أخذ مخططو المناهج التعليمية في إسرائيل منذ البداية في الاعتبار، مشاكل مجتمعهم الجديد، وبخاصة مشكلته الكبرى في توحيد العناصر اليهودية المتنوعة الجذور واللغات والقادمة إلى إسرائيل من شتى بقاع الأرض ودمج هذه المجاميع وتوحيدها وصهرها، وإيجاد شعب تنطبق عليه في النهاية مقاييس علماء السياسة بخصوص الدولة-الأمة وكان أول وأبرز رئيس وزراء في إسرائيل، ديفيد بن غوريون (1973-1886) قد قال صراحة " يوجد لنا دولة، لكن ليست أمة". (دليل إسرائيل، ص422).

يقول الباحث د. أبو عصبة "إن المجتمع اليهودي داخل إسرائيل كان، وما زال، مجتمع مهاجرين، متعدد الطوائف والأصول العرقية وغير متجانس من حيث اللغة والعادات والتقاليد، وقد برز في الأعوام الأخيرة اهتمام خاص لدى الباحثين بالوقوف على "سيرورة" بناء الأمة، وأمة كهذه قد تنجح في بناء كيان سياسي أو دولة، لكن الجمهور الذي تتكون منه يبقى مفتقرا الى دعم انتمائة القومي، وإلى تشكيل هويته الجماعية، وهنا يأتي دور جهاز التعليم في ذلك الكيان، أو تلك الدولة".

 ويتناول الباحث مثلين في هذا المجال ضمن مناهج إسرائيل لهما ارتباط مباشر باليهودية الإسرائيلية، وهما تعليم التاريخ وعلم الآثار والحضارات.

وقد وضح قانون التعليم أن هدف المدرسة هو غرس "قيم الثقافة الإسرائيلية" و"حب الوطن" و"الولاء لدولة إسرائيل ولشعب إسرائيل"، وتمت ترجمة هذه الأهداف عمليا في المناهج الإجبارية التي شملت موضوعات التوراة والتاريخ اليهودي والصهيوني، وكذلك في موضوعات الوطن، مثل الجغرافيا والطبيعة والآثار، غير أنه جرى في الأعوام الأخيرة تغيير في وجهة النظر هذه في قسم من مناهج التعليم الجديد، بعد عملية نقد للمناهج بدأت منذ أوائل السبعينيات.

"بدأت عملية نقد متواصلة لنصوص تاريخ الصهيونية، أدت إلى حدوث ثورة صامتة في الجامعات، تمثلت في حلول "التاريخ الجديد" مكان "الهستوريوغرافيا" الصهيونية القديمة، أي "التدوين الرسمي" للتاريخ".

"وقام بذلك بعض الباحثين في الأكاديميا الإسرائيلية ممن يسمون المؤرخين الجدد أو مؤرخي ما بعد الصهيونية، هذه الثورة في الجامعات هي ثورة على أسس وصف التاريخ اليهودي المتعارف عليها، وبالذات بين مؤرخين ينتمون إلى التيار المركزي الصهيوني في البحث العلمي الإسرائيلي، وتغلغلت هذه الأفكار الى اللجان المهنية في وزارة المعارف التي يتحكم فيها الباحثون من الجامعات المهمة، وفي بداية التسعينيات أُلقيت على عاتق هذه اللجان مهمة تقويم المواد التي تدرس في موضوعات التاريخ والمدنيات والأدب والآثار، أي تلك التي لها علاقة بالهوية اليهودية".

ويضيف د. أبو عصبة أن "موشيه تسيمرمان"، رئيس قسم التاريخ في الجامعة العبرية، كان رئيس اللجنة التي أحدثت التغييرات في مناهج التاريخ للمرحلة الإعدادية سنة 1955، ويرى تسيمرمان (zimmerman) "أن التاريخ الصهيوني القديم كتب لتلبية حاجات زبائن لم تعد قائمة، وبذلك انتهى مفعول منظومة الفرضيات التي شكلت أساس الرواية السابقة". (عن ورقة المؤرخ الإسرائيلي تسيمرمان جدالات المؤرخين التجربة الألمانية والتجربة الإسرائيلية، 1996- دليل إسرائيل، ص423)

واقترح تسيمرمان "دراسة التاريخ اليهودي من خلال مجمل التاريخ العالمي، إذ إن كل جالية يهودية قائمة بذاتها من دون أن تكون لها بالضرورة علاقة بالرواية التاريخية اليهودية التقليدية، الأمر الذي يعني أن التاريخ غير اليهودي أثر في كل جالية يهودية على نحو مختلف"، فالتاريخ العالمي، كما يرى هذا المؤرخ، "يؤكد تنوع التجربة اليهودية".

back to top